أقلام وأراء

عبير بشير تكتب –  غزّة بين نتانياهو وبينيت(2/2) : مشاريع البناء تدير الصراع؟

عبير بشير  *- 2/10/2021

لم يفاجئ خطاب الرئيس الأميركي جو بايدن، أمام الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة، رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، ولا الرسالة الأهمّ التي جاءت فيه، المتعلّقة بالصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، ومفادها أنّ حلّ الدولتين غير قابل للتطبيق حالياً. فقد قال الرئيس الأميركي إنّه لا يزال يدعم “حلّ الدولتين، لكنّنا بعيدون جداً عن هذا الحلّ..”.

اعتبر محلّلون أنّ تصريح بايدن مهمّ بالنسبة إلى بينيت من جهتين، إذ إنّه يطيل من عمر الحكومة الإسرائيلية الهجينة، ويخفّف الضغوط عليها من الجانب الأميركي والمجتمع الدولي لتنفيذ خطوات سياسية باتجاه السلطة الفلسطينية، وهو ما يرفضه بينيت بشكل قاطع، إذ لا يرى جدوى من عملية سلام يقودها أبو مازن.

صحيح أنّ بينيت وفور تسلّمه منصبه، لم يسارع إلى إبرام اتفاق جديد مع قطاع غزة، بل سعى إلى تثبيت معادلة جديدة أمام حركة حماس من شأنها أن تزيد هامش المناورة الإسرائيلية وتحقِّق مكاسب على الصعيد السياسي الإسرائيلي الداخلي

أمّا بالنسبة إلى القطاع، فقد بات واضحاً لنفتالي بينيت أنّ الحملة العسكرية على غزّة لم تغيِّر بشكل جوهري صورة الوضع، وبقيت معضلة غزّة قائمة كأحد الملفّات الشائكة أمام حكومته. وتجد الحكومة الإسرائيلية نفسها في وضع معقّد بسبب تركيبتها السياسية الهشّة والضيّقة، لذلك يتصرّف بينيت بحذر، ويحاول إدارة ملفّ غزة بهدوء لأنّ نجاحه في ذلك يعني تجاوزه حفرة عميقة في طريق حكومته.

ويبدو أنّ توجّهاً جديداً بدأ يتبلور لدى بينيت بعدم ربط ملف الجنود الإسرائيليين بملف إعادة إعمار غزة، بعدما كشفت تقارير أنّ الإدارة الأميركية رفضت خطة تعامل حكومة بينيت مع قطاع غزة، القائمة على ربط عملية إعادة الإعمار بإنجاز صفقة تبادل الأسرى، وذلك خلال زيارة بينيت للبيت الأبيض.

صحيح أنّ بينيت وفور تسلّمه منصبه، لم يسارع إلى إبرام اتفاق جديد مع قطاع غزة، بل سعى إلى تثبيت معادلة جديدة أمام حركة حماس من شأنها أن تزيد هامش المناورة الإسرائيلية وتحقِّق مكاسب على الصعيد السياسي الإسرائيلي الداخلي باعتبارها ترتيبات أفضل من تلك التي وضعها نتانياهو، فأعلن بينيت عن تغيير قواعد الاشتباك مع حماس، وتغيير آليّة التعامل مع غزة في ما يتعلّق بحركة المعابر والأموال القطريّة لحماس، وربط ذلك باستعادة الجنود المفقودين في غزة، واتّبع نهجاً جديداً هو قصف أهداف في القطاع ليس فقط مقابل كلّ صاروخ، بل ومقابل كلّ بالون حارق يتمّ إطلاقه من غزة.

لكنّ التدهور الأمنيّ على طول السياج الفاصل مع غزة، والخشية من تحوّله إلى مواجهة عسكرية واسعة، دفعا الوسيط المصري إلى التدخّل من أجل لجم التدهور الحاصل. واضطرّ بينيت إلى الموافقة على إدخال الأموال القطرية لقطاع غزة ضمن آليّة جديدة مع الأمم المتحدة.

هكذا بتنا أمام فصل انتقالي نحو تسوية متوسطة المدى، عنوانها تفكيك حكومة بينيت للموضوعات المرتبطة بغزّة لأنّ نجاحها في ذلك هو تجاوز لأحد الألغام في طريقها، وهذا يعني عدم ربط ملف الجنود بملف القضايا الإنسانية المتعلّقة بغزّة.

على صعيد مواز، يقوم بينيت بإجراء “مفاوضات” غير مباشرة مع حركة حماس، من خلال الوسيط المصري، للوصول إلى ترتيبات جديدة تضمن هدوءاً طويل الأمد في قطاع غزة. يدرك بينيت جيداً أنّ هذه الترتيبات لا بدّ منها، وأنّ الوصول إليها هو مسألة وقت. ويعتبر أنّ سياسة نتانياهو خلال أكثر من عقد كانت فاشلة فشلاً ذريعاً. وعليه، يدرك أنّ إدخال أموال المنحة القطرية، ومنح تسهيلات متقطّعة ومضبوطة، مثل فتح المعابر، زيادة كميّة البضائع الواردة إلى غزة، قد يمنحان إسرائيل المزيد من الوقت قبل أن تنفجر حرب جديدة.

يقول نفتالي بينيت إنّ لديه 3 مهامّ في قطاع غزة، مؤكّداً أنّه يوافق على صفقة لتبادل الأسرى مع حركة “حماس” في ظروف معيّنة .

أما الأسلوب الذي اعتمده نتانياهو فيبدو مستبعداً لدى بينيت على المدى البعيد. وهو يرجّح إمّا خيار حرب واسعة تشمل اجتياحاً برّيّاً وتحمُّل تبعات داخلية (قتلى إسرائيليين، آثار اقتصادية كبرى) وخارجية (انتقاد دولي)، وإمّا إعادة إعمار غزة وتحقيق ازدهار فعليّ لاقتصادها، مقابل الهدوء وضمانات دولية بعدم استغلال حركة حماس للازدهار الاقتصادي من أجل تقوية الجناح العسكري، وتطوير قدراته الصاروخية.

أمّا على المدى القصير، فيقول نفتالي بينيت إنّ لديه 3 مهامّ في قطاع غزة، مؤكّداً أنّه يوافق على صفقة لتبادل الأسرى مع حركة “حماس” في ظروف معيّنة.

– المهمّة الأولى ستكون منع إطلاق الصواريخ والبالونات الحارقة في اتجاه البلدات الإسرائيلية، وضمان أمن مواطني إسرائيل.

– الثانية هي وقف تعاظم قوّة حماس.

– أمّا المهمّة الثالثة فتتمثّل في إعادة الجنود الأسرى.

وفي ما يرتبط بالأسلوب، “نجح بينيت حتى الآن بأن يتمايز عن نتانياهو. أمّا كلّ ما يتعلّق بالجوهر، فالتغيير جزئي وحسب”، وفق ما أشار المحلّل السياسي، باراك رافيد، في تقرير حول مرور 100 يوم على تسلّم بينيت الحكم.

وبينيت هو رئيس الحكومة الأوّل الذي يشدّد على أنّه ليس معنيّاً بمفاوضات سياسية مع الفلسطينيين، لكن في المقابل صرّح بأنّه سينفّذ خطوات من أجل تقليص الصراع. وتنطوي رؤية بينيت للصراع مع الفلسطينيين بشكل عامّ على مبدأ تقليل الاحتكاك وتجفيف منابع التوتّرات على المديَيْن القريب والمتوسّط، بدون تقديم أيّ تنازل سياسي، ومع تحسين الوضعين الاقتصادي والميداني، سواء في الضفة أو غزة. وكان لقاء وزير الأمن بيني غانتس مع رئيس السلطة، الذي صادق عليه بينيت، الخطوة الأبرز، والتصريح بدمج السلطة الفلسطينية في أيّ خطوة لإعادة إعمار غزة.

وفق هذه الرؤية قد يكون خيار إعادة إعمار غزّة أقرب إلى مفهوم تقليص الصراع، وفق شروط وضوابط إسرائيلية. وهذا سيكون الخيار الأكثر ترجيحاً بالنسبة إلى حكومة بينيت.

الأمر هنا أنّ استراتيجيا التسهيلات والمشاريع هي الخلطة السحرية لاستراتيجيا إدارة الصراع مع قطاع غزة، التي عبّر عنها لابيد في مؤتمر هرتسيليا، ولا يتعلّق الأمر بحلّ عادل للقضية الفلسطينية.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى