أقلام وأراء

سميح صعب: المسألة الفلسطينية هل يوجد حل صيني؟

سميح صعب 16-6-2023: المسألة الفلسطينية هل يوجد حل صيني؟

من حق الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن يذهب إلى الصين، ساعياً إلى دور لبكين في المسألة الفلسطينية، في ظلّ عجز أو عدم رغبة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في اتخاذ المبادرة والدعوة إلى معاودة المفاوضات المتوقفة منذ عام 2014.

الأسباب التي تجعل بايدن يعزف عن طَرق الملف الفلسطيني كثيرة. لا يريد الرئيس الأميركي خوض مواجهة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، سيخرج منها خاسراً، لأنّ الكونغرس يقف إلى جانب الأخير، على غرار ما حصل مع الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، وكان بايدن وقتذاك نائباً للرئيس، ويدرك تماماً قوة نتنياهو في الكونغرس.

يسعى بايدن جاهداً إلى تجنّب أي توتر مع نتنياهو، خصوصاً أنّ الإدارة الأميركية متّهمة من قِبل أكثر الحكومات تطرّفاً في إسرائيل، بالتساهل حيال الملف النووي الإيراني، وعدم ممارسة ما يكفي من الضغوط على طهران.

وفي المحصّلة، لم يتغيّر الكثير في السياسة الأميركية حيال المسألة الفلسطينية في ظلّ ولاية بايدن. وأتت الحرب الأوكرانية لتزيد من الإنشغال الأميركي في المواجهة مع روسيا، ومنعها من تحقيق انتصار في أوكرانيا، من شأنه لو حدث، أن يغيّر الكثير من موازين القوى العالمية. ومن بعد روسيا، تكرّس إدارة بايدن جهودها لاحتواء الصعود الصيني، الذي يشكّل بدوره تحدّياً متزايداً للآحادية القطبية الأميركية.

هذه العوامل مجتمعة تجعل واشنطن تبتعد أكثر فأكثر عن ساحات الشرق الأوسط، وجلّ اهتمامها ينصبّ فقط على عدم التورّط في حرب جديدة بالمنطقة.
ّ
وأتاح الانسحاب الأميركي الجزئي، للصين أن تضطلع بدور كبير في قضايا المنطقة. ومنها التوسط بين السعودية وإيران في اتفاق التطبيع الذي أُعلن في 10 آذار (مارس) الماضي. وشكّل هذا الحدث تحوّلاً جيوسياسياً مهمّاً في الشرق الأوسط. والصين اليوم هي الشريك التجاري الأول لدول الخليج العربية ولإيران وتركيا ومصر، وتالياً ترى أنّ من حقّها أن تلعب دوراً سياسياً يوازي وزنها الاقتصادي.

وبديهي أن يثير الدور الصيني المتعاظم في الشرق الأوسط، قلقاً أميركياً. وحاول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال زيارته إلى السعودية الأسبوع الماضي، أن يتخذ موقفاً محايداً من مسألة اتجاه الشرق الأوسط شرقاً، فقال إنّ واشنطن لا تضع الدول أمام خيار التعامل معها أو التعامل مع الصين.

وتشير الوقائع يوماً بعد يوم، إلى أنّ الصين تعزّز مكانتها الدولية، وتبدي استعداداً نشطاً للمساهمة في تسوية صراعات ونزاعات إقليمية. وقبل التوسط بين السعودية وإيران، طرح الرئيس الصيني شي جينبينغ مبادرة سلام لحلّ النزاع الأوكراني. لكن كييف تردّدت في قبولها، بينما شكّكت أميركا وحلفاؤها بالمقاصد الصينية من خلف طرح هذه المبادرة.

وأخيراً، اقترحت وزارة الخارجية الصينية على الفلسطينيين وإسرائيل إستضافة مفاوضات بين الجانبين. وبينما لم تبدِ حكومة نتنياهو أي حماس للإقتراح، لبّى عباس دعوة بكين وذهب للتباحث مع المسؤولين الصينيين في ما يمكن عمله لتحريك الملف الفلسطيني.

إنّ حكومة ننتنياهو ترفض بالمطلق فكرة التفاوض لا اليوم ولا غداً. وحتى أنّ حكومتي يائير لابيد ونفتالي بينيت رفضتا فكرة التفاوض، وعملتا، شأنهما شأن حكومات نتنياهو الحالية والسابقة، على تعزيز الإستيطان وفرض أمر واقع يحول دون قيام دولة فلسطينية.

وعلى رغم أنّ الآمال المعقودة على احتمال تحقيق الصين اختراقاً في الموضوع الفلسطيني تكاد تكون معدومة، فإنّ مجرد إبداء الصين اهتماماً بالموضوع، يشير إلى أنّها عازمة على الإنخراط على نحو أكبر في شؤون الشرق الأوسط وقضاياه، بعدما كان ذلك حكراً على أميركا في العقود الثلاثة الأخيرة. وهذا في حدّ ذاته يؤشر إلى أهمية التحولات الجارية.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى