أقلام وأراء

رياض قهوجي: آفاق الاتفاق السعودي الإيراني واستمراريته ضمن متغيّرات تؤسس لنظام عالمي جديد

رياض قهوجي 31-8-2023: آفاق الاتفاق السعودي الإيراني واستمراريته ضمن متغيّرات تؤسس لنظام عالمي جديد

أفادت مصادر إيرانية وخليجية مطّلعة، أنّ الاتفاق الذي وُقّع بين السعودية وإيران أخيراً برعاية الصين، يسير قدماً رغم العقبات والتحدّيات التي تظهر مع تسارع التطورات الاقليمية والدولية. فكلا الطرفين دخلا هذه العملية، يدركان سلفاً حجم الصعوبات التي سيواجهانها في تطبيق الاتفاق، بخاصة أنّ هناك عوامل عديدة خارج إرادة أو سيطرة الطرفين، هي من ضمن الأمور المذكورة في الاتفاقية بينهما. فعلى سبيل المثال، هناك لاعبون عدة وعوامل على الساحة اليمنية، تؤثر على الحرب هناك والجهود المبذولة لوقفها والتوصل إلى اتفاق على مستقبل اليمن، إن كان سيبقى موحّداً أو مقسّماً شمالاً وجنوباً. فإضافة إلى الحوثيين هناك القبائل والمجلس الانتقالي الجنوبي والمجموعات الإسلامية وغيرها من القوى التي تؤثر على الوضع ميدانياً. إيران تستطيع وقف مدّ الحوثيين بالأسلحة المتطورة، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنّ الحوثي – أو أي من القوى الأخرى – سيتراجع عن مطالبه لوقف الحرب. فالأمر ليس “كبسة زر”، والقيادات في الرياض وطهران تدرك ذلك.

ووفق هذه المصادر، فإنّ الطرفين يتبعان استراتيجية النَفَس الطويل في تطبيق ما اتفقا عليه. ويبدو أنّ المملكة العربية السعودية مصمّمة على الذهاب إلى النهاية في محاولة إنجاح التطبيع مع إيران. وبلا شك فإنّ السعودية ستقيّم بشكل دوري مدى تقدّم إيران في تنفيذ الاتفاق بينهما، وستقرّر على أساسه خطواتها في الملفات المشتركة بينهما. وحسبما بات معروفاً، فإنّ نقاط الخلاف بينهما تنطلق من اليمن مروراً بأمن مياه الخليج العربي وانتشار الميليشيات التابعة لإيران في العراق وسوريا ولبنان، ما يفاقم الأوضاع الاقتصادية والسياسية في هذه الدول.

وتشير المصادر الإيرانية إلى أنّ طهران ترفض المساومة ضمن مفهوم السلّة الكاملة، أي أنّها لن تتخلّى عن أوراقها دفعة واحدة. فالأوراق العديدة التي تحملها مثل اليمن والعراق وسوريا ولبنان وغيرها، هي مهمّة وقيّمة للقيادة الإيرانية، وبالتالي فهي لن تتخلّى عنها ولن تقايض بها. بل ستعمد إلى مناقشة كل منها على حدة والوصول إلى تفاهم يحمي مصالحها ويلاقي الحدّ الأدنى من مطالب السعودية أو الأطراف المعنية الأخرى. وستتعاطى طهران مع كل ملف على حدة من دون ربطه بملفات أخرى إن استطاعت، أي أنّها لن تأخذ في العراق لتعطي شيئاً مقابله في سوريا أو لبنان. فالتعامل بالملفات بـ”المفرّق” سيكون له مردود أكبر من التعامل بـ”الجملة”، بخاصة أنّها تملك العديد من المكتسبات في كل منها.

لذلك، يجب ألاّ يتوقع المسؤولون في لبنان أن يكون هناك تغيير في موقف حلفاء ايران عندهم، إذا ما حدث تقدّم ما في الوضع في اليمن أو العراق. كما أنّ هناك حدوداً لما يمكن أن تتخلّى عنه القيادة الإيرانية ضمن الأجواء الإقليمية الحالية. فطهران يمكن أن تساعد في حلّ المشاكل السياسية والاقتصادية في الدول التي تقع تحت نفوذها، ولكنها لن تتخلّى عن الميليشيات المسلّحة وتحديداً “حزب الله”، لما تشكّله من أهمية في منظومتها الدفاعية وقدرات الردع لديها ضدّ إسرائيل والولايات المتحدة. فمستقبل هذه المجموعات المسلّحة مرتبط بالاتفاق النووي مع الغرب وبشكل العلاقات أو الوضع مع إسرائيل.

وعليه، فإنّ “حزب الله” و “الحشد الشعبي” باتا قوى أمر واقع تقبله العديد من الدول. لقد بات واضحاً استعداد فرنسا والاتحاد الأوروبي للتعامل مع “حزب الله” في لبنان. حتى أنّ أميركا لم تمانع التواصل بشكل غير مباشر مع “حزب الله” للاتفاق على ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل. لكن هذا لا يعني أنّ السعودية غيرت موقفها من المجموعات المسلحة التابعة لإيران والتي وضعتها على قائمة الإرهاب. إذ يبدو أنّها توازن اليوم بين علاقتها مع إيران الدولة وبين رفضها للميليشيات المسلّحة التابعة للحرس الثوري. فهذه الميليشيات تتحوّل إلى عبء ثقيل على الدول المتواجدة فيها، وستكون مسؤولية شعوب وقيادات هذه الدول في التوصل إلى حل يؤدي إلى نزع سلاحها يوماً ما.

ولا يبدو أنّ الصين تمارس أي ضغوط – أقلّه بشكل علني – على السعودية أو إيران لتنفيذ الاتفاق الذي رعته. لكن يعتقد عدد من الخبراء أنّ إيران والتي تحصل على جزء كبير من العملة الصعبة من الصين، ستحاول جاهدة الاّ تخيّب أمل بكين، وبأن تُبقي الاتفاقية حيّة. وفي المقابل، لا يبدو أنّ السعودية ستمتنع عن تطوير علاقاتها الدولية وأخذ خيارات استراتيجية تراها مربحة للمملكة. وتشير التقارير في الصحف الأميركية والغربية، إلى أنّ القيادات السعودية كانت منفتحة في لقاءاتها مع المسؤولين الأميركيين على فكرة التوقيع على اتفاقية مع إسرائيل، في حال الموافقة على شروطها.

وبالرغم من أنّ العديد من المحلّلين لا يعتقدون أنّ هكذا اتفاق سيكون سهل التحقيق في المستقبل القريب لأسباب عدة، الاّ أنّ انفتاح الرياض على هذه الفكرة – وفق التقارير – يُظهر مدى الثقة الكبيرة التي تتمتع بها القيادة السعودية، واستعدادها لأخذ خطوات كبيرة وشجاعة بهدف تعزيز الاستقرار في المنطقة وزيادة فرص التطور الاقتصادي في المجالات كافة. ولن يكون أمام طهران أي خيار سوى قبول الأمر الواقع في حال وقّعت السعودية على اتفاق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. فهي تقبّلت توقيع الإمارات العربية المتحدة على الاتفاق الابراهيمي مع إسرائيل رغم تحفّظها على هذه الخطوة.

إنّه زمن الاتفاقيات على القطعة والتحالفات المحدودة والمرونة في العلاقات الديبلوماسية. ومن الواضح أنّ السعودية – كما إيران – تحاول الاستفادة من الفرص التي تسنح لها لتعزيز قدراتها الاقتصادية والعسكرية وتطوير علاقاتها السياسية من أجل تثبيت وجودها كمركز ثقل أساسي في العالمين العربي والإسلامي وفي منطقة الشرق الأوسط. وهي تستغل التنافس بين أميركا والصين لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة من الطرفين، من دون أي تداعيات سلبية عليها.

السعودية تُجري محادثات مع الصين حول تطوير برنامجها النووي، في وقت تنتظر ردّ واشنطن على طلبها بتوفير دعم لإنشاء برنامج نووي لاستخراج اليورانيوم وتخصيبه. فالخيارات عديدة والأولوية اليوم في المملكة هي للمصالح السعودية، وبالتالي يجب أن لا يتفاجأ أحد إن جاء يوم كان للسعودية علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل وإيران في آن واحد، وتضاعف حجم علاقاتها الاقتصادية مع الصين من دون التأثير على علاقاتها الأمنية والدفاعية مع أميركا. فهذه قد تكون من معالم نظام عالمي جديد نشهد ولادته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى