أقلام وأراء

سميح صعب: أوروبا ومخاطر بلقنة القوقاز

سميح صعب 6-10-2023: أوروبا ومخاطر بلقنة القوقاز

إلى أي مدى يمكن للدعم الأوروبي المستدرك لأرمينيا أن يشكل عنصراً مساعداً لها في المواجهة مع أذربيجان؟ هذا السؤال فرضه رفض الرئيس الأذري إلهام علييف الدخول في مفاوضات مع رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان برعاية أوروبية، احتجاجاً على ما اعتبره تحيزاً أوروبياً إلى يريفان في النزاع القوقازي.

الأبرز في المواقف الأوروبية كان ما ورد على لسان وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا التي أعلنت من يريفان بعد أيام من سقوط إقليم كراباخ في أيدي أذربيجان، أن باريس وافقت على تسليم أرمينيا أسلحة للدفاع عن نفسها. وكذلك صدرت مواقف أوروبية منددة بالهجوم الأذري على كراباخ.

ينطلق علييف من أن من يريد أن يكون وسيطاً في النزاع، لا يتعين له أن يكون منحازاً إلى أي طرف. وحتى لو كانت هذه ذريعة يسوقها علييف للتهرب من الدخول في استحقاق التفاوض، قبل إنجاز المزيد من المكاسب على الأرض، فإن أوروبا التي تميل إلى احتضان متأخر لأرمينيا، إنما هي تفعل ذلك بهدف واحد وحيد ألا وهو توسيع شقة الخلاف بين يريفان وموسكو، وعدم إفساح المجال أمام أي ترميم في العلاقات الروسية – الأرمينية، التي تضررت بشدة في الأشهر الأخيرة.

لا تريد أوروبا المنخرطة مع الولايات المتحدة في حملة محاصرة روسيا دولياً، تفويت فرصة الدخول إلى جنوب القوقاز من باب الصراع الأرميني – الأذري، ولو أدى ذلك إلى إطالة أمد الصراع بدلاً من حله.

الاتحاد الأوروبي يدخل الآن منطقة نفوذ روسية تقليدية، وهي عملية محفوفة بالمخاطر وزاخرة بالانعكاسات على القوقاز أولاً وعلى أوروبا ثانياً.

فرنسا تريد الثأر من التمدد الروسي في دول الساحل في أفريقيا، مالي وبوركينا فاسو والنيجر، فإذا بها تسارع إلى البناء على الهجوم الأذري على كراباخ، وتتسلل إلى أرمينيا تحت جنح التأزم بين موسكو ويريفان.

لعبة أمم في أفريقيا ولعبة أمم في القوقاز، محركها الحرب الروسية – الأوكرانية التي لا تلوح بارقة أمل في وضع حد لها في وقت قريب.

ورأس الجسر الذي تعمل فرنسا على إرسائه في أرمينيا، ربما لا يخدم الاستقرار والسلام في المنطقة. كما أن الموقف الأوروبي عموماً قد يواجه اختباراً قاسياً عند تكشف المرحلة الثانية من النزاع.

وها هو علييف لا يخفي عزمه على الحصول على ممر زنغزور بين الأراضي الأذرية وجيب ناخيتشفان التابع لسيادة باكو والواقع بين أرمينيا وتركيا وإيران. هذا الممر يمر في جنوب أرمينيا وعلى طول حدودها مع إيران. ونشوب نزاع مسلح على الممر سيفضي حكماً إلى تورط دول أخرى في القوقاز.

فهل أوروبا قادرة على إيجاد تسوية لمسألة الممر من دون إثارة حرب جديدة؟ وعلى اعتبار أن المسألة الأرمينية مسألة تخص أوروبا، فهل بروكسل تستطيع منح يريفان وباكو ما يكفي من الضمانات للتوصل إلى حل تفاوضي.

القوقاز مسألة أكثر تعقيداً من كوسوفو، حيث تدخل حلف شمال الأطلسي في أواخر التسعينات لفرض حل على صربيا. هل يستطيع الحلف الذي يتنطح لدور أكبر في العالم بعد دوره في دعم أوكرانيا، أن يرسل قوات إلى القوقاز لحماية أرمينيا من هجوم أذري آخر، من دون المخاطرة ببلقنة القوقاز؟

وإذا كان الاتحاد الأوروبي يراهن على عجز روسي بسبب الانشغال في الحرب الأوكرانية، فإن إرسال قوات أطلسية أو أوروبية إلى القوقاز لحماية أرمينيا أو حتى لضمان أي تسوية، ستعتبره روسيا استفزازاً مباشراً، ولن تنظر إيران بعين الرضا إلى تمدد الأطلسي على حدودها من جهة أرمينيا، وهي التي تمر علاقاتها مع أذربيجان بمرحلة من التوتر.

الدخول الأوروبي إلى القوقاز دونه محاذير كثيرة ومقامرة قد تزيد لهيب المنطقة تسعيراً.

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى