أقلام وأراء

عماد شقور: 28 «لا» من شعب الكويت لإسرائيل ولـ«إبراهام»

عماد شقور 13-10-2022م

وجّه الشعب العربي الكويتي الشّقيق، في الانتخابات البرلمانية الأخيرة هناك، 28 صفعة مُدوّية لإسرائيل، ولسياستها الخاصّة بمحاولة القفز من فوق حقوق الشعب الفلسطيني، وصفَعات مماثلة للمُطبّعين العرب في ما يسمونّه، (بخطأٍ مقصودٍ، بسذاجةٍ)، «اتفاقيّات إبراهيم»، وهي في حقيقتها «اتفاقيّات أبراهام». وسأوضّح الفرق بين التسميتين في فقرة لاحقة.

تركيزي في هذه السّطور على الأبعاد السياسية، للانتخابات في الكويت، على المستوى القومي العربي، والصراع العربي الصهيوني، بشكل عام، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بشكل خاص، لا ينتقص من أهمية أحداث جسام في عالم اليوم، لعل أهمّها:

ـ تطوّرات الحرب، المتواصلة والمتصاعدة على الأرض، في أوكرانيا.

ـ مخاطر اضطرار روسيا الى اللجوء لاستخدام أسلحة غير تقليدية، ونوويّة أساساً، والانزلاق على طريق «حرب نهاية العالم»، او «حرب آرمجيدّون» كما قال الرئيس الأمريكي، جو بايدن، قبل أيّام.

وبالمناسبة: فإن آرمجيدّون، هي أُسطورة واردة في كتاب الوحي وفي سفر الرؤيا، وهي تشير وتتحدّث عن حرب نهاية العالم، وتجري وقائعها عند «هار مَجِدّو»، اي جبل او تل مَجِدّو، الذي يقع على بُعد بضعة كيلومترات فقط شمال غرب مدينة جنين، (ومخيّم جنين المشهور بمناضليه وبأبطاله ومقاتليه، والذين لجأ اليه آباؤهم في مرحلة النكبة الفلسطينية، سنة 1948، من حيفا ومدن وقرى فلسطين المجاورة) في فلسطين، والذي أقامت إسرائيل على التّل المحاذي جنوباً له، (ما تعرف وتتقن إسرائيل إقامته)، وهو «سجن مَجِدّو»، الذي تعتقل فيه مئات، وربما آلاف المناضلين الفلسطينيين. وحسب تلك الأسطورة، تلتقي عند ذلك السفح جيوش الخير بقيادة المسيح، عند عودته، وجيوش الشّر بقيادة الشّيطان، او «المسيح الدّجال»، وتنتصر جيوش الخير على جيوش الشّر، في آخر حروب العالم. وتلحق بتلك الأسطورة أساطير عديدة أُخرى، تتحدّث عن «حرب يأجوج وماجوج» ونهاية العالم. وقد يكون أصل ومنبع هذه الأسطورة ما هو مثبت، عن واحدة من أكثر حروب التاريخ أهميّة، وهي «حرب مَجِدّو» في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، التي انتصر فيها أهم فراعنة مصر، تُحُتْمُس الثالث، (1481 ق. م. ـ 1425 ق. م)، وهي أول حرب في التاريخ مسجّلة ومثبّتة كل وقائعها وتفاصيل مجرياتها خطّيّاً، وبفضلها قامت أوّل امبراطورية عرفها التاريخ، وهي الإمبراطوريّة المصريّة، التي امتدّت من أعالي نهر الفرات، حتى الشّلال الرابع على نهر النيل جنوباً، والعديد من الجزر في البحر الأبيض المتوسط، وبسببها نال تحتمس الثالث لقب الإمبراطور الأول في التاريخ، و«أبو الإمبراطوريات»، كما خلّد تحتمس الثالث اسم «وادي عارة» الذي سلكه، مع جيشه، في تلك الحرب، رغم مخاطر السّلوك فيه، ورافضاً نصائح مساعديه في تجنّب السير في ذلك الوادي الذي يقع تل مَجَدّو عند نهاية طرفه الشّرقي.

ـ تفاعلات واحتمالات الرد الأمريكي على قرار أوبك+ يوم الخامس من الشهر الحالي، والتي قررت فيه السعودية، (ومعها دولة الإمارات العربية المتّحدة)، التجاوب مع رغبة روسيا، وتخفيض انتاج البترول بمليوني برميل يوميّاً، ابتداءً من بداية الشهر المقبل، لرفع أسعار البترول والغاز، وهو ما يخدم مصلحة خزائن دول أوبك +، وأهم المستفيدين من ذلك هي الخزانة الروسية، في حين أن المتضرّرين الأساسيين من ذلك هم أمريكا ودول غرب أوروبا المطيعين (حتى الآن) للرغبات الأمريكية وسياسات أمريكا في تمكين أوكرانيا، ودفعها الى مواجهة الكارثة واضحة المعالم مسبقاً. ويلحق بذلك ما قد تتخذه إدارة الرئيس بايدن من إجراءات ضد السعودية، بشكل عام، وضد ولي العهد السعودي، والحاكم الفعلي للسعودية، الأمير محمد بن سلمان، (ورئيس دولة الإمارات العربية المتّحدة، الشيخ محمد بن زايد).

وهذا ما يعيد الى الذهن والذاكرة، إقدام الملك السعودي الأسبق، فيصل بن عبد العزيز، (ورئيس ومؤسّس الأمارات العربية المتحدة، الشيخ زايد بن سلطان آل نْهًيّان)، اللّذين حوّلا البترول في بلديهما الى سلاح حاسم في وجه أمريكا ودول الغرب المساندين لإسرائيل ولعدوانها، مع اندلاع حرب أكتوبر، المجيدة، 1973، وما لحق بذلك مما يعتقده كثيرون انّه كان السبب المباشر لمؤامرة اغتيال الملك فيصل. وهذا ما يستدعي، بالضرورة، اهتمام وحرص الأمير محمد بن سلمان، والشيخ محمد بن زايد.

ـ كما أننا على بعد أقل من ثلاثة أسابيع من نهاية شهرنا الحالي، وبداية شهر نوفمبر/تشرين ثاني المقبل، وهي الأيام التي تتخلّلها: 1ـ الانتخابات النصفية الأمريكية للكونغرس، واحتمالات خسارة الحزب الديمقراطي للأغلبية التي يتمتّع بها حاليّاً، وتحوّل الرئيس بايدن الى «بطّة عرجاء»، على طريق خسارته معركة التمديد له لرئاسة ثانية؛ 2ـ الانتخابات العامة للكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، المفتوحة على كل الاحتمالات، والتي تنذر بتشكيل ائتلاف حكومي بالغ العنصرية، في كيان بالغ العنصرية أصلاً؛3ـ الانتخابات في الدورة الثانية، (والأخيرة)، في البرازيل، واحتمال إسقاط الرئيس اليميني المتطرف، حليف إسرائيل القوي، جايير بولسونارو، وعودة الرئيس البرازيلي الليبرالي السابق، لولا دا سيلفا، الى كرسي الرئاسة البرازيلية، وانعكاسات ذلك على العديد من التحالفات في العالم، بشكل عام، وعلى الأوضاع في دول قارّة أمريكا اللاتينية، بشكل خاص؛ 4ـ (وهو الأهم، بالنسبة لنا)، انعقاد القمّة العربية في الجزائر، في هذه المرحلة بالذّات، التي يتشكّل فيها نظام عالمي جديد، واحتمالات تحوّل انعقاد هذه القمة بالذات، مرّة أُخرى، الى فاتحةٍ لدور عربي فاعل على الصّعيد الدولي، بعد انهيار اي دور عربي حقيقي في العقود الأخيرة، ومنذ رحيل الزعيم العربي، جمال عبد الناصر، وبدء مرحلة التفريط بالنتائج الإيجابية الكبيرة لحرب أكتوبر 1973، على وجه الخصوص.

كل واحد من هذه البنود، وكل فقرة في كل واحد منها أيضاً، جديرة بتخصيص مقال يشرح ويناقش ويفصّل كل معانيها واحتمالات ما قد تصل وتنتهي اليه، ودورنا، كشعب فلسطيني، وكأُمة عربيّة، في كل ذلك. لكن واحدة فقط، وأكرّر فقط!، من النتائج التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة لمجلس الأمة في الكويت، يوم 29 من شهر سبتمبر/أيلول الماضي، قبل أقل من أُسبوعين، تدفعني للتركيز على ما فيها من دلالات ومعانٍ.

في الكويت، وحسب الدستور والقوانين الكويتية، خمس دوائر انتخابية، وتنتخب كل واحدة من هذه الدوائر، (في انتخابات حرّة، ديموقراطية، شفّافة، لا مثيل لها في أي بلد عربي، في الخليج وغير الخليج)، عشرة أعضاء يشكلون «مجلس الأمة» الكويتي المكوّن من خمسين عضو.

في الدائرة الثالثة من هذه الدوائر، ترشّح العشرات من السيدات والسادة، وكانت فجر السعيد، الكاتبة والإعلامية الكويتية، واحدة من هؤلاء المرشحين. وتميّزت السيدة فجر السعيد، بإعلان موقف صريح يدعو الى «تطبيع» الكويت للعلاقات مع إسرائيل، واللحاق بمبادرة «اتفاقات أبراهام» التي قادتها وفرضتها أمريكا على عدد من الدّول العربية. وهلّلت إسرائيل ورحّبت بهذه الإعلامية والكاتبة الكويتية، وهو ما شجعها على خوض الانتخابات قبل اسبوعين.

النتيجة:

1ـ ترشّحت السيدة فجر السعيد للانتخابات هناك، في الدائرة الثالثة، ونالت 433 صوتاً فقط لا غير، وسقطت سقوطاً ذريعاً ومشيناً.

2ـ نال السيد أحمد السعدون، 12239 صوتاً، (28 ضعف ما نالته فجر السعيد من أصوات)، واحتل المركز الأول على رأس قائمة النواب العشرة الناجحين في الدائرة الثالثة.

شعب الكويت العربي الشقيق، ممثَّلاً برجال ونساء الدائرة الانتخابية الثالثة، ونيابة عن كل ملايين أبناء الأمة العربية قالها صريحة، مُدوّية، بالغة الوضوح: «لا» لأي تطبيع مع إسرائيل في محاولاتها تجاوز الحقوق الوطنية السياسية المشروعة للشعب العربي الفلسطيني. ليست «لا» واحدة فقط، بل 28 ضعفاً من الأصوات للسيد أحمد السعدون، مقارنة بما نالته السيدة فجر السعيد، إنها 28 «لا». تنتهي واحدة من قصص كتاب «كليلة ودمنة» لابن المُقفّع بجملة: «السّعيد من وُعظَ بغيره»؛ لعل السّعداء الحقيقيين في أيامنا، من حكّام وغير حكّام، يتّعظون بالدرس الذي لقّنه شعب الكويت لفجر السعيد.

لا ينتهي المقال قبل توجيه 28 ألف شكر من شعب فلسطين لشعب الكويت العربي الشقيق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى