شؤون مكافحة الاٍرهاب

عبد الملك درودكال زعيم تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي ..أهمية مقتلته..

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات ـ المانيا  و هولندا – 6/6/2020

اعداد اللواء الركن المتقاعد الدكتورعماد علوّ ، مستشار المركز الاوربي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات

اهمية مقتل الارهابي الجزائري عبد الملك درودكال وتأثيره على ظاهرة السلفية الجهادية في شمال افريقيا

المقدمة

“أعلنت فرنسا يوم السبت 6حزيران يونيو 2020 ، مقتل، الارهابي الجزائري زعيم تنظيم “القاعدة في المغرب العربي عبد الملك درودكال “، في عملية للقوات الفرنسية في شمال مالي بتاريخ الثالث من حزيران 2020. وكان عبد الملك درودكال ، أو أبو مصعب عبد الودود، زعيما لتنظيم القاعدة في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل الأفريقي، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين الموجودة في مالي وبوركينا فاسو. ومن الجدير بالذكر أن عبد المالك درودكال جزائري ولد بقرية زَيان التابعة لبلدية مفتاح بولاية البليدة في 20 نيسان ابريل 1970 ، ودرس في جامعة البليدة فرع التكنولوجيا من سنة 1990 إلى 1993. وانخرط في العمل الارهابي في كانون الثاني يناير 1992 .”

سعى عبد الملك درودكال إلى توسيع أنشطته في منطقة الساحل، وقد تمكن من القيام بذلك عن طريق جماعة “أنصار الدين” التي يقودها إياد أغ غالي، وكانت واحدة من المجموعات التي سيطرت في 2012 على شمال مالي وأعلن هذا التحالف منذ تأسيسه مسؤوليته عن الهجمات الرئيسية في منطقة الساحل.

التحق درودكال بالحركة السلفية الجهادية في عام 1993  بواسطة السعيد مخلوفي أمير حركة الجماعة السلفية للدعوة والقتال واسندت اليه ادارة التصنيع والتعليم والتكوين العسكري ولقب بـ (أبو مصعب عبد الودود). و في حزيران /يونيو 2004 ، استُخْلِفَ على إمارة الجماعة. وفي 24 كانون الثاني 2007 ، أعلن عبد المالك درودكال دخوله في تنظيم قاعدة الجهاد وتغير اسم تنظيمه من الجماعة السلفية للدعوة والقتال إلى( تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي) واصبح أميرا” لها .

السلفية الجهادية في شمال افريقيا

لاشك ان مقتل عبد الملك درودكال سيعيد الحديث من جديد عن تنظيمات السلفية الجهادية على مستوى العبور القاري والأيديولوجي ، بدأ” من أندونيسيا و افغانستان وإقليم وزيرستان في الباكستان مرورا” بدول الشرق الاوسط مثل اليمن وسوريا والعراق والمملكة العربية السعودية ، وصولا الى  القارة السمراء مثل ليبيا والجزائر والمغرب ومالي ونيجريا ومصر والصومال.

وعلى الرغم من اختلاف ظروف نشأة هذه الحركات وتوقيتها وأهدافها لكن الأكيد انها تنهل من مرجعيات فكرية واحدة يمكن ان توضع جميعا تحت لواء ما يسمى بـ«الفكر السلفي الجهادي» ، الأمر الذي يحتاج الى رصد تطور ظاهرة السلفية الجهادية في شمال افريقيا وخصوصا” في دول المغرب العربي . لقد تبلورت ظاهرة السلفية الجهادية في الجزائر اثر تجربة الأفغان العرب بالإضافة الى تجربة وافكار الحركة السلفية الجهادية تلك التي  قادها الشيخ بويا علي في الجزائر والتي قاتلت الدولة الجزائرية بحجة وقوفها مع الاتحاد السوفياتي ، والتي بلغت ذروتها اثر إلغاء انتخابات 1992 في الجزائر التي فاز بها الإسلاميون، والتي تفجرت على أثرها سنوات عشر دامية راح ضحيتها مئات ألوف الجزائريين.

وقد نالت منطقة المغرب العربي بموقعها الإستراتيجي نصيبها من تجليات ظاهرة السلفية الجهادية  فبعد “الجماعة الإسلامية المسلحة” و”الجماعة السلفية للدعوة والقتال”، سعى السلفيون في عام 2006 لجمع شتاتهم في بلاد المغرب، وأعلنوا تشكيل تنظيم القاعدة تحت مسمى(القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي) ، مما دفع الدول المغاربية للالتفات للظاهرة لتلافي ما عرف بالسيناريو الجزائري.

وتطور الفكر السلفي السياسي فيما بعد  في  الجزائر اثر عودة الأفغان العرب إلى بلدانهم (وكان من بينهم عدد كبير من الجزائريين)، عندما ظهرت بعد ذلك السلفية الجهادية التي تتبنى الجهاد، وترفض المؤسسات القائمة برمتها، وتعاديها وتسعى من خلال استعمال العنف إلى تغييرها، ”وقد تجلت في شكل رئيسي خلال التسعينات في الجماعة الإسلامية ووريثتها ”الجماعة السلفية للدعوة والقتال”. وتشكل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي  عام 2006 من بقايا الجماعة السلفية للدعوة والقتال ما أضفى على السلفية في الجزائر بعدا عالميا” .

انشقاقات الجبهة الاسلامية للإنقاذ

أفرز هذا الواقع عدّة تنظيمات مسلحة انضوت في ما بعد تحت أكبر تنظيمين مسلّحين في الجزائر. واستمرّت «السلفية الجهادية» على أيدي مؤيدي الشيخ مصطفى بويعلى الذين رفضوا الانخراط في العمل تحت مظلة « الجبهة الإسلامية للإنقاذ » التي كان يتزعمها علي بلحاج الذي أصبح في ما بعد الرجل الثاني في «الجبهة الإسلامية للإنقاذ»، و«جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، التي تستند إلى السلفية الجهادية في منهجها.

وشهدت الجبهة الإسلامية للإنقاذ عدة انشقاقات فيما بعد ، حيث انبثق منها ما عرف بـ«جيش الإنقاذ» الذي كان يهدف إلى مواجهة النظام من خلال استخدام القوة، وعلى رأس هذا الانشقاق مدني مزراق، وعبد القادر شبوطي، وعبد الرزاق رجام، ومحمد سعيد مخلوفي، ومحمد السعيد. كذلك انبثق من عناصر الجبهة الإسلامية للإنقاذ في مطلع التسعينات جماعة أخرى عُرفت بانتمائها للسلفية الجهادية، باسم «الجماعة الإسلامية المسلحة»، وكان من ابرز أمراء الجماعة عبد الحق العيايدة.

عبد الملك درودكال وتنظيم القاعدة

دخلت الجماعة في مرحلة عنفية شديدة لم يشهدها العالم من قبل،  تولى أبو عبد الرحمن أمين قيادة الجماعة الإسلامية المسلحة  عام 1994، ، حيث قامت بحرق ما يزيد على 117 مسجداً وقتلت العديد من العلماء، وأصدرت الفتوى التي تبيح قتل نساء العاملين في الدولة والإعلام وأطفالهم، وتبنّت فكرة التكفير لعموم المسلمين المخالفين لها.

هذه الجرائم البشعة التي ارتكبها عناصر «الجماعة الإسلامية المسلحة» دفعت حسن حطاب الى الانشقاق عنها مع عدد من عناصر الجماعة وأسس تنظيم «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» وقاده من عام 1998 إلى 2003 تاريخ عزله وعيّن مجلس الأعيان أبو إبراهيم مصطفى نبيل صحراوي أميرا على الجماعة السلفية للدعوة والقتال . لكن بعد مقتل أبي إبراهيم مصطفى نبيل صحراوي استُخْلِفَ على إمارة الجماعة في ـ يونيو 2004 عبد الملك دروكدال الملقب أبو مصعب عبد الودود.

طرأ تحوّل الكبير في عهد أبو مصعب حين أعلن في 24 كانون الثاني 2007 انضمام «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» إلى تنظيم القاعدة . ولم يتزحزح عبد الملك دروكدال عن بيعته لأسامة بن لادن ثم لخليفته أيمن الظواهري ،الا ان العلاقة بين دروكدال و تنظيم القاعدة الدولي لم تكن أبدا على ما يرام، و تم رصد خلافا بين درودكال وأيمن الظواهري منذ عام 2013، بعد أن تقلص عدد الجهاديين الملتحقين بساحات الحرب ضد القوات الفرنسية في شمال مالي حيث انزعج الرجل الأول في تنظيم القاعدة الدولي أيمن الظواهري من البيان المنسوب لدرودكال والذي يرفض فيه امير تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي التحاق الجهاديين من المنطقة المغاربية بالحرب في سوريا ، والذي كان يرى أن عدم دعوة الظواهري صراحة للجهاد المقدس ضد فرنسا في شمال مالي حرم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب من جني ثمار نصر كان يمكن تحقيقه في المنطقة.. وهو ايضا” كان شأن الارهابي ابو بكر البغدادي أمير تنظيم الدولة الاسلامية في العراق الشام والذي وجد نفسه في نفس الصف مع درودكال، في خلافه مع الظواهري .

عبد الملك درودكال على رأس تنظيمات القاعدة في منطقة الساحل

سعى عبد الملك درودكال إلى توسيع أنشطته في منطقة الساحل، وقد تمكن من القيام بذلك عن طريق جماعة “أنصار الدين” التي يقودها إياد أغ غالي، وكانت واحدة من المجموعات التي سيطرت في 2012 على شمال مالي وأعلن هذا التحالف منذ تأسيسه مسؤوليته عن الهجمات الرئيسية في منطقة الساحل. الا أن الخلافات بين درودكال و الظواهري اثرت بشكل واضح على وحدة السلفيين الجهاديين دفعت الى انشقاقات في صفوف  «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» ، ولهذا اختار مختار بلمختار إعلان الولاء للظواهري ، وانشق عن الجماعة السلفية للدعوة والقتال ،  واسس تنظيم “المرابطون”، في يوم 23 آب /أغسطس 2013 ، الذي تبنى الفكر “السلفي الجهادي”، إثر اندماج فصيلين من أنشط الفصائل السلفية الجهادية المسلحة بشمالي مالي والصحراء الكبرى هما جماعة “الملثمون” بقيادة المختار بلمختار المكنى “خالد أبو العباس”، و”حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا” بقيادة أحمد ولد العامر المكنى “أحمد التلمسي”، الذي قتل في غارات جوية للطائرات الفرنسية على شمال مالي وجبال تغرغارت، يوم 11 كانون الأول (ديسمبر) 2014،.

وبقيت الإمارة شاغرة، حتى تولاها أبو الوليد الصحراوي، الذى لم يكن يحكم قبضته سوى على أحد أجنحة التنظيم؛ هو جناح “التوحيد والجهاد”، وعندها ذهب ليعلن مبايعة جماعة “المرابطون” لتنظيم داعش، في تسجيل صوتي نشرته مؤسسة “الأندلس”، يوم 14 أيار (مايو) 2015، خرج بلمختار من مخبئه، ليعلن أن مبايعة الصحراوي لـ”داعش” لم تكن بموافقة مجلس الشورى، إنما كانت بقرار منفرد، وليجدّد ولاءه للقاعدة، وأميرها أيمن الظواهري ، مرة أخرى.

وفي آذار/مارس 2017 أنشئت جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” بتحالف العديد من التنظيمات الجهادية المرتبطة بـ”القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي” تحت قيادة إياد أغ غالي. أعلنت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين تكوينها وأعلنت مبايعتها لأيمن الظواهري (أمير تنظيم القاعدة) و عبد الملك درودكال الملقب أبو مصعب عبد الودود (أمير تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي) وهبة الله أخوند زاده (أمير تنظيم طالبان) .

التحليل

يأتي مقتل عبد الملك درودكال في سياق سلسلة من عمليات اصطياد لقادة التنظيمات السلفية الجهادية في مناطق تأثيرهم ونشاطهم وهي استراتيجية تتبعها اجهزة الاستخبارات والامن في الدول المناهضة للإرهاب السلفي الجهادي منذ مقتل زعيم داعش أبو بكر البغدادي وقد ارتكزت هذه الاستراتيجية على الاعتبارات التالية :

1.اختراق التنظيمات السلفية الجهادية من قبل اجهزة المخابرات والاستخبارات .

2.تعاون المواطنين مع الأجهزة الأمنية وتقديمهم لمعلومات قيمة ساهمت في رصد تحركات قيادات التنظيمات الارهابية.

3.الاعترافات الأمنية التي ادلى بها المعتقلين من التنظيمات السلفية الجهادية الارهابية شكلت مصدراً مهماً للمعلومات في القبض على بعض القيادات، خاصة في ظل التنسيق الأمني المستمر بين اجهزة المخابرات والاستخبارات الدولية.

4.تراجع دور الحواضن المجتمعية التي كان يتم اللجوء إليها لتقليص قدرة الأجهزة الأمنية على تعقب قيادات وعناصر التنظيمات السلفية الجهادية الارهابية .

5.الانشقاقات التنظيمية العديدة بسبب الخلافات على المناصب والغنائم وتباين الرؤى الفقهية والايديولوجية منذ مقتل زعيم القاعدة اسامة بن لادن وفشل ايمن الظواهري في السيطرة على تشكيلات السلفية الجهادية في العالم .

وخلاصة القول، أن مقتل أمير تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، عبد المالك درودكال (أبو مصعب عبد الودود)، قد  يثير المخاوف من تحرك أتباعه لتنفيذ عمليات انتقامية في شمال افريقيا ومنطقة الساحل ودول المغرب العربي مثل الجزائر وتونس وليبيا خصوصا” وأن الاوضاع الامنية متوترة بسبب التدخل العسكري التركي في ليبيا والصراعات السياسية في تونس والجزائر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى