أقلام وأراء

سميح صعب: عندما يتشظى العالم إلى كتل متنافسة

سميح صعب 20-12-2022م: عندما يتشظى العالم إلى كتل متنافسة

في وقت كانت تنعقد في بروكسيل قمة بين الاتحاد الأوروبي ودول رابطة “آسيان” التي تضم عشر دول آسيوية، كانت تنعقد في واشنطن قمة أميركية – أفريقية. وقبل ذلك بأيام انعقدت في الرياض قمم صينية – سعودية وصينية – خليجية وصينية – عربية.

هذا مثال واضح على اتجاه العالم إلى كتل تتنافس في ما بينها على زعامة القرن الحادي والعشرين، انطلاقاً من امتلاك القوة الاقتصادية التي هي مفتاح النفوذ السياسي.

وأوروبا التي تشهد أخطر نزاع على أراضيها منذ الحرب العالمية الثانية، تريد أن تحجز أيضاً مكانها في هذا التنافس، وكي لا يصيبها الوهن نتيجة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وعقب تفشي وباء كورونا، ثم الحرب الروسية – الأوكرانية.

ولهذا، أوروبا تمر بمرحلة انتقالية اقتصادياً تستغني فيها عن موارد الطاقة الروسية، وتذهب في اتجاه دول الخليج والجزائر ونيجيريا وحتى موزمبيق في محاولة لتنشيط دورتها الاقتصادية والتعامل مع أعتى موجة تضخم تضرب دول الاتحاد منذ عقود.

ورغم أن دول “آسيان” العشر، هي الشريك التجاري الأول للصين، فإن ذلك لا يمنع بروكسيل من أن تؤسس لعلاقات مع منطقة يمر عبرها ثلث التجارة العالمية، ومن الممكن أن تشهد تعويضاً عن الكثير من النواحي الاقتصادية، التي افتقدت إليها القارة في السنوات الثلاث الأخيرة.

وبريطانيا التي تجاوزت نسبة التضخم فيها 11 في المئة، يقول وزير خارجيتها جيمس كليفرلي، إنه يتعين على المملكة المتحدة أن تنظر إلى ما هو أبعد من حلفائها “التقليديّين” من أجل تطوير شراكات مع دول ناشئة في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينيّة. بريطانيا تعاني من آثار “بريكست”، ومن آثار كورونا ومن نتائج عدم الاستقرار السياسي الذي شهد تغيير أكثر من ثلاثة رؤساء للحكومة في عامين.

القوى الكبرى تبحث عن شركاء جدد من أجل الوقوف على قدميها في ظل تنافس دولي يتسم بالشراسة من أقصاه إلى أقصاه. والشراكات الاقتصادية باتت ضرورة حتمية للحفاظ على المكانة العالمية في زمن التحولات الاستراتيجية التي فرضتها الحرب الروسية – الأوكرانية، وزعزعة النظام العالمي الذي نشأ عقب انهيار الاتحاد السوفياتي وتسيده من الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً. ومهما كانت النتائج التي ستتمخض عنها الحرب، فإن نظاماً دولياً جديداً يتبلور الآن.

إن ما ينشأ على هامش التنافس الدولي الجديد، عوالم وتكتلات وانزياحات في الخيارات السياسية. وهي المخاض الإجباري للنظام الدولي الجديد، الذي عنوانه الأساسي ثنائية بين أميركا والصين. وهذا ما يفسر التأكيد في كل الاستراتيجيات الأميركية للأمن القومي، على أن الصين بما تملكه من مقدرات اقتصادية، هي التحدي الأساسي الذي يتعين احتواؤه قبل أن يهدد الأحادية الأميركية.

وأوروبا التي أنهكتها الحرب الروسية – الأوكرانية، تسعى بكل قوة إلى حجز موقع لها في النظام الدولي الجديد، وتعمل بكل قوة على تجاوز الأخطار الاقتصادية التي تعتبرها هي التحدي الأكبر لها، في مرحلة ما بعد القطيعة التجارية مع روسيا.

وعليه، يمكن ملاحظة التحرك الأوروبي في أكثر من اتجاه، نحو الخليج ونحو آسيا وأفريقيا بحثاً عن موقع. إن أوروبا التي كانت قبل الحرب تبحث عن “استقلالية” دفاعية عن الولايات المتحدة، أرغمتها الحرب على العودة إلى الحضن الأميركي، لمواجهة روسيا.

يقودنا هذا إلى استنتاج أن العالم عموماً وليس أوروبا وحدها من يعيش مخاضاً انتقالياً في الاقتصاد والسياسة، ويندفع بقوة نحو درء المزيد من الأخطار والتكيف مع الوقائع الجديدة.

وينسجم التوجه الأوروبي الذي تقوده فرنسا وألمانيا نحو آسيا مع سياسية تشدّد عليها باريس وقوامها أن “الأوروبيين يحتاجون إلى “إعادة الربط” مع آسيان، إحدى المناطق الأكثر حيوية في العالم”، والتي تتمتع بإمكانات عالية للنمو الاقتصادي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى