أقلام وأراء

علي حمادة: حرب أوكرانيا: الوثيقة الصينية أزعجت موسكو أكثر من كييف

علي حمادة 27-2-2023: حرب أوكرانيا: الوثيقة الصينية أزعجت موسكو أكثر من كييف

يمكن اعتبار وثيقة السلام الصينية التي قدمتها بكين بمناسبة الذكرى الأولى لبدء الحرب الروسية على أوكرانيا بمثابة ورقة مبادئ أولى لإنهاء الحرب توضع قيد البحث من قبل قوة عظمى دولية لها مكانتها البارزة على مستوى العلاقات الدولية. فقد قدمت الوثيقة التي حملت عنوان “موقف الصين من التسوية السياسية للازمة الأوكرانية ” جملة مواقف وليس أفكارا تفصيلية خلاقة، لكن كون مصدرها الصين فإنها تبقى ذات أهمية كبيرة نظرا لثقل الأخيرة لا سيما بعلاقاتها المميزة مع روسيا وفق ما سمي قبل عام “اتفاق الشراكة بلا حدود” الذي توصل اليه الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين.

تضمت الوثيقة الصينية 23 نقطة. لكن يمكن التوقف عند النقطتين الأهم على المستوى السياسي اللتين تحملان رسائل سياسية لكلا الطرفين. فالنقطة الأولى التي جاء فيها: “يجب احترام سيادة جميع الدول والتقيّد الصارم بالقانون الدولي المعترف به عالمياً، بما في ذلك مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة. ويجب التمسك بفعالية بسيادة جميع البلدان واستقلالها وسلامتها الإقليمية”. أما النقطة الثانية فقد جاء فيها: “يجب التخلي عن عقلية الحرب الباردة، وينبغي ألاّ يتم تحقيق أمن بلد على حساب بلدان أخرى. ولا ينبغي تحقيق أمن منطقة ما بتعزيز الكتل العسكرية أو توسيعها. ويجب أن تؤخذ المصالح والشواغل الأمنية المشروعة لجميع البلدان مأخذ الجد، وان تعالج على النحو السليم”.

هاتان النقطتان المحوريتان تعكسان حصيلة مواقف قدمتها بكين خلال العام الماضي. ويتفق المراقبون على اعتبارها تجميعاً لمواقف الصين السابقة. لكن وضعها في اطار تصور في هذا التوقيت بالذات له دلالات سياسية لا يمكن التغاضي عنها، لا سيما ان الحديث يكثر في أروقة الاستخبارات الغربية عن قرب قيام بكين بتزويد موسكو بأسلحة لتعويضها النقص الحاد الذي تعاني منه في العتاد المتطور. الدلالات التي نتحدث عنها هي تلك المعبر عنها في النقطة الأولى حيث موقف بكين بالنسبة الى مسألة السيادة التي تهم أوكرانيا كثيراً كون روسيا خرقت سيادتها وحدودها للعام 1991 المعترف بها دولياً. هذا ما حدا بالرئيس الاوكراني فولوديمير زيلنسكي الى ابداء ترحيبه وان بحذر، بالوثيقة، مستنداً الى هذه النقطة التي تمثل بالنسبة إلى كييف أساس الازمة التي ترى هذه الأخيرة أن الحل يكون أولاً بإنسحاب القوات الروسية الى حدود 1991. وبالرغم من المواقف الحذرة لمجمل الدول الغربية، لا بد من التوقف قليلاً عند موقف موسكو الذي عبرت عنه وزارة الخارجية ببيان جاء حذراً وبارداً وقالت: “نشاطر بكين اعتباراتها لكن على كييف الاعتراف بالحقائق الجديدة المتصلة بالاراضي”. وقد كانت التعليقات الروسية على الوثيقة شحيحة جداً، ربما لأن موسكو المتحفظة عليها أرادت أن تترك للغربيين مهمة تحمل مسؤولية رفض الموقف الصيني نيابة عنها. واذا كانت روسيا تمنح علاقاتها مع الصين أهمية كبرى وذلك بعد سنة على قيامها بشن الحرب، فإن ذلك يعود أساساً الى حجم تعثرها في الحرب، وفشلها في حسم المعركة على الأرض، في وقت كانت ترفض ان تسمي الحرب بإسمها كإشارة الى ترفعها عن خوض حرب مع بلد يصغرها بخمس مرات. فأصرت على تسمية “العملية العسكرية الخاصة “، وهي لا تعكس حقيقة ما يجري في مسرح العمليات. وروسيا تحتاج الى الصين للمحافظة على التوازن الاستراتيجي مع دول حلف شمال الأطلسي. كما انها تحتاجها كمتنفس مالي، اقتصادي، عسكري، جغرافي لها في هذه الفترة، حيث أن ثمة تقاطعاً في المصالح بين القوتين اللتين يشوب التوتر الدائم علاقتهما بالولايات المتحدة. إنما أن يأتي في النقطة الأولى نص صيني صريح حول موضوع احترام سيادة جميع الدول ..” كأنه أساس لخطة سلام فهذا أمر يزعج موسكو التي تتحدث بلغة مختلفة تماماً. وقد عكسه التصويت الأخير بأكثرية 141 صوتاً بهذا المعنى في الجمعية العامة للأمم المتحدة ليبقي موقف روسيا ضعيفاً من الناحية القانونية.

طبعاً في النقطة الثانية ثمة ما يرضي روسيا نوعاً ما، لكن ليس الى حد أن تحتفل بالوثيقة. فالاشارة الى التخلي عن عقلية الحرب الباردة تخص الطرفين في الصراع حول أوكرانيا، ورفض فكرة تحقيق امن بلد على حساب بلدان أخرى يصيب موقف الطرفين. وحتى الإشارة الى انه يجب ان تؤخذ المصالح و الشواغل الأمنية المشروعة لجميع البلدان مأخذ الجد و ان تعالج على النحو السليم فموقف يصب في طاحونة الطرفين أيضاً.

لم تبدِ الدول الغربية الداعمة لاوكرانيا حماسة للوثيقة الصينية، لكن روسيا من ناحيتها لم تحتفِ بورقة وضعتها حليفتها التي وقعت معها قبل أيام من الغزو الروسي على وثيقة “شراكة بلا حدود” ،لا بل جرى تجاهلها بشكل عام في الاعلام الروسي الموجه من قبل الكرملين. بمعنى آخر أن الموقف الصيني لم يرق للقيادة الروسية تزامناً مع مرور سنة على بدء الاجتياح لاوكرانيا.

إن الورقة الصينية ستطوى حتماً في الأيام القليلة المقبلة، لكنها ستبقى ضمن الوثائق التي سيعود اليها المتحاربون لكي تكون أساساً لمفاوضات مقبلة لن تأتي قبل انقضاء عدة اشهر على الأقل، أي في انتظار معرفة نتائج الجولة القادمة من التصعيد المتبادل على الأرض ( هجوم الربيع الكبير ) بدءاً من اذار (مارس) المقبل. قبل ذلك لا مفاوضات، لا سيما أن موقف أوكرانيا واضح: لا كلام سوى على قاعدة الانسحاب الروسي الى حدود أوكرانيا للعام 1991، في الوقت الذي ترتفع الأصوات المتطرفة في الكرملين (نائب رئيس مجلس الامن القومي دميتري ميدفيديف) داعية الى توسيع الحدود الروسية لتصل حدود بولندا العضو في حلف شمال الأطلسي.

خلاصة القول غان الوثيقة الصينية جديرة بأن لا تُرد غربياً، فقد سبقتها روسيا من خلال برودتها في التعامل معها. وفي الاثناء يدور اللعب على مسرح الحرب!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى