أقلام وأراء

شجاع الصفدي: المسرح الدولي بين النص والارتجال

شجاع الصفدي 20-4-2024: المسرح الدولي بين النص والارتجال

يتنازع الجمهور العربي في رؤيته لما حدث من تطورات في إدارة الصراع بين إسر.ائيل وإيرا.ن ، وما بين محب وكاره تختلف الأحكام ويصل بعضها حد التطرف بعيدا عن المنطق والعقل.
قال الكثيرون أن الرد الإيراني هو مسرحية متفق عليها تفصيليا، وبالغوا في تفصيل ذلك ،ورغم عدم دقة هذا الافتراض لكني أجد عذرا لمفترضيه ، لأن إيران تلقت قبل ذلك عددا من الصفعات ولم ترد عسكريا بشكل مباشر .
ولكي نفهم ما يجري،يجب أن نتفق على أن العالم برمّته عبارة عن مسرح، ولكلٍ دوره بقدر مكانته، هناك مخرج ،منتج سيناريست، أبطال بدرجات متفاوتة، نقاد ،الكثير من الكومبارس، والجمهور .
في الصراع ما بين إسرا.ئيل وإيران كانت اليد الطولى تنفيذيا لإسرا.ئيل، بينما اكتفت إير.ان منذ عقود بالبروباغاندا والخطابات الحما.سية عن قدراتها على محو العدو عن الخارطة،وتصريحات واسعة غير قابلة للتحقيق، ثم بعد سقوط نظام البعث في العراق تحولت إير.ان لتفعيل أدوات موالية لاستخدامها في صراعها المتواصل، وهي بذلك تمارس بعض الضغوط دون أن تحشر نفسها في الزاوية ، ورغم قيام إسرا.ئيل باستهدافات متكررة لمصالح ومواقع وأهداف إيرانية ظلت وتيرة الرد تقليدية ولا ترقى لمستوى المواجهة المباشرة ،رغم الانتقادات اللاذعة والتي وصلت حد الاستخفاف من التصريحات بعد كل ضربة.
بعد اندلاع الحر.ب على غزة، كانت الفصائل الفلسطينية المدعومة إيرانيا تنتظر دعما مغايرا، وربما ارتكنت لإمكانية تصاعد الدعم العسكري بما يجعل وحدة الساحات المزعومة واقعا يفرض نفسه ويجعل غزة عامل تأثير إقليمي،لكن جرت الأمور بغير ما توقعته تلك الفصائل والتي لم تفهم موقعها الحقيقي في الرقعة أو حلبة المسرح إن صح التعبير.
إذن لماذا ردت إيران بشكل مباشر من أراضيها هذه المرة؟، هل لغزة علاقة بذلك؟،هل هي مسرحية متفق عليها كما يزعم البعض؟.
لنجيب عن ذلك يجب أن ندرك أولا الفرق بين استهداف لمصالح إيرانية خارج إيران ، واستهداف علني لأرض إيرانية، وأقول علني لأن هناك استهدافات حدثت داخل إيران بشكل سري بطرق مختلفة لم يعلن عنها ولم يكن هناك مجال للرد عليها سوى من خلال الأدوات الموالية .
في القانون الدولي،فإن أرض سفارة أي دولة في دولة أخرى تعتبر أرضا تابعة للدولة صاحبة السفارة ، وإسرا.ئيل تدرك ذلك جيدا،وتمادت عامدا لتضرب مبنى تابعا لسفارة إيران في سوريا ، وهي تعلم أنها تضع إيران في مأزق كبير، عدم الرد يفقدها احترام ادواتها ويقزم شأنها دوليا وخاصة أمام دول الخليج التي تشعر على الدوام بخطر قادم من طهران، والرد الواسع قد يشعل حربا تدرك إيران أنها ستواجه فيها تحالفا ضخما من عدة دول جاهزة للانقضاض عليها عند أول فرصة، لذلك آثرت التصرف بحكمة، واختارت ردا استعراضيا أكثر منه عسكريا، وبعيدا عن الرؤى الاندفاعية فإن إيران فعلت ما يخدم مصالحها ويرد اعتبارها بطريقة مدروسة، ولا يجلب حربا واسعة تفقدها مزاياها القائمة.
إذن كون العالم برمّته عبارة عن مسرح ،يمكن القول بأن إيران ارتجلت في الأداء، والمتعارف عليه أن أصحاب الأدوار الرئيسية هم من يملكون حق الارتجال، لذلك وجدت دول العالم نفسها مضطرة لاستيعاب تغير الضوابط، وأن بإمكان عناصر أخرى أن ترتجل وتقدم أداءً خارج النص.
كيف قدمت إيران عرضها للعالم؟
أفسحت مجالا واسعا للتوقعات،هيأت دول العالم أنها سوف ترد بشكل مباشر وليس من خلال وكلاء، وفي غمار ذلك تجهزت الدول الداعمة والحليفة لإسرا.ئيل للقيام بحملة دفاع جوي استعراضي أيضا، وتدرك إيران أن أضرارا فادحة لن تقع، ولم يكن ضمن خططها أن تسبب خسائر لا يمكن استيعابها أو تدفع لتضخم كرة اللهب ، لكن ارتجالها المدروس أوصل ما تريد سواء لأمريكا وإسرا.ئيل أو لدول أخرى ، وكأنها تثبّت دورها كلاعب إقليمي ذات أهمية ولا يمكن تجاوزه .
وإذا تطرقنا لحيثيات الرد الإسر.ائيلي ، فاعتقادي أن الرد سيكون في لبنان وسوريا لأهداف أو مواكب إيرانية، بما يسمح لإيران بالتغاضي عنه مكتفية بالأداء المرتجل الذي حقق لها نقاطا كافية في هذه المرحلة.
وحتى إن كانت مصلحة نتنيا.هو تصعيد الموقف،فلا أظن ذلك سيكون متاحا لا دوليا ولا أمريكيا ولا داخليا على صعيد الخلافات السياسية المستفحلة .
أما غزة في هذه المرحلة وفي خضم كل ما يجرى،لم تتجاوز كونها كومبارس يتلقى الصفعات بينما يصفق الجمهور لقدرة تحمله الهائلة تارة، ويحزن لما يتعرض له من أذى تارة أخرى، لكن الكاميرات فعليا تحولت لاتجاه آخر ،نحو الأدوار المركزية والارتجالات المقلقة والتي لا يشغل أصحابها ما يجري للكومبارس على المسرح أو حتى في الكواليس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى