أقلام وأراء

سليمان أبو ارشيد: النسخة الإسرائيلية للمحافظين الجدد والهيمنة البديلة

سليمان أبو ارشيد 17-6-2023: النسخة الإسرائيلية للمحافظين الجدد والهيمنة البديلة

كُتب الكثير عن تأثير خطة “فك الارتباط” عن قطاع غزة التي شملت إخلاء مستوطنات “غوش كطيف”، على “الصهيونية الدينية”، وفي هذا السياق يقول حاييم كاتسمان، الذي كتب أطروحة دكتوراه عن الموضوع، إن الاستنتاج الأول الذي أدركته “الصهيونية الدينية” من إخلاء مستوطنات قطاع غزة هو أن الإمساك بزمام السلطة ليس كافيا، حيث خرجت خطة “فك الارتباط” إلى حيز التنفيذ تحت حكم اليمين، بعد أن حظيت بدعم كل المؤسسة الإسرائيلية، من المحاكم وقوات إنفاذ القانون ووسائل الإعلام وغيرها.

قادة “حركة الاستيطان الديني” أدركوا أنه لا يمكن منع إخلاءات مستقبلية دون إيجاد موطئ قدم ونفوذ في كل هذه الدوائر، هذا إضافة إلى أن الاحتجاج ضد خطة “فك الارتباط” ارتسم بأعين الجمهور الإسرائيلي كصراع يخص “الصهيونية الدينية” فقط، ولم يشارك اليهود العلمانيون والمتدينون الذين عارضوا الإخلاء، بشكل فعّال، في الاحتجاج، لأن من قاده كانوا قادة المستوطنين وصبغ بصبغة دينية مسيحانية قوية.

والخلاصة أن “الصهيونية الدينية” أدركت أن المطلوب مستقبلا خلق “هيمنة بديلة” تقوم على تحالفات مع الأوساط الأخرى في المجتمع اليهودي الإسرائيلي، مثل الحريديين والعلمانيين؛ ولتحقيق هذا الهدف يجب خلق لغة جديدة “مُعلمَنَة”، يتم بواسطتها تسويق أيديولوجية “الصهيونية الدينية” لسائر أطراف المجتمع الإسرائيلي، بديلا عن الادعاءات التي تتحدث عن “قدسية البلاد” و”الوعد الإلهي”.

وفي هذا السياق، جاءت حركة المحافظين في إسرائيل بمثابة تعبير عن محاولات “الصهيونية الدينية” الواعية لخلق هيمنة بديلة في دولة إسرائيل، والتي تتصدرها منظمتان أساسيتان هما “كيرن تكفا” و”فوروم كهيلت”، اللتان تسعيان إلى جلب “المحافظة الجديدة” الأميركية إلى إسرائيل، إن كان بصيغتها الأيديولوجية أو بطبيعة عملها السياسي.

وتعمل هاتان المنظمتان على تمرير ذلك بطرق مختلفة، مثل برامج التعليم، وإصدار كتب ودوريات وأبحاث، وتنظيم مؤتمرات وأيام دراسية، ونشر مقالات وتقارير في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وصولا إلى إقامة وتمويل منظمات صغيرة أخرى على غرار “المنتدى الإسرائيلي للقانون والحرية” و”الحركة الإسرائيلية لحرية التشغيل” وغيرها.

ويمكن ملاحظة أن جميع من يقفون في رأس هذه المنظمات يتبعون للصهيونية الدينية ويسكنون في المستوطنات، كما يشير كاتسمان، على غرار مدير عام “تكفا ليسرائيل”، عميعاد كوهين، الذي يسكن في مستوطنة “عاليه”، وموشيه كوبل وغدعون سبير وأبيعاد باكشي، من مؤسسي “فوروم كهيلت” الذين يسكنون في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة.

المؤتمر الذي عقدته حركة المحافظين الإسرائيلية السنة الماضية، وصف بأنه ظاهرة ثقافية إلى جانب كونه حدث سياسي، ودلل على أن “المحافظة هي جماعة فاعلة تضم فكر وأدب وإعلام ونشاط، وبرز فيه نجوم مثل عميت سيغل وغادي طاوب ومئير بن شبات وسفير الولايات المتحدة السابق في إسرائيل، ديفيد فريدمان.

كما تبرز إعادة صياغة اليمين الإسرائيلي بنسق أميركي في تبني النيولبرالية الاقتصادية، كما يتبين ذلك في الكتب والأوراق التي يصدرها “فوروم كهيلت” وفي برامج التعليم المختلفة، إلا أن الحركة تقف على رجلين ثانيتين إضافيتين كما يبين كاتسمان، وهما معارضة “النشاط القضائي” والذي يظهر جليا من خلال احتلال “فوروم كهيلت” دورا مهما في ما يسمى “الإصلاح القضائي”، والالتزام بتعزيز الاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولكن بدلا من ادعاءات على غرار قدسية الأرض والوعودات الإلهية، فإن الحركة المحافظة تتحدث عن تفسيرات مختلفة للقانون الدولي و”رؤية أمنية إستراتيجية” وما يسمى بـ”ريال بوليتيك”، وعوضا عن الحديث عن قوانين الشريعة فهي تتحدث عن سلطة الشعب والتوازن بين السلطات والقانون المقارن.

وترى الصهيونية الدينية بصيغة حركة المحافظين، أن التركز في بؤر القوة وخلق تحالفات مع مجموعات اجتماعية، هما مركبان حاسمان في صراع الهيمنة الذي هو صراع طويل الأمد، تهيئ الحركة المحافظة الصهيونية الدينية نفسها بواسطته لحرب حفريات طويلة، وبهذا المعنى فإن ما تسمى بـ”الثورة القضائية” كانت سابقة لأوانها ولذلك أدت إلى رد فعل غير محسوب.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى