أقلام وأراء

زياد أبو زياد: فوضى السلاح والفتنة الداخلية تغطي على المحسوبية وشبهة التعيينات

المحامي زياد أبو زياد 24-07-2022 

تابعت كما تابع الكثيرون غيري ردود الفعل على حادث اطلاق النار على الأخ الدكتور ناصر الشاعر والتي لم تخرج جميعها عن خط الشجب والاستنكار والإدانة لهذا الاعتداء الذي هو اعتداء على الحق العام ويجب أن يُحاسب من قام أو قاموا به وفقا لأحكام قانون الجزاء فهو جريمة بحكم القانون ويجب أن يُنظر اليها كذلك.

والاعتداء على د. الشاعر لا يجوز أن تكون له صلة بأي خلاف سياسي معه لأن الخلافات السياسية يجب أن تحل بالحوار السياسي القائم على مبدأ التبادل السلمي للسلطة من خلال صناديق الاقتراع، رغم أن البعض استعذب التنكر لهذا المبدأ وإقصائه من حياتنا لأن اقصاءه يتيح تحويل البلد الى مزرعة أو مشروع خاص يعيثون به كما يحلو لهم.

وعلى أية حال فإنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار كل السيناريوهات المحتملة. فهذا الاعتداء يأتي في أعقاب ما حدث مؤخرا ً في جامعة النجاح والذي استطاع الموقف الشجاع والموضوعي لمجلس أمناء الجامعة أن يحسم الأمر ويفرض مبدأ احترام القانون على الجميع دون أية محاباة أو مجاملة سياسية لطرف على حساب آخر. ومع ذلك فإنه لا يجوز لأحد أن يفترض مسبقا ً أن للاعتداء علاقة بما حدث بالنجاح. كما أنه لا يجوز لأحد أن يفترض مسبقا ً بأن الاعتداء يندرج في اطار الخلاف السياسي بين حركتي فتح وحماس. وعلى الجميع ألا يستبعد إمكانية أن تكون هناك أيد مشبوهة تعبث في الظلام تسعى لاستغلال الملابسات القائمة من أجل إثارة الاقتتال بين فتح وحماس أو إثارة الفتة مجددا ً داخل حرم جامعة النجاح.
ومن أجل كل ما سبق فإن من الواجب النظر بالأهمية القصوى للشجب الذي جاء من جانب الرئيس عباس ومن جانب رئيس الحكومة د. محمد اشتية وإعطاء التعليمات للأجهزة الأمنية بضرورة الكشف عن الفاعلين وتقديمهم للعدالة. وهذه التعليمات تشكل تحديا ً للسلطة ولقدرتها على حفظ الأمن والسلامة العامة، والأمل هو ألا يطول الانتظار لحين الكشف عن هوية الفاعلين وتقديمهم للعدالة.

لقد أدى انشغال وسائل التواصل الاجتماعي بهذا الحادث الى صرف الانتباه عما كانت قد انشغلت به في الآونة التي سبقت ذلك وأقصد موضوع تعيين بنات وزيرين بالتبادل بين وزارتيهما والذي أدى الخوض فيه الى فتح ملفات أخرى من بينها ملف التعيينات في وزارة الخارجية وخاصة في السلك الدبلوماسي وعدد من الوزارات والدوائر الأخرى.

وفي هذا السياق فإنني أرجو أن أبدي الملاحظات التالية:

أولا ً، يجب ألا يعني كون شاب أو فتاة هو ابن لوزير أو مسؤول حرمانه من حقه في التعيين في أي وزارة أو جهة رسمية إذا كان مستحقا ً لهذا التعيين، تماما ً كما أن كونه ابن أو بنت وزير أو مسؤول يجب ألا يعني تعيينه حتى لم لو يكن مؤهلا لتلك الوظيفة.

فالاعتبار الذي يجب أن يحكم هو اعتبار الكفاءة والأحقية وتكافؤ الفرص. فإذا ما توفرت الشفافية وتكافؤ الفرص والالتزام بالإجراءات القانونية السليمة فإنه من الظلم حرمان ابن مسؤول من التعيين في أي وظيفة عامة اذا كان من حقه القانوني أن يتعين فيها.

ثانيا، لقد تحولت وسائل التواصل الاجتماعي الى وسائل للتشهير وبث الاشاعات واثارة الفتن وأدهى ما في الأمر أن معظم من ينشطون في هذه الوسائل يعملون بطريقة انسخ وألصق copy and paste ومعظمهم لا يكلف نفسه عناء قراءة ما يرده بل يقوم بتوزيعه دون قراءته. وإذ أصبح الجميع يقومون بمهمة الصحافي ، فإن هذا الأمر الخطير يتناقض مع أبسط المبادئ التي يتعلمها كل من يدرس الاعلام والصحافة وهو مبدأ أن عليك أن تفحص ما يردك من أنباء بشكل مزدوج double check إضافة الى أنه اذا وردك أي نبأ فلا تتعامل معه وكأنه حقيقة بل عليك أن تسأل نفسك أين الحقيقة.
ولا شك بأنه بالرغم من الكثير من الفوائد الإيجابية لوسائل التواصل إلا أنه لم يتم حتى الآن إيجاد الوسيلة أو الوعي الجماهيري الذي يساعد على ترشيد استخدامها. وهذه المشكلة لا تقتصر على مجتمع معين أو بلد معين وإنما هي مشكلة عالمية يتفاوت ضررها بين مجتمع وآخر حسب معطيات الاستخدام والوعي والقوانين المتوفرة.

ولكيلا أبتعد كثيرا عن الواقع الفلسطيني فإنه لا بد من القول بأن الوضع العام الفلسطيني السائد يخلق تربة خصبة للإشاعات وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. وأقصد بالوضع العام الفلسطيني انهيار هيكلية السلطة كمؤسسة على طريق إقامة الدولة بسبب انهيار واختفاء المجلس التشريعي وغياب آلية الرقابة والمساءلة البرلمانية، والمجزرة التي تعرضت وتتعرض لها منظومة التشريع والقضاء، وتفشي الفساد والفردية ومراكز القوى الشخصية وانتشار الفهلوية والعشوائية في التصرف بالشأن العام من قبل أشخاص عديمي الخبرة والتجربة.

لقد كان لنا حلم راودنا سنين طويلة من الاحتلال حين كنا نتابع الديمقراطية المتاحة للإسرائيليين داخل إسرائيل ونتمنى أن يُتاح لنا بناء دولتنا الديمقراطية التي تستطيع أن تُقدم نموذجا ً متقدما ً من الديمقراطية نباهي به سائر الدول العربية، ولكننا فوجئنا وللأسف والألم الشديد، بأننا وبعد أن خطوانا بعض الخطوات في ذلك الاتجاه دخلنا في نفق هدم الأسس التي تم ارساؤها في بداية تجربتنا الوليدة والانقضاض على تلك التجربة واجهاضها حتى أصبحنا نسخة عن بعض الأنظمة العربية الغارقة في الفساد واللاديمقراطية. إن متابعة ما يجري من حولنا ليغرس خنجرا في الصدر وغصة في الحلق مما آل الحال عليه.
ما أحوجنا اليوم الى الخروج من الوضع المأساوي الذي وصلنا اليه ليس بسبب الاحتلال فقط بل وأيضا ً بسبب تغييب الحكم الرشيد وانتهاك سيادة حكم القانون وحرمة القضاء، مما أدى الى فقدان السلم الاجتماعي وشيوع الفوضى. إن كل من هو في موقع اتخاذ القرار يتحمل المسؤولية عن الدمار والخراب الذي يحدث والتاريخ والشعب لن يرحمه. وإما أن يبادر الى العمل لوضع حدً لذلك أو يترك للشعب أن يقرر مصيره بنفسه.
رحمتك يا رب.

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى