شؤون مكافحة الاٍرهاب

عبد الغني سلامة يكتب – عن الدور الوظيفي لـ«الإخوان المسلمين»

عبد الغني سلامة – 1/2/2021

ثمة مقولة دارجة في الأوساط السياسية، مفادها «للإخوان المسلمين دور وظيفي يتلخص في مناهضة الحركات الوطنية والتقدمية في العالم العربي، ودعم وإسناد النظم الرجعية والاستبدادية، والمرتبطة بأميركا».. وهذه المقولة يُعاد طرحها الآن بقوة بعد قيام رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني (زعيم حزب العدالة والتنمية «الإخواني»)، بالتوقيع على اتفاق التطبيع مع إسرائيل.

لنناقش هذه المقولة، دون اتهامات أو إصدار أحكام..

لنبدأ من مصر، حيث انطلقت الجماعة في أواخر العشرينيات من الإسماعيلية (التي كانت مركزاً للقوات الإنجليزية)، وكان من المفترض أن تركز الجماعة على مقاومة الاحتلال الإنجليزي، وأن يكون ذلك مبرر وجودها، ولكنها بدلاً من ذلك ركزت على الجوانب التربوية والنشاطات الاجتماعية، الأمر الذي جعل من الإنجليز يغضّون النظر عن تنامي قوتها، بل إن بعضهم يؤكد أن الجماعة تلقت دعماً مالياً وسياسياً من الإنجليز مقابل صرف توجهات الجماهير عن فكرة المقاومة، وإشغالهم بالقضايا الاجتماعية والشكلية.

وعندما ألغى الملك فؤاد دستور 23 واستبدله بدستور جديد، يعيد للملك ما سلبه دستور ثورة 19، اعترضت القوى الوطنية على الدستور الجديد، وعمّت التظاهرات الشعبية العديد من المدن المصرية، ورفض الإخوان المشاركة فيها. كما أيدوا حكومة علي ماهر، رجل القصر الرافض للحزبية والديمقراطية، وتحالفوا معه واعتبروا وزارته وزارتهم. وأيدوا حكومة إسماعيل صدقي، المعروف بالاستبداد، وأنه أول مزوّر للانتخابات في مصر. كما باركوا تعيين حافظ عفيفي المرفوض شعبياً، رئيساً للديوان الملكي. ولما أعلن الزعيم مصطفى النحاس إلغاء معاهدة 36، وبدء العمل الفدائي ضد القاعدة العسكرية الإنجليزية في القناة، صرح مرشد الإخوان بأن أعمال العنف لن تُخرج الإنجليز من البلاد، وأن واجب الحكومة هو أن تفعل ما يفعله الإخوان: تربية الشعب وإعداده، فذلك هو طريق إخراج الإنجليز. وخطب في مؤتمر حاشد لشباب الإخوان قائلاً: اذهبوا واعكفوا على تلاوة القرآن.

وبعد ثورة 23 يوليو وقف الإخوان ضد الثورة، وفي العام 1954 وأثناء إلقاء عبد الناصر خطاباً في المنشية بالإسكندرية تعرض لمحاولة اغتيال، اتهم الإخوان بها، كما جرى اتهامهم بمحاولة إسقاط النظام في بداية الستينيات. وظل موقفهم معادياً لعبد الناصر، ومتحالفاً مع السعودية حتى بداية السبعينيات.

وحين استلم السادات السلطة، أخرج جميع كوادر الإخوان من السجون، وسمح لهم بالتحرك، وإقامة معسكرات تدريب، ونشر كتبهم، وكان غرضه: التخلص من إرث الناصرية، ورموزها، والقضاء على الشيوعيين واليساريين، وكسب تأييد ضمني أو غض الطرف عن سياسته الجديدة في الصلح مع إسرائيل.

وقد أسند السادات وزارة الأوقاف للشيخ الشعراوي (المؤيد للإخوان)، ولم يكن هذا التجلي الوحيد للتحالف الجديد، فقد امتنع الإخوان عن معارضة زيارة السادات للقدس، وعن إدانة كامب ديفيد، واكتفوا بإصدار بيانات، دون أي حراك شعبي، بل إن الشعراوي قال في شهر آذار 1978 مدافعاً عن السادات أمام مجلس الشعب: «لو كان لي من الأمر لحكمت لهذا الرجل بألا يُسأل عمّا يفعل».

وفي عهد مبارك، استمر التحالف الخفي بين النظام والإخوان، رغم حملات الاعتقال، حيث سُمح للجماعة بالتحرك، والتوسع، والمشاركة في انتخابات النقابات والبرلمان، والهيمنة على مناطق شعبية عديدة، مقابل غض النظر عن سياسات النظام الخارجية، والاقتصادية.

بعد ثورة 25 يناير، عقد الإخوان صفقة ثلاثية تجمعهم مع المجلس العسكري والأميركان لحكم مصر، ووثقوا علاقاتهم مع إدارة أوباما. وفي نيسان 2012 أرسل الإخوان وفداً إلى واشنطن، في محاولة لتحسين صورتهم أمام الإدارة الأميركية، بوصفها حركة معتدلة، وكان مضمون الرسالة التطمينية التي حملها الوفد تتلخص في الحفاظ على موقف مصر تجاه السياسة الخارجية الأميركية.. والتمسك بمعاهدة السلام مع إسرائيل.

وبالفعل، بعد فوزهم في الانتخابات، قدّم الرئيس مرسي تعهداً باحترام الاتفاقيات الدولية، خاصة كامب ديفيد، والسماح بعودة السفير الإسرائيلي إلى القاهرة، وإعادة افتتاح سفارة مصر في تل أبيب، مع رسالة معنونة «إلى صاحب الفخامة السيد شمعون بيريس رئيس دولة إسرائيل، عزيزي وصديقي العظيم».

في دول أخرى كانت الجماعة تتخذ نفس المنحى، ففي الأردن ظل الإخوان جزءاً أساسياً من النظام، وحليفاً قوياً للقصر، وفي دول الخليج، خاصة السعودية والكويت، كانوا أيضاً متحالفين مع النظام وداعمين له. في السودان تحالفوا مع النميري، وسمّوه «الرئيس المؤمن»، ثم انقلبوا على خيار الديمقراطية، ونصّبوا البشير خليفة، وظلوا ركناً أساسياً لنظامه، حتى تنصلوا منه أواخر أيامه. وفي سورية تحالفت «حماس» مع النظام السوري، قبل اندلاع الثورة، وحتى عامها الأول، وطالما أشاد خالد مشعل بالأسد، وكذلك فعل العريفي والقرضاوي، ولكن بعد تصاعد الأحداث انقلبوا عليه. ثم باركوا قصف الناتو لليبيا، وتدميرها، وطالبوا أميركا أن تفعل نفس الشيء في سورية (خطبة القرضاوي).

في العراق، بعد سقوط النظام، وتنصيب الحكومة (الأميركية) انخرط الإخوان في نظام بريمر (عُيّن «الإخواني» طارق الهاشمي نائباً للرئيس). ثم تحالف الإخوان مع قَطَر، وصاروا أهم مكون لقناة الجزيرة، بكل ما عليها من ملاحظات سلبية. وفي تونس صوّت حزب النهضة ضد قانون تجريم التطبيع. وفي المغرب أصدر الإخوان بياناً مؤيداً للتطبيع، وداعماً للملك.

في تركيا، يقيم أردوغان (المتحالف مع الإخوان) علاقات قوية ومتنامية مع إسرائيل، وقد زارها ثلاث مرات، وما زال الإخوان في الدول العربية يباركون احتلال تركيا لشمال سورية. كما أيدوا أذربيجان (المدعومة من إسرائيل) في حربها مع أرمينيا.

في فلسطين، كانت جماعة الإخوان التنظيم السياسي الوحيد الذي يعمل علانية ودون مضايقات من الاحتلال، بل إنه حصل على ترخيص رسمي للعمل تحت اسم «المجمع الإسلامي» عام 1973، وكانت إسرائيل تغض الطرف عنهم لأنهم كانوا يرفضون الكفاح المسلح، وجلّ نشاطهم في المجال الاجتماعي والدعوي، وكانوا في حالة صِدام مع القوى الوطنية، الأمر الذي استفادت منه إسرائيل في زعزعة مكانة منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها ممثلاً للشعب الفلسطيني.

وبعد عقود من معاداة منظمة التحرير واتهامها بالتفريط والتهادن مع إسرائيل، أعلنت «حماس» تبنيها لأطروحة الدولة الفلسطينية على أراضي العام 1967، وتم تأكيد ذلك في وثيقة «حماس» (أيار 2017).

وفيما ترفض «حماس» المشاركة في المجلس الوطني الفلسطيني، يشارك الإخوان في الانتخابات الإسرائيلية ولديهم أعضاء في الكنيست.. وفي الأزمة الإسرائيلية الأخيرة، تحالف «منصور عباس» رئيس الحركة الإسلامية مع «نتنياهو»، في خطوة مناقضة لموقف القائمة العربية المشتركة.

من المؤكد أن للجماعة تفسيراتها وإجاباتها على هذه الأمثلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى