أقلام وأراء

سميح صعب: استقلالية ماكرون تشقّ الغرب؟

سميح صعب 14-4-2023: استقلالية ماكرون تشقّ الغرب؟

أثار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جدلاً واسعاً بعد الكلام الذي قاله خلال زيارته بكين الأسبوع الماضي. وهو كان دعا الاتحاد الأوروبي إلى “ألا يكون تابعاً” للولايات المتحدة أو الصين حيال المسألة التايوانية.

وبات ماكرون متهماً من مسؤولين أميركيين وأوروبيين بشق الوحدة الغربية حيال الصين، وكانت مناسبة لهؤلاء لإعادة التذكير بمحطات للرئيس الفرنسي حض فيها على انتهاج “استقلالية” أوروبية عن الولايات المتحدة وسياساتها. وطبعاً، هذا مطلب ذهب أدراج الرياح بعد تقاعد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي كانت أقرب إلى تفكير ماكرون.

“الاستقلالية” يختزلها ماكرون بـ”قدرة أوروبا على إسماع صوتها الخاص”. لكن في زمن الحرب الروسية-الأوكرانية، لا مكان لمثل هذه الدعوات، لا سيما بعدما أخفقت المساعي الأوروبية في منع اندلاع الحرب.

والجدير بالذكر أن ما يدعو إليه ماكرون ليس جديداً على التفكير الفرنسي بانتهاج سياسة متمايزة عن الولايات المتحدة. هذا نهج كرسه شارل ديغول عندما كان يبحث عن نقاط التقاء مع الاتحاد السوفياتي والصين، حتى في ذروة الحرب الباردة. ودفعت الحساسية حيال الولايات المتحدة ديغول إلى الانسحاب من الدائرة العسكرية لحلف شمال الأطلسي. ووقف الزعيم الفرنسي الراحل بقوة في وجه ضم بريطانيا إلى السوق الأوروبية المشتركة التي صارت اليوم الاتحاد الأوروبي. وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أثبت بما لا يدع مجالاً للشك، صحة رأي ديغول.

وبعد انتهاء الحرب الباردة وقيادة الولايات المتحدة للنظام العالمي الجديد إثر سقوط جدار برلين، كانت باريس متحفظة على توسع حلف شمال الأطلسي ليضم دول أوروبا الشرقية التي كانت تدور في الفلك السوفياتي. وبرزت هذه المعارضة عند إصرار الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش على توجيه الدعوة لجورجيا وأوكرانيا إلى الانضمام إلى الحلف في القمة الأطلسية التي انعقدت في بوخارست عام 2008. ويتم التثبت اليوم من أن هذه الدعوة كانت الأساس الذي زعزع النظام الأمني الأوروبي بكامله، وكانت سبباً في اندلاع أخطر نزاع منذ الحرب العالمية الثانية.

الانتقادات التي تنهال على ماكرون اليوم تتصدرها الدول التي انضمت إلى الحلف الغربي منذ 1998. إن دولاً على غرار بولندا وجمهوريات البلطيق لديها انجذاب نحو أميركا أكثر بكثير مما لديها نحو باريس أو برلين أو روما. وكشفت الحرب عن هذه النوازع لدى دول “أوروبا الجديدة” كما كان يطلق عليها وزير الدفاع الأميركي الراحل دونالد رامسفيلد، بعدما ارتضت هذه الدول القتال إلى جانب الولايات المتحدة في العراق عام 2003، بينما كانت فرنسا وألمانيا تعارضان بقوة الغزو الأميركي عامذاك.

وعندما تقود الولايات المتحدة اليوم جهود الحرب ضد روسيا، وتقدم لأوكرانيا أضعافاً مضاعفة مما تقدمه أوروبا من السلاح والمال، تكاد أي فكرة عن “الاستقلالية” الأوروبية تتلاشى، لمصلحة فكرة مضادة عمادها أن أميركا هي التي تحمي أوروبا في مواجهة روسيا، كما حمتها من ألمانيا في الحربين العالميتين الأولى والثانية.

وما زاد نار الانتقادات اشتعالاً، هو أن ماكرون أطلق دعوته من بكين التي تعتبرها أميركا المنافس الأخطر على الزعامة العالمية. وما لم تقله إدارة الرئيس جو بايدن، قاله الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، باتهامه ماكرون بـ”التذلل” للصين. ومعلوم أن الصين هي أبرز عنوان من عناوين حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2024. ووضعت صحيفة “الواشنطن بوست” زيارة ماكرون للصين في سياق تساؤل طرحته عما إذا كان ثمة نظام عالمي جديد بقيادة بكين في طريقه إلى التبلور، من دون أن تنسى الدور الذي اضطلعت به بكين في التقريب بين السعودية وإيران.

الإشارات التي بعث بها ماكرون من بكين ستشكل مصدر قلق للولايات المتحدة، في زمن تضغط فيه من أجل إظهار الغرب كتلة واحدة في مواجهة روسيا والصين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى