#شؤون مكافحة الاٍرهاب

كيف تعيد «الإخوان» تشكيل نفسها من جديد؟

موقع المرجع ماهر فرغلي – 22/10/2018

تعيد جماعة الإخوان تشكيل نفسها الآن من جديد في المنطقة، لاحظوا كيف انقلبت مواقف حزب الإصلاح باليمن، وكيف أصبحت الجماعة بالأردن، وكيف هو حالها الآن بتونس والشمال الأفريقي.

«الإخوان» في مصر حالة خاصة ومتفردة، نظرًا لأن الحاكم الفعلي للتنظيم، هو جيل تاريخي من القطبيين والسلفيين، الذين انتشروا فى أروقة الجماعة بدءًا من السبعينيات وحتى اليوم، فيما يطلق عليه تسلَف الإخوان، ما أدى إلى صراع خطير داخل الجماعة حول الاستراتيجيات مع النظام، ومن الأحق بالقيادة.

فى البداية، لابد وأن نعرف أن جماعة الإخوان هى تنظيم قادر على التشكل والتلون في كل مرة بشكل جديد، نظرًا لأنه يملك ما يعرف باسم (سياسة التجميع) فهو يحوي بداخله كل الأطياف، وكل الأفكار في بوتقة واحدة، وفق قاعدة أطلق عليها القاعدة الذهبية، وهي (يعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه، ونجتمع فيما اتفقنا عليه)، لا ستجد بها السلفيون والصوفيون، ومن يكفرون الحكام، ومن يؤسلمونهم، ومن ينادون بالجهاد، ومن يتحدثون عن السلمية والدعوة.

أسباب قدرة الجماعة على التشكل

أعطت سياسة التجميع، الجماعة القدرة على إعادة التموضع والتشكل في كل مرة تمر فيها بمحنة، كما أعطتها القدرة على المناورة، والتحرك بين الدفتين السلفية الجهادية، والصوفية الموعظية، وجعلتها في كل مرة قادرة على طرح تحولات جديدة.

الأمر الثاني الذي جعل الجماعة قادرة على التحرك بمرونة دون قدرة أتباعها على الأقل على محاسبتها، هو عدم كتابة تاريخها حتى الآن، فكل ما صدر عن التنظيم حتى اللحظة هو محاولات فردية للكتابة التاريخية، التي حمل بعضها تضخيمًا وتهويلًا، وحمل الآخر تهوينًا، مثل حوادث الاغتيال والتصفية بين قادة التنظيم، عبدالرحمن السندي والسيد فايز وغيرهما، بل وكان في بعضها الآخر، قد حمل كذبًا واختلاقًا لوقائع متنوعة، خاصة التي حدثت في عهد الملك فاروق ثم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.

كما طُرح ما أطلقوا عليه (مصلحة الدعوة) نافذة لكل من صنعوا تاريخ الجماعة، أن يتحركوا ويأخذوا القرارات المصيرية التى كانت تتعلق ليس بالتنظيم فقط، بل الدولة، دون أن يستطيع أحد محاسبتهم، بحجة أن ذلك من أجل مصلحة الدعوة، وهي التي كانت تعني بالأساس مصلحة القيادة، التي كانت يمكن أن تتحاور مع الأجهزة الأمنية سرًا، أو تتحالف مع الأحزاب التي تخالفها الأيديولوجية، دون أن يستطيع أحد وضعهم تحت مقصلة الحساب، ما أدى إلى فساد مالي، وإداري كبير جداً، حتى أن اللائحة لم يكن لها أية فائدة، ولا حتى المجالس التنظيمية كمجلس شورى التنظيم، له قدرة على حل تلك المعضلات.

مرحلة الإسلام الثوري

وضع «الإخوان» بذرة ما يعرف بــ«الإسلام الثورى»، ورفعوا صورة شعارهم (سيفان ومصحف)، وتحدثوا وكتبوا عن الإعداد للجهاد، وانشأوا الجناح الخاص، وكانت كل سنوات تاريخهم عبارة عن كر وفر، وضحايا، وسجون، حتى وصلوا للسلطة.

امتلأت كتب الإخوان بالحديث عن الجهاد والإعداد له، والحكومة الإسلامية، والمشروع الإسلامي الذين كانوا أول من تحدث عنه، ووضعوه فى قوالب جاهزة، دون تصور واضح لما بعد هذا المشروع.

بناء على ما سبق، رأينا كيف أن «الإخوان»، كانوا يعملون من خلال المشروعية التى منحتها لهم دولة الملك فاروق، ثم كيف رفضوا شرعية الرئيس عبدالناصر، وبعدها عادوا للعمل من خلال نفس المشروعية مع الرئيسين أنور السادات وحسنى مبارك، ثم تحولوا إلى حيث بدأوا، كجماعة خارج إطار الدستور والقانون، بل والدولة نفسها.

التقط «أبو الأعلى المودودى» تلك الكتابات فكتب عن الحكومة الإسلامية، ودرس «آية الله الخوميني» كل كتابات سيد قطب منظر الإخوان، ونجح فعلاً في تطبيق الأمثلة الإخوانية، وهي الدوائر الثلاث، الحكومة والشعب والحركة، وتحدث عن وحدة الحركة الفكرية، واعترف أنه أخذ ذلك من الإخوان.

نجح الإسلام «الثورى الشيعي» في إيران، بعد سقوط عشرات الآلاف من الضحايا، وعاد رجل الدين من منفاه الفرنسى، ليمثل نجاحه مثلا لجماعات أخرى سنية كانت تتحدث فقط، فبدأ الجهاد الأفغاني المسلح، وخطط الجهاديون المصريون لاغتيال السادات وقلب نظام الحكم، كما قام الإخوان بسوريا بالثورة الشعبية المسلحة عام 82، فوقعت أحداث حماة الدموية، التي قُتل فيها نحو 30 ألف سورى، وفى كل مرة تفشل جماعات الإسلام الثورى،يقفز الإخوان من السفينة، ويتحدثون عن الدعوة، ومصلحتها، والعودة لإسلام المساجد، والنقابات، والبرلمانات.

فشل الإسلام السياسى الثوري في تحقيق مراده، إلا أنه لم ييأس، وفي كل مرة كان يرجع الخطأ عند الجماعة الأم الإخوان، إما شرعيًا، وإما استراتيجيًا، لاحظوا كيف كتب «الظواهرى» عن الإخوان كتاب (الحصاد المر)، وكيف عاد فيما بعد وأيدها في مصر.

تصورت جماعات الإسلام الثوري، أن هناك 3 حالات لابد من العمل من خلالها، وهي: الثورة الشعبية المسلحة، أو الانقلاب العسكري، أو حرب العصابات، وهذا كله لن يتأتى إلا بالعمل السري العنقودي.

حاول الإسلام السياسي في نسخته السنية إنجاح المشروع الذي وضع بذوره «حسن البنا»، إلا أنه فشل فشلاً ذريعاً، بسبب التهميش، أو الإقصاء والتكفير الذي كان يواجه به أعداءه، كما كان هو يواجه به.

من المواجهة إلى المشاركة

يطرح «الإخوان» دائمًا فى كل مرة تجربة الإسلام المشارك، الذي يتشارك مع الآخرين، لكن ذلك من الناحية النظرية فقط، إلا أنه في الآونة الأخيرة وعقب فشلهم في مشاريع السلطة بتونس ومصر، بدأ يتشكل الاتجاه الجديد، وبدأت الجماعة تتموضع حول نوع جديد من الاستراتيجيات وهو «نحن وأنتم»، وليس (نحن أو أنتم)، التي كانت واضحة بمصر تمامًا، بعد سنوات وعقود من الفوضى والصراعات وراء نموذج «الإسلام المواجه»، «الإسلام المسلح» الذي يطرح نفسه بديلًا كاملًا عما هو قائم.

بدأ الحديث عن الإسلام المشارك، في ماليزيا، ثم في أقصى الغرب بالمغرب، الذى تحدث فيه أفراد الجماعة عن مشروعين منفصلين، هما مشروع الهوية (الخلافة والشريعة)، ومشروع (رعاية شؤون الرعية)، واستطاعوا الفصل بين المشروعين معًا، ونشأ حزب «العدالة والتنمية» المغربى الحاكم الآن، والتقط «أردوغان» التجربة، ليقوم بإطلاق نفس الحزب بأسطنبول، حتى وصل للسلطة أيضًا، وكان في هذا الوقت يتشكل وعي راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة التونسية، وجاء وصولهم للسلطة، والضغوطات التي تعرضوا لها في الإيمان بالمشروع بالكلية.

أكد مفكر الحركة عبدالفتاح مورو أن الحركة الإسلامية في تونس اتجهت إلى الدسترة، أي عبر الاندراج ضمن الثقافة السياسية في البلاد، والتخلي عن حلم إقامة الدولة الإسلامية، لصالح العمل ضمن إطار الثقافة السياسية الحالية، أي الخاضعة لضوابط القانون.

وأضاف في حديثه المطول الذي نشرته «النهضة» عبر صفحتها على فيس بوك: «إن الإسلاميين كانوا يتبنون خطابًا دعويًّا واجتماعيًّا، لكن هذه المراحل لم تلغ هدفهم وهو السلطة، وقد يتوقفون عند مرحلة ما لأن ظروفهم لا تسمح لهم بالتقدم، لكن كان الهدف النهائي ضامرًا في أنفسهم، ومن دون عنوان، وهو الوصول إلى تحكيم الشرع»، مضيفًا، «الذي لم تدركه هذه الحركات أن المطلوب حاليًا هو نظرة جديدة تأخذ بعين الاعتبار الواقع الراهن، وهو معنى لم يتسرب إلى أذهان الدعاة والحركات الإسلامية التي بقيت لديها صورة واحدة عن الإسلام وهي الصورة التاريخية. وهذا يفسر لماذا لا يوجد في أدبياتنا كحركة إسلامية مبحث خاص بالحكم في العصر الحديث من منظور إسلامي، أي عندما سنصل إلى الحكم ما الذي علينا أن نفعله. ويعود ذلك إلى أن المثال قائم في الأذهان وسنستمده من التاريخ عبر النقل الحرفي إلى الواقع إذا توفرت الظروف، وتعتبر هذه من أكبر النقائص التي جعلت الإسلاميين يتعثرون عثرات مسقطة، ولا سيما بعد قيام الثورة».

«إن الإسلاميين ليس لديهم مشروع للحكم، وكل ما فعلوه أنهم نقلوا المثال الغربي ليس إلا، والذي كانوا ينتقدونه ولا يرون فيه صفة الإسلامية. واتجهوا من دون أن يتساءلوا نحو البرلمان وقانون الأحزاب ورئاسة الجمهورية، وكل ذلك لأن الإسلام تجنب أن يعطي صورة محددة للحاكم وصلاحياته، وإنما اكتفى بالعموميات، فالرسول لم يصرح بكيفية السلطة ولا بصلاحيات الحاكم وصورته، وكل ما نص عليه الدين، هو أن يوفر الحكم الحريات وكرامة الإنسان والعدالة، وأن يكون الحاكم أمينًا على الأمة، وأن يستمع إلى الناس ويشاورهم».

«إن النقد الذاتى شرط فى عالم الحداثة، وكما كرسنا هذا فى تاريخنا سنرسخه فى مؤتمرنا العاشر٬ الذى ينتظر منه التونسيون الكثير»، مضيفا «أن حل أزمات الشرق الأوسط يتطلب المصالحات بين الفقراء والاغنياء، بين الشمال والجنوب، بين الثقافات والحضارات والأديان، ومن لا يتعامل مع حركة النهضة، يقصي نفسه».

إلى هنا انتهى حديثه، لكن الإخوان المصريين قالوا إنه لا يوجد فصل حقيقي بين الديني والسياسي، لأن هذا الفصل، هو طريقة توظيفية إجرائية للعمل.

وما زال الإخوان يتحدثون عن حكم الديمقراطية، وقضية الهوية، ومسكونين بقصة الحكام وتكفيرهم، والشريعة الإسلامية، وأمامهم سنوات طوال حتى يتحولوا اجتماعيًا وثقافيًا، إلى مقاصد الشريعة العامة، والبحث فى حلول لمشاكل المجتمع، والعمل داخل مشروع لخدمة شؤون المواطنين، لا مشروع الهوية، وخطاب الخلافة، أو ما يطلق عليه الانتقال من الطور الاحتجاجى، إلى طور البناء والمشاركة السياسية.

التوظيف الجديد للجماعة

رغم أن الإخوان بمصر أمامهم سنوات طوال ليتحولوا إلى المشروع الجديد، فإن الجماعة وتنظيمها الدولي، بدأ بالفعل بالتشكل وفق الصورة الجديدة.

يتحدث الإخوان الآن عن إعادة تشكيل التنظيم الدولي، بل وإلغائه، وجعله تنسيقيًّا فقط، كما بدأوا في اليمن طرح مشروع مستقل مرتبط خليجيًا أكثر من ارتباطه دوليًا.

في الأردن، انقسمت الجماعة، وبدأ التيار المشارك الشرعى، يأخذ الخطوات القانونية للعمل وفق الدستور الأردني، عن طريق الاندماج والممارسة السياسية الشفافة والمتوازنة التي تعتمد على الكفاءة والخبرات، وليس ادعاء الطهر والنقاء والورع والقدسية.

كما في الجزائر والمغرب الذي كان سابقًا على كل هؤلاء، لا تزال مراجعات الجماعة طويلة وقائمة، لحل إشكالية الفقهي والسياسي، فضلاً عن أن الإخوان أنفسهم، غارقون في جملة من الإشكالات، وهي السري والعلني، الدولة واللا دولة، وغيرها.

«الإخوان» في صورتها الجديدة ستعلن عن عدم إقصائها لأحد، وأنها حزب سياسي وليس دينيًا، وأنها اختارت، التحول من استراتيجية الصدام الشامل مع النظام، إلى سياسة التعايش أو التكيّف الإيجابي، أو ما يمكن أن نسميه «الإصلاحية».

ستقوم الجماعة بإعلان إلغائها لنظامها الخاص والجناح العسكرى، وسترفض أى حديث أن لها مجموعات نوعية تابعة لها، وأنها حزب فقط.

ولذا فان مدى قبول المجتمع أو قبول بعض الدول كمصر لهذه الوضعية للجماعة، محكومة بعوامل كثيرة، أهمها الخطوة التي ستأخذها الجماعة مستقبلاً، ومدى توافقها مع ظروف الواقع الذي يرفض التنظيمات كلها حالياً.

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى