الصراع الفلسطيني الاسرائيليالمفاوضات

صفقة القرن التي سيقدمها ترامب ملامحها معروفة، ومصيرها الفشل

ميدل ايست اَي – جوناثان كوك – صحفي بريطاني يقيم في فلسطين المحتلة – 20/6/2018

 هنالك إشارات متزايدة حول إن خطة السلام في الشرق الأوسط التي تم تأجيلها عدة مرات، والمسماة “صفقة القرن”، على وشك أن يقوم دونالد ترامب بالكشف عنها. ورغم أن المسؤولين في إدارة ترامب لم يقدموا أي تصريحات علنية، فإن ملامح هذه الخطة معروفة مسبقا، بحسب بعض المحللين.

حيث يشير هؤلاء إلى أن “إسرائيل” بدأت فعلا بتنفيذ الاتفاق، وذلك من خلال مزيد تكريس نظام الفصل العنصري ضد الفلسطينيين، فيما أمضت واشنطن الأشهر الستة الماضية وهي تجر الخطى وتتباطأ في نشر الوثيقة.

ويقول ميشال فارشوفسكي، وهو محلل إسرائيلي ومدير مركز القدس للإعلام البديل:” إن نتنياهو بكل بساطة يواصل إحكام قبضته على الضفة الغربية والقدس الشرقية، وهو يعلم أن الأمريكيين لن يقفوا في طريقه”.

“سوف يحصل نتنياهو على ضوء أخضر ليفعل ما يريده، سواء تم نشرالوثيقة أو لم يتم ذلك، ففي النهاية هي أصلا لن يكتب لها النجاح”.

ويتفق إيران عتصيون، المسؤول السابق في وزارة الخارجية، مع هذا الرأي، حيث يقول: “إن “إسرائيل” لديها حرية التصرف أكثر من السابق، وهي تشعر بالثقة الكاملة لمواصلة سياساتها الحالية، لأنها تعلم أن ترامب لن يتصدى لها.”

نتتنياهو سيخرج فائزا

بحسب تقارير ظهرت مؤخرا، فإن الأمريكيين ربما يقدمون خطتهم خلال أيام، وبالتحديد بعيد نهاية شهر رمضان المعظم لدى المسلمين.

يتفق المحللون على أن نتنياهو هو الذي سيخرج رابحا من أي مبادرة سيقدمها ترامب

وقد ذكر يوسي ألفر، المساعد السابق لإيهود باراك أثناء رئاسته للحكومة في التسعينات، إنه “كان من الواضح أن نتنياهو كان على علم بما يجري التخطيط له من قبل المسؤولين في إدارة ترامب. حيث تتم إحاطته بكل ما هو قادم، ولذلك فإن إعلان صفقة القرن لن يحمل أية مفاجآت بالنسبة له”.

ويتفق المحللون على أن نتنياهو هو الذي سيخرج رابحا من أي مبادرة سيقدمها ترامب. فقد ذكر يوسي بيلين، السياسي الإسرائيلي السابق الذي كان من الشخصيات المحورية في اتفاقات أوسلو في بداية التسعينات، أن نتنياهو يتلاعب بالخطة بكل سخرية حتى تكون لصالحه.

حيث قال: “إن نتنياهو يعلم أن الفلسطينيين لن يقبلوا البنود التي تقدم لهم، ولذلك فهو بإمكانه أن يظهر في ثوب الرجل العقلاني من خلال الموافقة على المقترح، حتى لو كانت هنالك تفاصيل لا ترضيه، فهو في النهاية يعلم أن الفلسطينيين سيرفضون الخطة، وستوجه لهم أصابع اللوم عند الفشل”.

ويتفق ألفر مع هذا الرأي، حيث يقول: “إذا تم رفض الخطة، فإن ترامب سيقول إنه فعل كل ما بوسعه، وعرض على الطرفان المتصارعان أفضل اتفاق ممكن، والآن يجب تركهما لوحدهما لتسوية خلافاتهما فيما بينهما”.

كما أضاف ألفر أن العائق الوحيد الذي يمنع واشنطن من تقديم الخطة الآن، هو المخاوف من الحالة الصحية المتدهورة للرئيس محمود عباس، ولذلك فإن فريق ترامب ربما يفكر في وضع الخطة على الرف في الوقت الحالي.

يبدو أن الفلسطينيين خسروا هذه المعركة، وباتوا الآن مستعدين لأسوأ الاحتمالات

ولكن حتى في هذه الحالة، فإن نتنياهو هو الذي سيكون مستفيدا. حيث إنه سيواصل نفس السياسات التي دأب عليها خلال العشر سنوات الماضية، متمثلة في توسيع المستوطنات، وحرمان الإسرائيليين المعارضين له من حقوقهم، وسيتجه بـ”إسرائيل” أكثر فأكثر نحو نظام الفصل العنصري.

فتات من الأرض

في محاولة سابقة للفوز برضا ترامب، كان قد تحدث عنها موقع “ميدل إيست آي” قبل عام، عرض الرئيس الفلسطيني محمود عباس عملية تبادل للأراضي، يتنازل خلالها على 6.5 في المائة من الأراضي المحتلة لـ”إسرائيل”. وهذا الرقم يمثل أكثر من ثلاثة أضعاف الرقم الذي قبل الفلسطينيون التنازل عنه في محادثات السلام السابقة.

ولكن يبدو أن الفلسطينيين خسروا هذه المعركة، وباتوا الآن مستعدين لأسوأ الاحتمالات. إذ أن محمود عباس هاجم الخطة الأمريكية المقترحة، ووصفها بأنها “صفعة القرن”، معتبرا أن القبول بها يمثل خيانة.

وبحسب مسؤولين فلسطينيين، فإن الخطة الأمريكية سوف تقترح عليهم حدودا بشروط، في فتات من الأرض تمثل حوالي نصف الأراضي المحتلة، أي ما نسبته 11 بالمائة من إجمالي الأراضي الفلسطينية المعترف بها أثناء فترة الانتداب البريطاني.

هذه المناطق الفلسطينية سوف تكون منزوعة السلاح، وسوف تسيطر “إسرائيل” على حدودها البرية وأجوائها.

بعد ذلك سيتم ترك الإسرائيليين والفلسطينيين ليتفاوضوا حول مصير المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وبحسب محللين، فإن ترامب سوف يدعم نتنياهو إلى أقصى حد.

الخطوة الأمريكية بنقل السفارة إلى القدس في الشهر الماضي، مثلت إشارة بأن إدارة ترامب سوف تعترف بالقدس كاملة كعاصمة لـ”إسرائيل”

كما أن هنالك أحاديث حول رفض الأمريكيين لمبدأ حق العودة للاجئين الفلسطينيين، سواء كانت هذه العودة لـ”إسرائيل” أو للأراضي المحتلة، التي توافق الإدارة الأمريكية على مواصلة خضوعها للسيطرة الإسرائيلية.

مكاسب أخرى في غزة والجولان

يبدو أن الخطوة الأمريكية بنقل السفارة إلى القدس في الشهر الماضي، مثلت إشارة بأن إدارة ترامب سوف تعترف بالقدس كاملة كعاصمة لـ”إسرائيل”. هذا يعني حرمان الفلسطينيين من القدس الشرقية، التي لطالما افترضوا أنها ستكون عاصمة لأي دولة فلسطينية في المستقبل.

وقد ذكرت تقارير أخرى منفصلة خلال هذا الشهر، إن إعلان خطة السلام الأمريكية، سوف يتزامن مع إعلان إجراءات جديدة في غزة وفي مرتفعات الجولان. إذ أنه على مدى سنوات ماضية، كانت هنالك تكهنات بشأن وجود ضغوط من واشنطن و”إسرائيل” على القاهرة، للسماح لفلسطينيي قطاع غزة بالاستقرار في سيناء.

وبحسب تقارير إسرائيلية، فإن واشنطن ربما تكون على وشك أن تكشف عن مخطط يضعف الحدود بين غزة ومصر، من أجل السماح للفلسطينيين بالعمل وربما الانتقال للعيش في شمال سيناء.

وسيكون الهدف من هذه الخطة هو نقل المسؤولية عن إدارة القطاع بشكل تدريجي من “إسرائيل” إلى مصر، وذلك من أجل مزيد تقويض أي فرص لإقامة دولة فلسطينية على أراضي فلسطين التاريخية.

وفي خطوة أخرى منفصلة، ربما قد تؤدي لاكتمال المكاسب التي يسعى نتنياهو لتحقيقها، ذكر وزير في الحكومة الإسرائيلية خلال الشهر الماضي، أن إدارة ترامب ربما تكون مستعدة للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان.

يذكر أن هذه المرتفعات انتزعتها “إسرائيل” من سوريا خلال حرب 1967، وقامت بضمها في سنة 1981، في انتهاك واضح للقوانين الدولية.

التخلي عن عبارة “محتلة”

كشف تقرير لصحيفة جيروزاليم بوست خلال الشهر الماضي، أن الوثيقة التي يعدها البيت الأبيض لن تتضمن التزاما واضحا بحل الدولتين، وهو ما يتطابق مع تصريحات سابقة أدلى بها الرئيس ترامب.

هذا سيطلق يد “إسرائيل” للاستحواذ على مناطق من الضفة الغربية، كانت قد احتلتها من خلال سياسة توسيع المستوطنات.

ويشار إلى أن آخر تقرير سنوي لوزارة الخارجية الأمريكية حول وضعية حقوق الإنسان في البلاد، نشر في نيسان/أبريل الماضي، تخلى لأول مرة عن عبارة “الأراضي الفلسطينية المحتلة”، في تلميح إلى أن فريق ترامب لم يعد يعتبر أن الضفة الغربية هي منطقة خاضعة للاحتلال.

ويذكر أن نتنياهو كان قد قال خلال اجتماع بالنواب المنتمين لحزب الليكود: “إن نجاحاتنا قادمة، وسياساتنا ليست مبنية على الضعف، وليست مبنية على تنازلات تهدد أمننا”.

 نتنياهو سيحلل خطوة نقل السفارة على إنها ختم موافقة أمريكية، على سلسلة من الإجراءات الإسرائيلية التي تم إقرارها خلال الأشهر الماضية لهندسة عملية تهويد القدس

وبالتالي، فإنه بالنظر إلى التحركات الإسرائيلية الأخيرة، ألا يمكننا التكهن بشأن العبارات التي سوف يستخدمها ترامب في خطة السلام التي سيقدمها؟

1- التلاعب بالتقسيم الجغرافي للقدس (Gerrymandering)

تعد القدس أكثر المواضيع حساسية في ما يخص قضايا الوضع النهائي، خاصة وأنه يوجد بها المسجد الأقصى الذي يتمتع بقدسية كبيرة لدى المسلمين. ويبدو أن ترامب اعترف فعليا بالقدس كعاصمة لـ”إسرائيل”، وذلك من خلال نقل السفارة الأمريكية إليها خلال الشهر الماضي.

وعلى الأرجح، فإن نتنياهو سيحلل خطوة نقل السفارة على إنها ختم موافقة أمريكية، على سلسلة من الإجراءات الإسرائيلية التي تم إقرارها خلال الأشهر الماضية لهندسة عملية تهويد القدس.

وتتمثل الخطة الإسرائيلية بالأساس في مبادرتين تشريعيتين للتلاعب بالتقسيم الجغرافي للمدينة وسكانها، من أجل خلق أغلبية يهودية تحظى بالحماية التامة. إلا أن كلتا المبادرتين تم تعليقهما من قبل نتنياهو، إلى حين إعلان خطة السلام المنتظرة.

ومن المنتظر أن تنص المبادرة التشريعية الأولى، المسماة مشروع قانون القدس الكبرى، على ضم العديد من المستوطنات اليهودية الكبرى القريبة والموجودة في الضفة الغربية المحتلة، لتصبح جزء من بلدية القدس. وهذا سيتسبب في تغيير بين ليلة وضحاها يحول حوالي 150 ألف مستوطن في الضفة الغربية إلى متساكنين للقدس، إضافة إلى ضم أراضيهم فعليا إلى دولة “إسرائيل”.

وفي علامة على عدم صبر أعضاء في حكومة نتنياهو على الدفع نحو هذه الخطوة، من المنتظر عرض هذا المشروع مجددا للنظر يوم الأحد.

هنالك أيضا مشروع آخر سوف يجرد حوالي 100 ألف فلسطيني من سكان المدينة من إقاماتهم، باعتبار أنهم موجودون في الجزء الخاطئ من الجدار الذي شرعت “إسرائيل” في بنائه عبر القدس منذ 15 عاما. هؤلاء الفلسطينيون سيتم منعهم تقريبا من دخول القدس، وسيتم إلحاقهم بمجلس بلدي آخر منفصل.

إضافة إلى ذلك، فإن “إسرائيل” شددت من إجراءاتها القمعية ضد الفلسطينيين، الذين لا يزالون يتواجدون داخل القدس الشرقية، من خلال تكثيف الاعتقالات الليلية، وعمليات هدم المنازل، وغلق المحلات، وإنشاء منتزهات وطنية في الأحياء الفلسطينية، وحرمانهم من الخدمات الأساسية. والهدف المعروف من كل هذه الإجراءات، هو دفع السكان إلى الانتقال للعيش خارج الجدار.

فريق ترامب يسعى لإيجاد بديل لحفظ ماء الوجه، يمثل أرضا تقام عليها دولة فلسطين مستقبلا، خارج الحدود البلدية للقدس

كما لاحظ خبراء أيضا أن المدارس الفلسطينية داخل الجدار، تتعرض لضغوط كبيرة لاعتماد المناهج الإسرائيلية، ومحو الهوية الفلسطينية في صفوف التلاميذ.

2- هل تكون أبو ديس هي عاصمة فلسطين؟

بالنظر إلى أن القدس ستكون العاصمة الموحدة لـ”إسرائيل”، فإن فريق ترامب يسعى لإيجاد بديل لحفظ ماء الوجه، يمثل أرضا تقام عليها دولة فلسطين مستقبلا، خارج الحدود البلدية للقدس.

وبحسب بعض الشائعات، فإن الاختيار وقع على بلدة أبو ديس، التي تبعد أربعة كيلومترات شرقي القدس، ويفصلها عن هذه المدينة الجدار الإسرائيلي منذ أكثر من 10 سنوات.

ويشار إلى أن مخطط أبو ديس ليس جديدا، إذ أنه في نهاية سنوات التسعينات كان إدارة الرئيس كلينتون قد اقترحت تغيير تسمية أبو ديس لتصبح “القدس”، لتحمل بذلك الاسم التقليدي لهذه المدينة المقدسة التي تكمن أهميتها في الأماكن الدينية. وقد اعتبر هذا المقترح حينها تمهيدا لجعل أبو ديس العاصمة المستقبلية لأية دولة فلسطينية.

وقد تحدثت تقارير كثيرة حول دور أبو ديس في خطة السلام الجديدة، منذ أواخر العام الماضي، ولكن في كانون الثاني/يناير كان الرئيس محمود عباس قد رفض هذه الفكرة برمتها.

ولكن خلال الشهر الماضي، كان يائير لابيد، رئيس حزب “هناك مستقبل” المنتمي لوسط اليمين، قد أشار إلى تقارير حول قرب إعلان تغيير وضع بلدة أبو ديس، أثناء تصريحات موجهة إلى بنيامين نتنياهو.

تخضع أغلب أراضي بلدة أبو ديس للسيطرة الإسرائيلية، كما أنها مطوقة بالجدار والمستوطنات الإسرائيلية، من ضمنها مستوطنة معاليه أدوميم التي يقطنها 40 ألف يهودي

وتعد أبو ديس بلدة ذات كثافة سكانية عالية، حيث يعيش فيها 13 ألف فلسطيني. وفي حال ما صدقت هذه التسريبات، فإنه من الصعب تخيل كيف يمكن لهذه البلدة أن تصبح عاصمة لدولة فلسطينية، ويصعب فهم كيف أن هذا المقترح يعتبر جذابا بالنسبة لكثيرين في التحالف الحكومي الذي يقوده نتنياهو.

وفي الوقت الحالي، تخضع أغلب أراضي بلدة أبو ديس للسيطرة الإسرائيلية، كما أنها مطوقة بالجدار والمستوطنات الإسرائيلية، من ضمنها مستوطنة معاليه أدوميم التي يقطنها 40 ألف يهودي.

وقد اعتبر وزراء كثيرون في الحكومة الإسرائيلية أن ضم مستوطنة معاليه أدوميم يجب أن يمثل أولوية، إلا أن نتنياهو قام بتأخير هذه الخطوة مرة أخرى، مشيرا إلى الحاجة إلى انتظار إعلان خطة السلام التي سيقدمها ترامب.

ويقول الدبلوماسي السابق يوسي بيلين، إن هناك اعتقادا خاطئا بأنه هو وعباس كانا قد اتفقا خلال فترة التسعينات على جعل أبو ديس عاصمة لفلسطين. حيث يقول: “لقد كانت فكرة ذات مصداقية في ذلك الوقت، ولكن الخريطة تبدو مختلفة تماما اليوم. يجب أن تكون العاصمة الفلسطينية هي القدس الشرقية، ولا شيء غير هذا سيكون نافعا.”

3- الوصول للمسجد الأقصى

هنالك أيضا أحاديث حول خطة لإنشاء ممر أرضي ضيق من أبو ديس إلى المسجد الأقصى، حتى يتمكن الفلسطينيون من الصلاة فيه.

إلا أن “إسرائيل” باتت تسمح لأعداد متزايدة من المستوطنين بالدخول إلى الأقصى، الذي يزعم أنه بني فوق معبدين يهوديين تم تدميرهما منذ وقت طويل.

وفي الأثناء، عمدت “إسرائيل” إلى التضييق على وصول الفلسطينيين إلى هذا المكان المقدس، ولطالما كانت هناك مخاوف كبيرة من أن دولة الاحتلال تسعى لتغيير الواقع على الأرض بشكل يسمح لها بفرض سيادتها على المسجد.

يذكر أن ديفد فريدمان، سفير ترامب لـ”إسرائيل” وأحد المتبرعين لبناء المستوطنات، عمق هذه المخاوف خلال الشهر الماضي، عندما ظهر وهو يتسلم صورة تلاعب بها مستوطنون متدينون، يظهر فيها المسجد الأقصى وقد تم تعويضه بمعبد يهودي جديد.

4- غور الأردن

بحسب اتفاقات أوسلو، فإن حوالي 62 بالمائة من الأراضي المحتلة في الضفة الغربية تم تصنيفها ضمن المنطقة “ج”، التي تخضع لسيطرة إسرائيلية مؤقتة. وهي تتضمن جزء كبير من أفضل الأراضي الزراعية الفلسطينية، ويفترض أنها ستمثل قلب أي دولة فلسطينية مستقبلا.

ولم تنفذ “إسرائيل” أبدا الانسحابات من المنطقة “ج”، التي كان يفترض أن تقوم بها في إطار اتفاقات أوسلو. وعوضا عن ذلك، سرعت دولة الاحتلال من وتيرة عمليات توسيع المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، وجعلت الحياة هناك صعبة جدا على الفلسطينيين، وذلك عبر إجبارهم على التراجع نحو حدود المناطق المصنفة “أ” و”ب” التي تعاني من الاكتظاظ السكاني.

 كثفت “إسرائيل “مؤخرا مضايقاتها للسكان الفلسطينيين الذين تتضاءل أعدادهم في غور الأردن، إضافة إلى سكان أجزاء أخرى من المنطقة “ج”

وهنالك حديث حول أن خطة ترامب سوف تقترح الاعتراف بحدود فلسطينية مشروطة في حوالي نصف الضفة الغربية، وهو ما يعني فعليا تقديم الجزء الأعظم من المنطقة “ج” لـ”إسرائيل”. وأغلب هذه الأراضي ستكون في غور الأردن، التي تمثل العمود الفقري للضفة الغربية الذي ظلت “إسرائيل” تحتله منذ عقود.

وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي، أثناء تحضير ترامب لخطته، أعلنت “إسرائيل” عن برنامج ضخم لتوسيع مستوطناتها في غور الأردن، يهدف لزيادة عدد المستوطنين هناك لأكثر من الضعف. وستكون هنالك ثلاث مستوطنات جديدة، هي الأولى التي يتم بناؤها في الغور منذ حوالي 30 عاما.

وفي نفس الوقت، كثفت “إسرائيل “مؤخرا مضايقاتها للسكان الفلسطينيين الذين تتضاءل أعدادهم في غور الأردن، إضافة إلى سكان أجزاء أخرى من المنطقة “ج”.

إذ أنه إلى جانب منع الفلسطينيين من التحرك في 85 بالمائة من غور الأردن، أعلنت “إسرائيل” أيضا عن جعل حوالي نصف المنطقة مواقع عسكرية. هذا وفر لها الغطاء لتبرير عمليات التهجير المستمرة التي تقوم بها ضد العائلات الفلسطينية بتعلة حماية الأمن.

كما عملت “إسرائيل” أيضا على تصميم إجراءات قانونية سريعة التنفيذ، توفر الإطار لهدم منازل الفلسطينيين في غور الأردن.

5- باقي المنطقة “ج”

عملت “إسرائيل” على تسريع جهودها لتوسيع مستوطناتها في أجزاء أخرى من المنطقة “ج”. وفي 30 أيار/مايو الماضي، كانت قد أعلنت عن بناء حوالي ألفي وحدة سكنية جديدة، أغلبها ستكون في مناطق معزولة كان مفترضا في السابق أنه سيتم تفكيكها ضمن أي اتفاق سلام جديد.

 واصلت “إسرائيل” تدمير القرى الفلسطينية الموجودة في المنطقة “ج”، خاصة منها تلك التي تقف في طريق الجهود الرامية لخلق تواصل مجالي بين المستوطنات الكبرى الموجودة في الضفة الغربية والقدس.

إضافة إلى ذلك، فقد كانت “إسرائيل” تحضر في صمت لتشريع ما تعرف بالبؤر الاستيطانية الموجودة في مواقع متقدمة، والتي يتم بناؤها غالبا على أراضي خاصة بالفلسطينيين، في انتهاك واضح لمبدأ عدم إقامة مستوطنات جديدة، الذي تم الاتفاق عليه مع الولايات المتحدة خلال التسعينات.

وفي نفس الوقت، واصلت “إسرائيل” تدمير القرى الفلسطينية الموجودة في المنطقة “ج”، خاصة منها تلك التي تقف في طريق الجهود الرامية لخلق تواصل مجالي بين المستوطنات الكبرى الموجودة في الضفة الغربية والقدس.

وفي آخر الشهر الماضي، كانت فرنسا قد أبدت اعتراضها على قرار المحكمة العليا الإسرائيلية، المصادق على خطة لتدمير بلدة الخان الأحمر التي يقطنها البدو، والموجودة قرب مستوطنة معاليه أدوميم. ومن المفترض أن يتم نقل العائلات القاطنة هناك إلى مصب للفضلات في قرية أبو ديس.

وقد حذرت فرنسا من أن هذه الممارسات الإسرائيلية تهدد منطقة ذات أهمية استراتيجية، لحل الدولتين، ولوحدة الأراضي الفلسطينية في أي دولة مستقبلية.

وفي هذا المكان الذي استحوذت عليه “إسرائيل”، تم الكشف عن مخططات لبناء مستوطنة جديدة تسمى نوفيع بيريشيت.

وفي إشارة أخرى على تزايد القلق الدولي من هذه السياسة الإسرائيلية، وجه حوالي 70 نائبا عن الحزب الديمقراطي في الكونغرس، نداء خلال الشهر الماضي لبنيامين نتنياهو، للتوقف عن تدمير قرية سوسيا، الواقعة بين مستوطنة جوش عتصيون والقدس. وقد عبر هؤلاء المشرعون الأمريكيون عن قلقهم من أن هذه الخطوة تهدف لتقويض أي فرص لحل الدولتين.

 تشير تقارير وسائل إعلام عربية إلى أن خطة السلام التي سيقدمها ترامب ربما تتضمن التزاما من مصر بإخلاء شمال سيناء لإقامة دولة فلسطينية في المستقبل

6- غزة وسيناء

بات من الصعب على إدارة ترامب والحكومة الإسرائيلية تجاهل الأزمة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة، والتي ساهمت “إسرائيل” في وقوعها من خلال فرض حصار استمر لمدة 11 عاما، وتخللته العديد من العمليات العسكرية، فيما حذرت منظمة الأمم المتحدة من أن قطاع غزة سيصبح قريبا “غير صالح للعيش”.

وبحثا عن حل، استقبل البيت الأبيض ممثلين عن 19 بلدا، في لقاء انعقد في آذار/مارس الماضي للتفكير في مستقبل الوضع في قطاع غزة، إلا أن السلطة الفلسطينية قاطعت هذا الاجتماع.

وفي الأثناء، تشير تقارير وسائل إعلام عربية إلى أن خطة السلام التي سيقدمها ترامب ربما تتضمن التزاما من مصر بإخلاء شمال سيناء لإقامة دولة فلسطينية في المستقبل. وبحسب مسؤول في حركة حماس، فإن القاهرة قدمت لهم تطمينات بأنها ترفض توطين الفلسطينيين في سيناء.

إلا أن تقريرا نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية، أعاد إحياء المخاوف من أن البيت الأبيض يسعى لإعادة تحقيق هذا الهدف بوسائل أخرى، من خلال إطلاق مبادرة تخص قطاع غزة تتزامن مع خطة السلام المنتظرة.

وقد أشار التقرير إلى أن فريق ترامب تسلم مقترحات من الجنرال الإسرائيلي يوعاف موردخاي، الذي شارك في اجتماع البيت الأبيض خلال آذار/مارس الماضي.

ويشير التقرير إلى أن المرحلة الأولى في هذا المخطط، سوف تتمثل في توظيف فلسطينيين من قطاع غزة، للعمل في مشاريع طويلة المدى في شمال سيناء قيمتها 1.5 مليار دولار، بتمويل من المجتمع الدولي. هذه المشاريع سوف تتضمن منطقة صناعية، محطة لتحلية مياه البحر ومحطة للطاقة الكهربائية.

وهنالك أحاديث حول بوادر ضعف في المعارضة المصرية لهذه المبادرة، وذلك بسبب تعرض النظام المصري لضغوط كبيرة من واشنطن وحلفائه العرب.

احتجاجات فلسطينية

يبذل الفلسطينيون قصارى جهدهم لوضع حد لخطة السلام بشكل مبكر. حيث أنهم قرروا حاليا مقاطعة إدارة ترامب، من أجل إظهار عدم رضاهم.

في اجتماع طارئ لمنظمة التعاون الإسلامي، تم تقديم مقترح بإرسال قوة دولية لحفظ السلام، على غرار ما تم القيام به في البوسنة وكوسوفو خلال سنوات التسعينات، حتى يتم نشرها على الأرض لحماية الفلسطينيين.

وكان وزير الخارجية رياض المالكي قد دعا الدول العربية خلال الشهر الماضي لسحب سفرائها من الولايات المتحدة، كتعبير عن الاحتجاج.

وفي اجتماع طارئ لمنظمة التعاون الإسلامي، تم تقديم مقترح بإرسال قوة دولية لحفظ السلام، على غرار ما تم القيام به في البوسنة وكوسوفو خلال سنوات التسعينات، حتى يتم نشرها على الأرض لحماية الفلسطينيين.

وفي علامة أخرى على الغضب على مبادرة ترامب، تحدى الفلسطينيون الولايات المتحدة، عبر التقدم خلال الشهر الماضي بطلب أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، للتحقيق في جرائم حرب قامت بها “إسرائيل”.

ولكن عتصيون، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الإسرائيلية، حذر من أن هنالك نقطة تحول كبيرة تلوح في الأفق. حيث قال: “هنالك انهيار فلسطيني قادم، وهو يمكن أن يغير الأوضاع بشكل غير منتظر، والسؤال هنا ما هو الانهيار الذي سيحدث أولا؟ تفجر الكارثة الإنسانية في قطاع غزة المحاصر، أو الفراغ السياسي الذي سيخلفه رحيل عباس.”

ضغوط عربية

ورغم كل هذا، فإن الفلسطينيين يتعرضون لضغوط كبيرة للقبول بخطة السلام.

إذ أن إدارة الرئيس ترامب كانت قد علقت دعمها المالي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين(الأونروا)، التي تقدم المساعدة لأكثر من 2 مليون لاجئ في الأراضي المحتلة. كما تستعد الإدارة الأمريكية أيضا لسحب أكثر من 200 مليون دولار من الأموال الموجهة للسلطة الفلسطينية هذا الصيف.

تدرك الدول العربية أنها تحتاج أولا لنزع فتيل القضية الفلسطينية، قبل أن تصبح قادرة على التنسيق مع “إسرائيل” والولايات المتحدة في التعامل مع إيران

وسعى ترامب أيضا لتجنيد الدول العربية من أجل تغيير موقف عباس. إذ أن تقارير عديدة أشارت إلى أن رئيس السلطة الفلسطينية خلال زيارته للمملكة العربية السعودية في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، عرضت عليه وثيقة مؤلفة من 35 صفحة، مصدرها الأصلي هو واشنطن، وطلب منه إما قبولها أو الاستقالة. وفي السنوات الأخيرة، كثف السعوديون من دعمهم للسلطة الفلسطينية، وهو ما عزز موقف الرئيس الفلسطيني.

وفي مقابل هذا الدعم العربي لخطة ترامب، يبدو أن واشنطن ستقدم لهم في المقابل المزيد من الإجراءات العدائية تجاه إيران، من أجل تحجيم نفوذها في المنطقة.

وتدرك الدول العربية أنها تحتاج أولا لنزع فتيل القضية الفلسطينية، قبل أن تصبح قادرة على التنسيق مع “إسرائيل” والولايات المتحدة في التعامل مع إيران.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى