أقلام وأراء

علي حمادة: الأقطاب الدّوليون يتنافسون على الخليج

علي حمادة – 3/6/2022

لم يكن خبر دعوة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى حضور جانب من الاجتماع الدوري لمجلس وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، يوم الأربعاء الماضي، عادياً. ولا كانت عادية دعوة وزير الخارجية الأوكراني ديميتريو كوليبا إلى اجتماع مرئي منفصل مع وزراء الخارجية الخليجيين. فالحدثان على صلة بأزمة الحرب الروسية ضد أوكرانيا وتداعياتها الدولية، لا سيما على صعيد أزمة الغذاء العالمية التي تتفاقم مع مرور الوقت، معطوفة عليها أزمة إمدادات الطاقة العالمية، وارتفاع الأسعار وأثرها في معدلات التضخم، وبالتالي في معدلات نمو اقتصادات العالم.

ولعل أزمة الغذاء هي الأخطر، وتحتاج إلى معالجة سريعة في ظل ورود تقارير من الأمم المتحدة، تفيد بأن ملايين من البشر في العديد من البلدان مهددون بالمجاعة. من هنا يمكن القول إن الاجتماع مع وزير الخارجية الروسي اكتسب أهمية خاصة، لا سيما أن موسكو مهتمة جداً بصون علاقاتها مع دول مجلس التعاون في ظل المواجهة الكبرى التي تخوضها مع الغرب بقيادة الولايات المتحدة. وهنا أيضاً، فإن تأكيد روسيا بلسان لافروف أمام نظرائه الخليجيين أن البحرية الروسية ستضمن مروراً آمناً لسفن الحبوب والأسمدة إلى البحر الأبيض المتوسط، يعكس الاهتمام الروسي الذي نتحدث عنه.

فإعلان الالتزام الروسي في العاصمة السعودية يعكس رغبة موسكو في الحفاظ على علاقة متميزة مع المنطقة، خصوصاً أن واشنطن عائدة بقوة إليها مع التحول الكبير في مقاربة الإدارة الأميركية للعلاقات مع حلفائها العرب والخليجيين، وفي المقدمة المملكة العربية السعودية. ولا يغيب عن البال أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي لم ينقطع تواصله المباشر مع القادة في المنطقة، يعرف أن نظيره الأميركي جو بايدن يعتزم زيارة المنطقة، وبالتحديد الرياض، لإعادة العلاقات مع الحليف السعودي إلى مسارها. ولقاء بايدن مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان المرتقب في الرياض نهاية الشهر الجاري سيتوّج المساعي لإنقاذ العلاقات الثنائية، فضلاً عن أن القمة العربية – الأميركية الموسعة المحتملة على مستوى القادة التي ستضم، إلى بايدن، قادة السعودية والإمارات وقطر والكويت وعمان ومصر والأردن والعراق ستكون محطة محورية في الجهد الأميركي لحشد الحلفاء والأصدقاء في المواجهة العالمية بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة، من جهة، وروسيا والصين، من جهة أخرى.

هذا الجهد الأميركي الذي يبدو حتى الآن جدياً، يدفع روسيا إلى التقرب أكثر من دول الخليج. ولا ننسى أن هذه الدول حافظت، بشكل أو بآخر، على حياد إيجابي بين الغرب وروسيا، فلم تقبل على سبيل المثال كل من السعودية والإمارات بخرق اتفاقات مجموعة “أوبك بلس” التي تضم روسيا حول معدلات إنتاج النفط، وتصدّت لمطالب الولايات المتحدة بإكمال الطوق الاقتصادي حولها من خلال زيادة الإنتاج وخفض الأسعار، لا سيما أنهما كانا سيضران باقتصادات دول المنطقة من دون أن يكون لهما مقابل على الصعيدين السياسي والدفاعي.

أكثر من ذلك، حافظت دول المنطقة الأساسية على علاقة متوازنة بين طرفي الصراع المباشرين، أي روسيا وأوكرانيا، ولم تتوقف السعودية والإمارات عن طرح مبادرات سلام بين الطرفين. كما أنهما، وشريكاتهما الأخرى في الخليج، استقبلتا رعايا البلدين بمساواة تامة، ولم تجارِيا الغرب في ملاحقة رجال الأعمال الروس أو التضييق على أموالهم ومصالحهم في المنطقة. هذا الأمر منح دول الخليج موقعاً مميزاً بين جبهتي المواجهة العالمية، فصارت في الأشهر الأخيرة مقصداً لمسؤولين رفيعي المستوى من الصين إلى روسيا، فأميركا وأوروبا. كل ذلك بسبب الموقف الوسطي الذي اتخذته دول هذه المنطقة، وحاجة القوى العظمى الدولية إلى استمالتها في إطار لعبة التوازنات الدولية التي ترتسم ملامحها في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ العالم. 

في هذه الأثناء، تواصل دول المنطقة العمل على ترتيب أوراقها في ما بينها في الإقليم. فالاتفاقات الإبراهيمية بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، فضلاً عن القمم الإقليمية مثل قمة شرم الشيخ الأخيرة، تندرج في سياق إمساك دول المنطقة بقراراتها المصيرية بقدر كبير من الاستقلالية حيال مصالح التكتلات الكبرى وصراعاتها في العالم. كما أن الاستثمار الكثيف في التنمية الاقتصادية على جميع الصعد والمجالات، وصولاً إلى التكنولوجيات المتقدمة، يترسخ عاماً بعد عام أكثر في دول المنطقة، من دون أن ننسى مقاربة المستوى الدفاعي جماعياً بمواجهة التهديدات الداهمة، على سبيل المثال التهديد الإيراني، والأخطار التي تحدّق بالعديد من الدول العربية على مستوى وحدة الكيانات والمجتمعات.  

كل ما سبق يعيدنا إلى الفكرة الأساسية التي تفيدنا بأن دول الخليج أدركت أن زمن التحالفات المقفلة انتهى، وأن الزمن هو زمن العلاقات والخيارات المفتوحة.

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى