ترجمات أجنبية

فورين بوليسي: على دول الخليج وإسرائيل تشكيل قوة رد سريع

فورين بوليسي 5-9-2022م، سام مندي (*)

عندما قام الرئيس جو بايدن برحلة قصيرة على متن الطائرة الرئاسية من إسرائيل إلى السعودية في جولته الأخيرة للمنطقة، وهي رحلة رمزية أظهرت الترابط الإقليمي المتزايد. فبعد عامين على توقيع اتفاقيات إبراهيم بين إسرائيل والبحرين والإمارات العربية المتحدة، فالخطوات المقبلة في التعاون بالشرق الأوسط باتت واضحة.

وتعمل إسرائيل وعدد من دول الخليج والولايات المتحدة على بناء تحالف دفاعي جوي. ورغم محدودية التعاون العملي إلا أن وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس زعم في حزيران/يونيو أن الشراكة الدفاعية الجوية الناشئة تلعب دورا في تحييد الهجمات الإيرانية.

 وبنفس السياق تعمل الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية على أسطول من المسيرات البحرية لمراقبة مياه الخليج ووقف التهديدات الإيرانية. إلا أن حراسة المياه ومنع الهجمات الصاروخية والمسيرات الإيرانية هما مثالان فقط عن التعاون الأمني الممكن في المنطقة.

ففي منطقة معرضة دائما للأزمات، فإن الأمن والردع يعتمدان على قدرة الحشد السريع ونشر القوات. وفي شباط/فبراير، وبعد أيام من الغزو الأوكراني، قام الحلفاء الغربيون بتفعيل قوة الناتو للتدخل السريع ووسعوها من 40.000 إلى 300.000 جندي.

ويجب أن تتركز جهود تطوير قوة رد سريع مماثلة في الشرق الأوسط، حيث يواجه الشركاء تهديدات مشتركة وأمنا جمعيا لا يزال في مهده، الخطوة المقبلة في بناء الروابط العسكرية والسياسية. ومثلما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتريش مصيبا إن الشرق الأوسط هو المنطقة الوحيدة من النزاع المستمر ولكنه المنطقة الوحيدة بإمكانيات وقدرات مثيرة للإعجاب.

ورغم ما تلعبه التجارة والسياحة الناجمة عن اتفاقيات إبراهيم من دور مهم إلا أن التعاون الأمني سيكون أساسيا في عمليات دمج المنطقة. فقوة متعددة الجنسيات مكرسة للرد السريع في الشرق الأوسط، هي بالضبط النهج الذي سيربط الدول المتقاربة في التفكير معا وتعمل كوسيلة ردع.

قوة إقليمية للأزمات في الشرق الأوسط ليست أمرا جديدا. فقد كتب أول قائد للقيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط، الجنرال جورج كريست إلى وزير الدفاع في حينه، كاسبر واينبرغر في عام 1986 “يجب منح الأولوية للحروب القائمة على التحالف”. وفي الآونة الأخيرة دعم آخر قائدين للقيادة المركزية فكرة التعاون مع الشركاء في الشرق الأوسط وتطوير إطار يضم قدرات مثل الرد السريع للناتو. وستكون القوة المتصورة ملكا للشركاء الإقليميين وبدعم أمريكي ومكلفة بمهمة إنسانية وأمنية. ويقول إنه تقدم بالفكرة عندما كان قائد قوات المارينز في الشرق الأوسط، وحظيت الفكرة بدعم وتردد من شركاء الولايات المتحدة. وطالب البعض بالحصول على ضمانات بأن لا تتحول القوة الجديدة إلى نسخة مكررة عن الجهود الموجودة مثل تلك التي أنشأها مجلس التعاون الخليجي. وعبروا عن قلقهم أيضا من الشرعية الدولية وتساءلوا عن الكيفية التي سيؤثر فيها إنشاء قوة جديدة على علاقاتهم مع الولايات المتحدة.

وفي السنوات الأخيرة، جعلت الكثير من التطورات القوى الإقليمية القائمة أشكالا من الزمن القديم وفتحت المجال أمام طرق للتعاون، وتحديدا مع إسرائيل.

وزادت الحاجة إلى قوة شرق أوسطية للرد السريع مع زيادة التهديدات الإقليمية المتعددة. وفي الوقت الذي تم فيه القضاء على تنظيم الدولة إلا أن تهديده في الداخل والخارج لا يزال قائما. وتزايد العدوان الإيراني، حتى مع المفاوضات لإحياء الاتفاقية النووية. وإلى جانب المقذوفات الصاروخية والصواريخ والطائرات المسيرة التي استهدفت مواقع في العراق والسعودية وسوريا والإمارات، تحرشت البحرية الإيرانية بالسفن العسكرية والتجارية في المياه الدولية بالخليج.

وبدون ردع، فستواصل إيران عدوانها، سواء تم التوصل لاتفاقية نووية أم لا. وفي المنطقة هناك قوات رد قائمة، وبخاصة قوات درع الجزيرة التابعة لمجلس التعاون الخليجي، لكنها ليست قوة جاهزة للرد ويجب نشرها بعد موافقة أعضاء المنظمة. ولم يحدث هذا سوى مرتين في تاريخ القوة منذ إنشائها قبل 38 عاما. ففي عام 2003 تم نشر 10.000 جندي وسفينتين حربيتين لحماية الكويت من هجمات عراقية محتملة. والمرة الثانية، في عام 2011 عندما دعمت وحدة صغيرة الحكومة البحرينية أثناء الانتفاضة المحلية. ونظمت قوات درع الجزيرة مناورات مشتركة عامي 2016 و2019 ولكنها ليست القوة المدمجة والمدربة التي يحتاج إليها اليوم لمواجهة عدة تهديدات.

اتفاقيات إبراهيم تجعل من إمكانية إنشاء قوة للرد السريع ولمواجهة التهديدات المتعددة ممكنة. فمنذ توقيعها زادت العلاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين، وبخاصة في القضايا الأمنية المتعلقة بإيران ونشاطاتها العدوانية بالمنطقة. فقوة إقليمية للرد على الأزمات تضم قوات عربية وإسرائيلية ستكون خطوة أخرى للبناء على وعود اتفاقيات التطبيع، ويمكن مدها لتشمل الاستجابة للاحتياجات السياسية والأمنية.

ومن شأن قوة الرد السريع المتعددة الجنسيات أن تسهم في الأمن الإقليمي والاستقرار من خلال تقوية مشاركة الشركاء عبر تطوير القدرات والتعاون البيني المحسن والاتفاقيات المتماسكة بشأن الأهداف الأمنية المشتركة.

كيف سيكون شكل هذه القوات؟

 ستكون قوات يملكها الشركاء في المنطقة وتدعمها وتقدم النصح لها الولايات المتحدة ومكلفة بأهداف أمنية ومصالح إنسانية. وستكون متوازنة وبتدريب عال ويتم الحفاظ على جاهزيتها وبأعلى المستويات. وسواء كانت هذه القوات متمركزة دائما أو تنشر عند الحاجة، فهذا أمر يقرره المشاركون فيها. ومن ناحية الشرعية، وهو أمر طرح أثناء النقاش، فإن الجامعة العربية والأمم المتحدة لديهما الآلية لهذا. فالبند 43 من ميثاق الأمم المتحدة يسمح للدول الأعضاء التوافق على ترتيبات تسهم في الحفاظ على السلام والأمن الدوليين. ويدعو البند 52 من نفس الميثاق إلى السلام الإقليمي والترتيبات الأمنية طالما كانت “متطابقة مع أهداف ومبادئ الأمم المتحدة”. وبنفس السياق يسمح ميثاق الجامعة العربية، بند 9، للدول الأعضاء البحث عن “تعاون قريب وصلات قوية” و”توقيع اتفاقيات بين بعضها بالطريقة التي تريدها”.

إن بناء قوة رد سريع إقليمية ستعطي فوائد كثيرة منها: ستكون مدربة بشكل حرفي وتنشر سريعا وقوة تقليدية وتوازن اعتماد المنطقة في السنوات الأخيرة على العمليات الخاصة.

ومثل نموذج الناتو الذي سرع من تطوير العلاقات والعلاقات البينية بين جيوش الناتو، فقوة رد سريع شرق أوسطية ستحظى بتبادل في القوات، ومناورات منتظمة وتطوير معايير تدريب وتقييم مشتركة. وكل هذا سيزيد من جاهزية القوات. وأمر ثان، فقوات جاهزة ومدربة وتتعاون فيما بينها وقوة رد هي بمثابة ردع. وستضيف مصداقية للكثير من السيناريوهات الممكنة بما فيها التهديدات الحدودية والبحرية والإرهاب والأفعال الخبيثة الأخرى لدول معادية ووكلائها. وستساعد على منع تطور الأعمال الصغيرة لأعمال كبرى.

وربما تم نشر هذه القوات للقيام بأعمال إنسانية في ظل تعرض الشرق الأوسط للتغيرات المناخية والكوارث الطبيعية. وأحداث كهذه عادة ما تضغط على قوة الحكومات المحلية وتمتحن إرادة الحكومات، وبخاصة تلك التي لديها مصادر محدودة. وقيام قوة الرد السريع الإقليمية بالسيطرة على الوضع لحين وصول الدعم الدولي، سيكون هدفا منطقيا وراء إنشائها. وسيساعد الدعم الأمريكي والإرشاد على بناء حس الاعتماد على النفس بين الدول المشاركة في القوات هذه.

ومع ذلك فلن توافق دول المنطقة على قوة مندمجة لو رأت أن الولايات المتحدة تحاول التخلي عن واجباتها الأمنية وتحيلها لقوة إقليمية، فالقيادة الأمريكية ضرورية للتفاوض على إنشاء القوة ومشاركة الدول فيها. وربما تشاركت القوات الأمريكية المنتشرة بشكل مؤقت أو دائم مع قوة الرد السريع. ويقول الكاتب إن الحواجز القديمة تنهار في الشرق الأوسط، ويجب أن تستثمر الولايات المتحدة حسن النية هذا وتدفع لخلق قوة رد سريع وبناء قدرات ردع عظيمة وأمن للشرق الأوسط.

*سام ماندي، قائد قوات المارينز سابقا في القيادة المركزية الأمريكية بالشرق الأوسط 

Gulf States and Israel Should Form a Rapid Response Force

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى