ترجمات أجنبية

فورين أفيرز: الشرق الأوسط متعدد الاتجاهات: كيف يجب أن تتكيف أمريكا مع النفوذ المتزايد للصين في المنطقة

فورين أفيرز 17-7-2023، جنيفر كافانا وفردريك ويهر *: الشرق الأوسط متعدد الاتجاهات: كيف يجب أن تتكيف أمريكا مع النفوذ المتزايد للصين في المنطقة

في الوقت الذي أُعلن فيه ، في آذار (مارس) 2023 ، كان يُنظر إلى الاتفاق الذي توسطت فيه الصين بين إيران والمملكة العربية السعودية على نطاق واسع على أنه علامة على وصول بكين إلى سياسات القوة في الشرق الأوسط.

على الرغم من أن إدارة بايدن نفت أن دور الصين في التوسط في الاتفاق – الذي أعاد العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران – يعكس تراجع النفوذ الأمريكي ، فإن تصرفات واشنطن منذ ذلك الحين ترسم صورة مختلفة. على مدى الأشهر القليلة الماضية ، نشرت الولايات المتحدة موارد عسكرية إضافية في المنطقة ، وزادت الدوريات والتدريبات المشتركة حول مضيق هرمز ، وأشارت إلى أنها ستدفع صفقات الأسلحة مع شركاء إقليميين مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. (الإمارات العربية المتحدة) وتوسيع نطاق التدريب مع مصر والكويت وغيرهما – كل ذلك في محاولة واضحة لطمأنة الشركاء العرب على التزامها بأمن الشرق الأوسط.

هذه الجهود لن تزيد من التأثير الأمريكي، فتوجه القوى العربية نحو الصين، لم يكن نتيجة لتراجع الوجود العسكري الأمريكي. فهذه الدول تعترف بالرصيد العسكري الأمريكي بالمنطقة لكنها ليست متأكدة من استعداد واشنطن لنشره نيابة عنها.

وبدلا من ذلك تتعاون هذه الدول مع الصين في مجالات مثل البنى التحتية والتكنولوجيا حيث ترى أن الولايات المتحدة لا تستطيع أو غير مستعدة لمساعدتها بها. وهي تريد الحصول على أنظمة عسكرية متقدمة مثل المسيرات القتالية التي وضعتها الولايات المتحدة خارج الطلب.

 وأكثر من هذا، تميل السياسة الخارجية الصينية للتعامل بود مع الأنظمة الديكتاتورية واستطاعت بيجين البقاء على مسافة متساوية من القوى الإقليمية المتنافسة، مما منحها الفرصة للعب دور الوسيط. وفي ضوء هذه التوجهات، باتت الولايات المتحدة بحاجة إلى نهج جديد بالمنطقة. وعليها القبول بالملامح الإيجابية من الوجود الصيني في الشرق الأوسط وتشجيع مساهمة بيجين لا أن تحتويها في التنمية الإقليمية والاستقرار. ويجب على واشنطن أن تتبنى ردا واضحا ضد أفعال الصين التي تضر بالمصالح الأمريكية.

وبنفس الوقت، على أمريكا ألا تضاعف من استراتيجيتها التي عفا عليها الزمن وتركز على الأمن، أي المتجذرة في جهود أمريكا لبناء كتل دفاعية لمواجهة الزحف الصيني. وبدلا من هذا، يجب على الولايات المتحدة توسيع أدوات سياستها والاستثمار في المنطقة لمجالات تتمتع فيها بالتفوق النسبي مثل الاستثمار في تعزيز القوى البشرية والتعليم والتكنولوجيا الخضراء والمنصات الرقمية. وعليها دعم اتفاقيات مع الشركاء العرب والقوى الصاعدة المتوسطة مثل البرازيل والهند واليابان والتي تسمح بتنويع المساهمين بالمنطقة وجلب الاستثمار وإنعاش المشاركة الأمريكية في التجارة والتغيرات المناخية والأمن الغذائي وبقية الأمور.

وعلى مدى العقد الماضي، اتسمت السياسات الخارجية لدول الشرق الأوسط بالتحول نحو الانحياز المتعدد، ولم يعد حتى الشركاء التقليديون للولايات المتحدة، مثل مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة راضين عن جهود أمريكا لخلق كتل بقيادة أمريكية خالصة. فهذه الدول تبحث عن شراكات مع عدة قوى بما فيها الصين والهند وروسيا والولايات المتحدة.

 مثلا، عمقت الإمارات العربية رغم شراكتها الأمنية والاقتصادية مع الولايات المتحدة، من علاقاتها مع الصين من خلال التجارة والتشارك في التكنولوجيا وصفقات أسلحة جديدة، كما ولم تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع روسيا، رغم غزو أوكرانيا عام 2022. وتقوم بمبادرات واستثمارات ثنائية تجارية وتكنولوجية مع الهند، ودخلت معها في شراكة اقتصادية شاملة عام 2022.

ومثل دول الشرق الأوسط التي تسعى لانحياز متعدد، فهذا سيعيد تشكيل التأثير الأمريكي بالمنطقة. ومع أن الشرق الأوسط بات منطقة انحياز متعدد إلا أنه ليس منطقة متعددة الأقطاب، لأن الولايات المتحدة لا تزال المهيمن الأمني فيه ومن المستبعد أن يتم تحدي هيمنتها في المستقبل القريب. وقد انخفض عدد القوات الأمريكية المنتشرة في المنطقة من ذروتها، إلا أن عددها الحالي 30.000 جندي وهو نفس العدد قبل غزو أمريكا للعراق.

ولا تزال الولايات المتحدة تنفق سنويا مليارات الدولارات على المجالات الأمنية في المنطقة، وارتفعت حصة واشنطن من صفقات السلاح إلى 54% في الفترة ما بين 2018 – 2022، بزيادة عن 47% في الفترة ما بين 2010-2014 وذلك حسب أرقام معهد ستوكهولم لأبحاث السلام العالمي. والسبب وراء الزيادة هو العقوبات الأمريكية على روسيا بعد غزوها لشبه جزيرة القرم عام 2014.

وأكثر من هذا، تحتفظ الولايات المتحدة بمنشآت عسكرية في دزينة أو أكثر من دول المنطقة، وتتراوح ما بين قواعد عسكرية كبيرة وصغيرة ونقاط عسكرية أو تدريب ومخازن للسلاح والمعدات العسكرية. لكن الهيمنة لا تعني التفرد، فوجود الصين العسكري وإن كان محدودا إلا أنها تستطيع منح شركائها فرصا دفاعية واقتصادية لا تقدمها أمريكا. فالصين، ليس لديها سوى قاعدة عسكرية واحدة في جيبوتي، إلا أنها استثمرت في موانئ المنطقة التي يمكن أن تستخدم للنشاط المدني والعسكري، مع زيادة التجارة مع دول الشرق الأوسط.

وبحسب تقرير استخباراتي سرب في كانون الأول/ديسمبر 2022، فقد سمحت الإمارات للصين باستئناف العمل في منشأة لوجيستية عسكرية، بغرض الإضافة للوجود العسكري الأمريكي الكبير، لا استبداله. واستخدمت الصين نفس استراتيجية التشارك في التكنولوجيا العسكرية مع المنطقة، فهي لا تقدم دعما عسكريا لدولها ولا تمثل صفقات الأسلحة مع الصين إلا نسبة 5% من مجمل صفقات السلاح للمنطقة، ولكنها تعطي فرصة لشراء أسلحتها الرخيصة ومنفذا مجانيا على أسلحتها المتقدمة، مثل المسيرات والصواريخ الموجهة بدقة وغير المتوفرة لدى الدول في أمريكا.

وتتعامل دول المنطقة، مثل السعودية والإمارات مع أنظمة السلاح الصينية كمتمم للسلاح الأمريكي وليس بديلا عنه، والتي تواصل شراءه وتفضله نظرا لنوعيته ومكانته. ووفرت الصين مساعدات للحكومات العربية ودعم أمنها الداخلي، بما في ذلك التدريب وتوفير تكنولوجيا الرقابة. ومنذ عام 2021، أصبحت مصر والبحرين والكويت وقطر والسعودية والإمارات شركاء حوار في منظمة شنغهاي للتعاون، وهي مجموعة أمنية واقتصادية صينية تضم روسيا أيضا. وانضمت إلى تركيا التي كانت شريك حوار منذ 2013، وإيران التي منحت عضوية كاملة هذا العام. وبالنسبة لشركاء واشنطن، فالمشاركة في منظمة شنغهاي للتعاون تقوي علاقاتها مع الصين وروسيا ودول وسط آسيا بدون استبدال علاقاتها العميقة والشاملة مع الولايات المتحدة. ويمكن للصين أن تلعب في المجال الاقتصادي دورا أهم من الولايات المتحدة بدون أن تحل محلها.

فقد تجاوزت التجارة الصينية تجارة الولايات المتحدة مع المنطقة، وتفوقت في 2019 على الاتحاد الأوروبي لكي تصبح الشريك التجاري الأول للمنطقة. وتكشف بيانات صندوق النقد الدولي خلال العقد الماضي عن زيادة تجارة الصين مع الشرق الأوسط بنسبة 40%، وذلك بسبب الصادرات للمنطقة وتعطشها المستمر للنفط القادم منها.

وفي المقابل تراجعت صادرات وواردات الولايات المتحدة. وجلب توسع حجم التجارة الصينية مع المنطقة معه تأثيرا، لكن الهيمنة الأمريكية لم تنكسر، نظرا لاستخدام الدولار كعملة تبادل صعبة، وهو ما أعطى واشنطن ورقة نفوذ مهمة. وزادت الاستثمارات الصينية في الشرق الأوسط، مع أن الولايات المتحدة لديها الحصة الأكبر من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والتي تتركز في السعودية والإمارات وإسرائيل ومنحصرة في صناعات محددة.

وبالمقارنة، فاستثمارات الصين أكثر تنوعا وتشمل دولا عدة مثل عمان التي لا تحظى بدعم أمريكي كبير وتشمل على صناعات النفط والبنى التحتية المادية والرقمية والعقارات. وتعتبر الصين جذابة للدول العربية، نظرا لاستعدادها الاستثمار في أي قطاع بدون شروط، مقارنة مع الولايات المتحدة التي تربط الاستثمارات بشروط تحسين حقوق الإنسان والديمقراطية أو الإصلاحات الاقتصادية. وكشف استطلاع للباروميتر العربي دعما للنهج الانحيازي المتعدد وزيادة الاستثمارات الصينية والأمريكية، رغم التشكك من تأثير الطرفين.

 ومع تفضيل المنطقة للنهج المتعدد الانحياز، إلا أن صناع السياسة الأمريكية يتوقعون من الدول العربية، وبخاصة التي حصلت على دعم وحماية واشنطن الطويلة، مواصلة التعامل مع أمريكا كشريكها الوحيد والأوحد. وبدا واضحا من دفع إدارة بايدن من أجل توسيع اتفاقيات إبراهيم مع إسرائيل، فهي تحاول إقناع السعودية عقد اتفاقية تطبيع مع إسرائيل، أسوة بالبحرين والإمارات والمغرب والسودان، بل وتريد أن يشمل التطبيع قضايا أمنية واقتصادية وتنسيقا عسكريا أكبر ضد إيران وخلق حاجز ضد التأثير الصيني.

إلا أن التنافسات الإقليمية والنزاعات والمشاكل الاقتصادية التي تعاني منها أجزاء كثيرة من المنطقة كشفت عن ضعف النهج القائم على الأمن، حتى حينما كانت أمريكا بدون منافسين. وبوجود بدائل عن أمريكا للقوى في المنطقة فالنهج الأمني يظل قاصرا. ولم تؤد مليارات الدولارات التي أنفقت على التدريب والدعم العسكري إلى بناء قوى عسكرية قادرة على الدفاع عن الدول أو المشاركة في عمليات التحالف.

 بل على العكس، جرأ الدعم العسكري شركاء واشنطن على شن عمليات عسكرية كارثية في اليمن وليبيا. وأدت هذه النزاعات لخلق فرص لأعداء أمريكا مثل إيران ومرتزقة فاغنر وأسهمت في عدم استقرار المنطقة وخلقت تهديدات جديدة للمصالح الأمريكية. وفي مناطق أخرى مثل العراق ومصر، أسهم الدعم الأمريكي بظهور طبقة فاسدة ثرية وفاقم الفساد.

 ولم تؤد هذه الاستثمارات الأمنية لبناء ولاء للولايات المتحدة، فالإمارات العربية ليست الوحيدة التي واصلت التعامل مع روسيا بعد غزو أوكرانيا، بل والأردن ومصر والسعودية. وحاولت إدارة بايدن الابتعاد عن طموحات بناء الدول في الشرق الأوسط وبالقوة، كما في حالة العراق بعد الغزو عام 2003، لكن الإدارة لم تتخل عن النهج الأمني وجهود إجبار القوى المحلية على الشراكة مع الولايات المتحدة ووحدها. ولهذا السبب واصلت إدارة بايدن التمسك بالمعمار الأمني الإقليمي القائم على الضمانات الأمريكية ومشاركة الشركاء في المنطقة. وتم دعم هذا من خلال المناورات العسكرية المشتركة وصفقات السلاح وتوقع واشنطن من شركائها الاختيار بينها وبين منافسيها. وكما قالت المسؤولة الدفاعية مارا كارلين في أيار/مايو “نريد من شركائنا الذين يشترون الأنظمة الأمريكية ومن الحلفاء، ألا يقوضوا شركاتنا وكذا عناصر نهجنا الإستراتيجي في المنطقة”.

وهذه المطالب غير الواقعية تفشل في التركيز على الأمور الاقتصادية، ففي الوقت الذي توسع فيه الصين تجارتها بالمنطقة، لم تظهر الولايات المتحدة رغبة بتوسيع شراكتها التجارية معها، فالشرق الأوسط مشمول في الشراكة العالمية للبنى التحتية والاستثمار، وهي جواب مجموعة الدول السبع على مبادرة الحزام والطريق الصينية. لكن الاستثمار الجديد محدود فيها لأنها تخدم كأساس للتدخل الاقتصادي الأمريكي بالمنطقة.

وحتى تعيد إحياء دورها على الولايات المتحدة الاعتراف أن عهد التفرد والكتل الأمنية قد انتهى. وعليها ألا ترى في تنويع شركائها لمصادر الأسلحة والتعاون الأمني تهديدا لها وأنهم صاروا في فلك أعدائها، بل هي تعبير عن واقع جديد للانحياز المتعدد. وحتى تتكيف مع الواقع، على واشنطن تجنب ردات الفعل ومحاولة وقف التأثير الصيني. ولن يكون مصير هذه السياسات الفشل، فقد تجبر الولايات المتحدة على تقديم تنازلات اقتصادية وفي مجال حقوق الإنسان.

وعلى أمريكا تجنب منح الضمانات الأمنية للدول العربية، كتلك التي تطالب بها السعودية، أو التخلي عن الرقابة أو الأمن المرتبط بعمليات نقل السلاح، في محاولة لحرمان الصين من التأثير. وفي مجال الأفضلية، فلن تدير السعودية والإمارات ومصر ظهرها للولايات المتحدة، وبخاصة في مجال الدفاع والأمن. وعلى الولايات المتحدة تبني سياسة اقتصادية وأمنية تقدم الدعم الملموس للمنطقة، وعليها استثمار ميل الدول العربية نحو الانحياز المتعدد.

*زملاء بارزين في وقفية كارنيغي للسلام العالمي

Foreignaffairs: The Multialigned Middle East: How America Should Adapt to China’s Growing Influence in the Region

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى