أقلام وأراء

ماجد كيالي: الفلسطينيون خارج المعادلات والخصومات السياسية في إسرائيل

ماجد كيالي 17-2-2023: الفلسطينيون خارج المعادلات والخصومات السياسية في إسرائيل

لا يوجد شيء جديد في إسرائيل، بالنسبة للفلسطينيين، رغم التظاهرات العارمة التي باتت تشهدها تل أبيب والقدس، منذ أن شكّل بنيامين نتنياهو حكومته التي باتت تُعرف بأنها الأكثر يمينية ودينية في تاريخ هذه الدولة، إذ إن “الطوشة” تخص مجتمع الإسرائيليين ـ اليهود، في كيفية إدارة أحوالهم في تلك المستعمرة.

وفي الحقيقة، فإنه منذ إقامة إسرائيل (1948) تم إقصاء الفلسطينيين، الذين يُفترض أنهم مواطنون في الدولة، بفرض الأحكام العرفية عليهم، باعتبارهم “أغياراً”، أو مواطنين من درجة ثانية، كما جرى استبعادهم من مكانة أصحاب الأرض الأصليين، باعتبار أن إسرائيل تعتبر نفسها قامت في “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”. وقد ظل نفي وجود الفلسطينيين كشعب سارياً، منذ أكثر من سبعة عقود، واعتبارهم مجرد مقيمين، وتم تشريع ذلك مؤخراً في نص قانون ـ أساس (دستوري) أصدره الكنيست عام 2018، اعتبر فيه أن إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي، وأن لليهود حصراً حق تقرير المصير فيها، وهو ما اعتبر في حينه انتقاصاً من الديموقراطية لصالح اليهودية، أو انتصاراً للطابع الديني على الطابع العلماني في إسرائيل، على رغم أن المقصود فيه تهميش مواطنية الفلسطينيين.
وكما تبين في التجربة، مع كل حكومات إسرائيل (“العمل” و”ليكود” و”كاديما” و”هناك مستقبل”) فإنه لا يوجد أي طرف حزبي في إسرائيل يقارب مكانة الفلسطينيين، لا من جهة حقوقهم في المواطنة إن كان بالنسبة لفلسطينيي 48، ولا من جهة حق فلسطينيي الأرض المحتلة (1967)، بالتخلص من الاحتلال، وبإقامة دولة لهم، على الأقل بموجب اتفاقات أوسلو التي مضى عليها 30 عاماً؛ حتى أن الحزب الذي حاول مقاربة ذلك إلى حد ما، وهو حزب “ميريتس” اليساري لم تعد له مكانة في الخريطة السياسية الإسرائيلية، ولم يحظَ ولو بمقعد واحد في الكنيست، وفق نتائج الانتخابات الإسرائيلية التي أجريت في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.
إذاً الفلسطينيون هم على هامش السياسة الإسرائيلية، أو هم بمثابة نقطة إجماع الوسط الإسرائيلي ـ الصهيوني، بالمعنى السلبي، إذ لا يوجد أي طرف عند المعسكرين المتصارعين أو المتخاصمين يستطيع الخروج عن هذا الإجماع، وقد شهدنا أنه في عهد الحكومة السابقة (يائير لابيد ـ نفتالي بينيت) قُتل أكبر عدد من الفلسطينيين – 230 فلسطينياً في العام 2022 – علماً أنها بمكوناتها تقف في المعارضة اليوم، بل وفي قيادتها. كما شهدنا كيف تم تمرير إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، أيضاً، فإن كل حكومات إسرائيل السابقة المذكورة آنفاً، كلها جمّدت عملية التسوية مع الفلسطينيين، ولم تلتزم بالاستحقاقات المطلوبة منها إزاءهم.
هكذا فقد نشأت مع قيام إسرائيل، كدولة تعتمد الديموقراطية الليبرالية، عملية استبعاد الفلسطينيين، كأفراد، وكجماعة قومية، وكأصحاب الأرض الأصليين، أو أنها خصصت مكانة هامشية لهم، كأفراد، في سوق العمل الإسرائيلي، لا أكثر.
وهكذا فإن الصراع الدائر اليوم في إسرائيل بين التيار العلماني والتيار الديني، وبين تيار ديموقراطية الدولة، ويهوديتها، سيظل صراعاً مبتوراً، ومحدوداً، أولاً، بحكم نقص الليبرالية في حقوق المواطنة التي تحجبها عن الفلسطينيين، وبحكم نقص الديموقراطية في التعامل مع الفلسطينيين كجماعة قومية، وكأصحاب أرض أصليين. ثانياً، لأن الفكرة اليهودية هي فكرة مؤسسة عند التيار الليبرالي والعلماني الذي أسس إسرائيل، باعتبارهم الدين كرابطة قومية، وهو ما يعني قوة مضافة للتيار الديني في مواجهته مع التيار العلماني.
لنلاحظ أن النقاش الإسرائيلي المحتدم اليوم لا يرى الفلسطينيين إطلاقاً، حتى أن التظاهرات التي خرجت استبعدت الفلسطينيين، بل ووضعت شروطاً على أي مشاركة لهم من ضمنها عدم رفع علم فلسطيني، وعدم التقدم بمطالب ذات طابع قومي، بمعنى أن من يريد أن يشارك يفترض أن يوافق على طبيعة هذه الدولة كدولة يهودية، أو لليهود، مع طابعها الاستعماري والعنصري.
المشكلة، أيضاً، أن النقاش الإسرائيلي الذي ينتقص من مكانة الفلسطينيين، يستجر انتقاصاً من طبيعة إسرائيل كدولة ديموقراطية لليهود من مواطنيها، كما ينم عن غلبة التيار الديني على العلماني، وهو يزعزع فكرة فصل السلطات في النظام السياسي الإسرائيلي، وضمن ذلك تقويض مكانة المحكمة العليا، وإضعاف استقلالية القضاء، باعتبار أن كل تلك الخطوات تقوّض الديموقراطية الإسرائيلية، التي لا ترى فلسطينيين يجري التمييز ضدهم من مواطني الدولة، ولا شعباً فلسطينياً تحت الاحتلال منذ العام 1967 على الأقل، فهؤلاء جرى الالتفاف على وضعهم باعتبارهم تحت حكم سلطة فلسطينية.
لا مكان للفلسطينيين في الجدالات والخصومات الإسرائيلية، على البيت الإسرائيلي، ومع ذلك ثمة خلافات وتناقضات حقيقية وعميقة بين التيارات السياسية الإسرائيلية، ولكنها خلافات تتعلّق بفهم كل تيار للشكل الأفضل الذي يريد أن تكون عليه إسرائيل، وللطريق الأمثل الذي يؤمن استقرارها ومصالحها وسبل تطورّها، كدولة لليهود، وهي خلافات تتعلق بصورة إسرائيل وطبيعة تحالفاتها في العالم، لا سيما مع الغرب وبخاصة الولايات المتحدة، التي أبدت امتعاضها من محاولة الانقضاض على المحكمة العليا، وعلى الطابع الديموقراطي لإسرائيل، مع امتعاضها بالطبع من تزايد سطوة المتطرفين الدينيين أمثال سيمتريتش وبن غفير، والسعي لتعزيز الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ومع ذلك فإنه لا بد لنا من الإشارة إلى أنه من الصعب المراهنة على التناقضات الإسرائيلية، أو على تحفظ الغرب عن السياسات الإسرائيلية المتطرفة، وذلك بسبب قدرة إسرائيل على تأجيل أو تجاوز أزماتها، ومقدرتها على حل أو تذويب تناقضاتها، في إطار اللعبة الديموقراطية الداخلية، وبسبب من توحّد الإسرائيليين تجاه أي صراع خارجي، كما بسبب إدراك إسرائيل أن الدول الغربية لن تذهب بعيداً في الضغط عليها، كما تبيّن من كل التجارب السابقة، ما يعني أن إسرائيل، في ظل حكومتها المتطرفة، ستواصل طريقها، إلى حين توافر الظروف الداخلية اللازمة لإسقاطها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى