أقلام وأراء

علي حمادة: النيجر : اذا خرجت فرنسا ستبقى أميركا

علي حمادة 14-8-2023: النيجر : اذا خرجت فرنسا ستبقى أميركا

على الرغم من انقضاء المهلة التي منحتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “إيكواس” للمجموعة التي نفذت انقلاباً في النيجر ضد الرئيس المنتخب محمد بازوم يوم 26 تموز (يوليو) الماضي لاعادة الحياة الدستورية الى ما كانت عليه قبل الانقلاب، لا يبدو ان إيكواس” التي هددت بالتدخل العسكري ضد الانقلابيين تزمع  تنفيذ تهديدها في المدى المنظور. فثمة خلافات داخل المجموعة، وعدد من الدول المستعدة للمشاركة في عملية عسكرية يتضاءل من الناحية العملية في انتظار موقف غربي جدي وحازم، وداعم مالياً، لوجيستياً وعسكرياً على الأرض. وهذا الموقف المنتظر من كل من فرنسا والولايات المتحدة لم يصدر بعد، ولم يتخذ بُعداً عملياً يشير الى رغبة مؤكدة في التدخل. ففرنسا تعاني الأمرّين في النيجر وغربي افريقيا بشكل عام، حيث ان نفوذها يتعرض لأخطر تحدٍ منذ استقلال هذه الدول بنهاية الحقبة الكولونيالية في مطلع ستينات القرن الماضي. ولعل الضربات التي تلقتها باريس في الأعوام الثلاثة الأخيرة في كل من مالي وبوركينا فاسو إثر نجاح انقلابين على التوالي في البلدين، ومطالبة رؤوس الانقلابيين فيهما فرنسا بسحب قواتها من البلدين، لكي تحل مكانها قوات من مجموعة مرتزقة “فاغنر” الروسية، تدفع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى التمهل في إدارة الازمة الكبيرة، وعدم التسرع والتورط في معركة عسكرية قبل ان يعرف ما يضمره الاميركيون الأكثر هدوءاً في التعامل مع الحالة الانقلابية المستجدة. ويعرف ماكرون أن باريس وحدها لا تقدر على شن هجوم فاعل وداعم لأي قوات افريقية قد تتدخل في النيجر. فالجميع ينتظر موقف واشنطن التي غالباً ما تتعامل مع الحقائق على الأرض، وتتأقلم مع الامر الواقع المستجد. فزيارة مساعدة وزير الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند قبل عشرة أيام عاصمة النيجر نيامي ومواقفها المعتدلة ضمناً تجاه الانقلابيين تدل في مكان ما على ان الإدارة الأميركية التي تدير في النيجر قاعدتين عسكريتين للمسيرات، تضم اكثر من 800 جندي على الأرض، وتغطي عملياتها منطقة الساحل، تبغي المحافظة على وجودها هناك مهما كلف الامر. فحتى لو لم تنجح باريس في البقاء في قواعدها العسكرية التي تضم 1500 جندي وعدداً من طائرات ميراج-2000 المقاتلة، وطائرات مسيرة، فواشنطن قد لا تغادر النيجر بل قد تسعى الى تعزيز وجودها وتعويض الفراغ الذي ستتركه باريس اذا ما اضطرت الى الانسحاب من النيجر، و حتى الخروج منها اقتصادياً  (استثمار مناجم اليورانيوم ). 

ما سبق لا يعني أن الاميركيين يحاولون اقصاء الفرنسيين. لكنهم اذا ما اضطروا لن يضعوا مصالحهم في نفس السلة مع باريس، بحيث يُمنوا بخسارة معها، بل سيحاولون انقاذ الموقف مع الانقلابيين، والبقاء هناك للمحافظة على توازن استراتيجي  في منطقة الساحل التي بدأت تشهد حالة من عدم الاستقرار الأمني. وهناك الهدف الأهم بالنسبة الى الاميركيين، ويتمثل بالعمل على عدم ترك فراغ يفتح الباب امام روسيا لكي تملأه كما حصل في كل من مالي   وبوركينا فاسو. 
وإذا كانت السياسة الغربية في منطقة الساحل قد فشلت كما تقول سفيرة فرنسا السابقة في اليونيسكو راما ياد بسبب التعويل على الانتشار العسكري والاتفاقيات الدفاعية اكثر من غيرها، فإن واشنطن وحدها قادرة اذا ما أجبرت باريس على الخروج من  النيجر آخر معاقلها في المنطقة، على ترميم الوجود الغربي، ومواجهة التمدد الروسي عبر “فاغنر”. ومن هنا أهمية مراقبة الموقف الأميركي الذي نميل الى الاعتقاد انه يُغضب الفرنسيين، لاسيما مع تعيين سفيرة أميركية جديدة في نيامي، والمحافظة على التواصل المباشر مع الانقلابيين.  
استنتاجاً، يبدو التدخل العسكري لدول مجموعة “إيكواس” مستبعداً في الوقت الحاضر للعديد من من الأسباب المرتبطة بالقرار السياسي، والقدرات الفعلية لكل دولة بحد ذاتها. اما فرنسا الواقفة في عين العاصفة، فتبدو فاقدة لتوازنها وعاجزة، فيما تتلذذ موسكو وبكلفة ضئيلة بمشاهدة أفول نجم باريس في منطقة كانت في ما مضى أحدى جواهر امبراطوريتها الاستعمارية. كل الأوراق الان بيد الاميركيين الذين سيستغلون عودة الحركات الجهادية المتطرفة الى التحرك في مالي والنيجر وقرب الحدود الجزائرية، لخلط الأوراق تحديداً مع الجزائر القلقة مما يحصل على تخوم جغرافيتها!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى