أقلام وأراء

عبير بشير – بينيت يتجاهل الفيل الفلسطيني في الغرفة ..!

عبير بشير* –  12/10/2021

اختار رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، في خطابه الأوّل أمام الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة، تجاهل “الفيل الذي في الغرفة”، وهو الصراع بين إسرائيل والفلسطينيّين، واختار التغافل تماماً عن تقديم أيّ تصوّر لحلّ القضية، على الرغم من أنّ رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في خطاب فيديو، قد استخدم الجمعيّة العامّة نفسها لتوجيه إنذار نهائي بضرورة الانسحاب الإسرائيلي إلى خطوط ما قبل عام 1967 في غضون عام.

في خطابه بالأمم المتحدة، قال نفتالي بينيت إنّ المواطنين الإسرائيليين لا ينهضون في الصباح ليفكّروا في النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني.

السبب الرئيسي وراء القفز عن الموضوع الفلسطيني هو رفض بينيت الرسمي والعلني لحلّ الدولتين، واعتبار مثل هذا الحلّ ليس ممكناً الآن ولا غداً

وقال محلّلون، في تحليلهم خطابَ بينيت الأوّل في الأمم المتحدة: “لقد أزال المسألة الفلسطينية عن الطاولة تماماً، وكأنّها ليست موجودة. وقد اختار عن وعي تجاهلها، فهذا ليس جديداً عليه، إذ هو صاحب الخطة المفصّلة لفرض القانون الإسرائيلي وضمّ الضفة الغربية، لكن تعرّفت الآن الأمم المتحدة عليه وعلى خياراته وتوجّهاته”.

ورأى كثيرون منهم أنّه “إذا اعتقد بينيت أنّ تجاهل الفلسطينيين سيخفي مسألة النزاع معهم عن جدول الأعمال العالمي، فهو واهم، فالصراع الإسرائيلي الفلسطيني ليس فقط مسألةً تتعلّق بمستقبل غزّة تحت حكم “حماس”، وتقديم بعض التسهيلات الاقتصادية لها، أو حتى مستقبل الضفة الغربية، لكنّ المسألة تتعلّق بالجذور التاريخية للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني”.

في الصالونات المغلقة يدّعي بينيت أنّه “على مدى سنين تناول الجميع إسرائيل والفلسطينيين كتوأمين سياميّيْن، ولا يوجد أيّ سبب يدعو إلى مواصلة ذلك”. وفي لقاء مع الصحافيين أثناء وجوده في نيويورك، أوضح بينيت أنّ “الانشغال بالقضية الفلسطينية على مدى سنوات هو انشغال مهووس، ومن الأفضل تبريده”. فبالنسبة إلى بينيت، إسرائيل ليست مضطرة إلى تقديم تنازلات سياسية، فهي لا تتعرّض لأيّ عقاب دولي، لا من واشنطن، ولا من الاتحاد الأوروبي، فيما الإقليم في حالة سيولة سياسية، وحركة حماس حبيسة في قطاع غزة المكتظّ بالسكان، والفلسطينيون في الضفة الغربية يجاهدون لتوفير معيشتهم اليومية، خصوصاً في ظل سيطرة إسرائيل على الاقتصاد الفلسطيني، وهذا ما يقرّ به القادة الفلسطينيون. ففي لقاء رئيس الوزراء محمد اشتيه مع رئيس مجموعة البنك الدولي ديفيد مالباس في رام الله، أوضح اشتيه أنّ “تل أبيب تعمل على تدميرٍ ممنهجٍ لجهود إقامة الدولة الفلسطينية من خلال تعزيز الاستيطان، والاستيلاء على الأراضي، واستمرار السيطرة على المعابر والحدود، وفرض القيود على حرية حركة الأفراد والبضائع، واستغلال مواردنا الطبيعية”.

وعلى الرغم من تهديد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن)، في خطابه أمام الجمعية العمومية، بالتوجّه إلى المحكمة الدولية في لاهاي، فإنّ بينيت فضّل غضّ النظر وتجاهل عمليّة السلام مع الفلسطينيين، وبدلاً من ذلك تحدّث بينيت من على منبر الأمم المتحدة عن التصدّي لـ”كورونا” ولإيران وعن اتفاقات السلام مع دول الخليج.

صحيح أنّ الحكومة الإسرائيلية الهجينة لا تملك القدرة على الموافقة على رسائل سلام مشتركة، إذ يوجد في الزاوية اليمينية تسفي هاوزر، المبادر إلى قانون القومية، وجدعون ساعر، الذي كان في الماضي رئيس شبيبة “هتحيا” الذي خطّ على علمه: “بلاد إسرائيل الكاملة”… لكنّ السبب الرئيسي وراء القفز عن الموضوع الفلسطيني هو رفض بينيت الرسمي والعلني لحلّ الدولتين، واعتبار مثل هذا الحلّ ليس ممكناً الآن ولا غداً، وتغليفه بشعار جديد عنوانه “تقليص الصراع”، وهو إعادة تغليف لنهج إسرائيلي قديم تجاه الفلسطينيين يتمّ تأطيره باستراتيجية علاقات عامّة ذكية يتلطّى خلفها لينفّذ خطط قادة إسرائيل المتعاقبين بتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية، وخندقة الوجود الاستيطاني فيها بشكل يجعل إقامة الدولة الفلسطينية شبه مستحيلة.

أقصى ما يمكن أن تقدّمه إسرائيل إلى الفلسطينيين هو حكم ذاتي هزيل محدّد بالمعطيات الاقتصادية والسياسية. وهو يعني إقامة دويلة في غزة، مع انتعاش اقتصادي، ومعازل سكانية وروابط قرى في الضفة الغربية، كبديل عن الحلّ السياسي

أقصى ما يمكن أن تقدّمه إسرائيل إلى الفلسطينيين هو حكم ذاتي هزيل محدّد بالمعطيات الاقتصادية والسياسية. وهو يعني إقامة دويلة في غزة، مع انتعاش اقتصادي، ومعازل سكانية وروابط قرى في الضفة الغربية، كبديل عن الحلّ السياسي.

هذا ما بات يدركه القادة الفلسطينيون، وعلى رأسهم الرئيس محمود عباس، الذي أبلغ وفد حزب “ميرتس”، برئاسة وزير الصحّة الإسرائيلي نيتسان هوروفيتس، الذي التقاه في مقرّ الرئاسة الفلسطينية في مدينة رام الله إنّ الجانب المصري أبلغه بأنّه لا يوجد احتمال لعملية سياسية حقيقية مع إسرائيل وهذا استنتاج توصل إليه الرئيس السيسي من خلال لقائه مؤخراً مع بينيت.

ولهذا السبب يمكن القول إنّ خطاب الرئيس محمود عباس في الجمعية العامة للأمم المتحدة كان هذا العام مختلفاً عن الخطابات التي دأب على إلقائها في نيويورك سنوياً. وقد حدّد أبو مازن مهلة عام أمام الإسرائيليين لإنقاذ حلّ الدولتين، وإلا فسيتوجّه إلى محكمة العدل الدولية من أجل اتخاذ قرار يتّصل بشرعية وجود الاحتلال على أرض دولة فلسطين، وحسم المسؤولية المترتّبة على الأمم المتحدة والعالم إزاء ذلك، وهي استراتيجية “حرب القانون” التي تُعتبر أكثر نجاعة.

وأكثر ما استوقف المحلّلين الفلسطينيين في خطاب أبو مازن هو تحذيره من أنّ تقويض حلّ الدولتين، القائم على الشرعية الدولية، سيفتح أبواباً واسعة أمام بدائل أخرى سيفرضها علينا جميعاً الواقع القائم على الأرض. وذهب البعض إلى الاعتقاد بأنّ الرئيس الفلسطيني يجهّز الأرضية لافتتاح فصل جديد في إدارة الصراع مع إسرائيل، وهو يلوّح بأنّ البديل بالنسبة إلى الفلسطيني جاهز، في حال تأبين حلّ الدولتين. وهذا البديلبيأ هو الكفاح السياسي على أساس القانون الدولي، انطلاقاً من قرار التقسيم عام 1949… وقد أُعذِر من أنذر.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى