#أقلام وأراء

د. يوسف يونس يكتب – تقدير موقف – اتجاهات التصعيد في قطاع غزة

د. يوسف يونس – باحث مختص في الشؤون السياسية 24-8-2020م

  • يتواصل التصعيد على حدود قطاع غزة ، ما بين القصف الإسرائيلي لمواقع الفصائل الفلسطينية، بحجة الرد على اطلاق بالونات حارقة على مستوطنات غلاف غزة، بعد تلكؤ إسرائيل في تلبية مطالب الفصائل الفلسطينية المتمثلة في تنفيذ مشاريع البنى التحتية لتحسين حياة المواطنين، حيث اطلق خلال الأيام الأخيرة من قطاع غزة 15 صاروخ، إضافة إلى اندلاع أكثر من 300 حريق بعدة مناطق في المستوطنات المحاذيه لقطاع غزة.
  • ومع استمرار هذا التوتر على حدود قطاع غزة تتزايد احتمالات انزلاق الاوضاع الى موجة جديدة من التصعيد ، على الرغم من الجهود والوساطات العربية والدولية الساعية للعودة إلى تفاهمات التهدئة، الا ان الاوضاع الميدانية تبدو مرشحة للتصعيد في ضوء مواقف الاطراف الفاعلة التي جعلت الاوضاع تصل الى طريق مسدود، فإسرائيل غير مستعدة لتلبية مطالب غزة بالكامل ، وحماس في المقابل ليس لديها ما تخسره، ما يجعل احتمالات التصعيد مرجحة. 
  • سنحاول في تقدير الموقف التالي استعراض مواقف الاطراف المختلفة وصولا الى استقراء احتمالات المستقبل.

موقف اسرائيل:

  • تشير التقديرات ان اسرائيل تقف أمام معادلة جديدة وخيارات معقدة مع قطاع غزة، اما إعطاء فرصة للمفاوضات التي تتم عبر الوسطاء، لمنع اندلاع الحرب، على الرغم من انها غير مستعدة لتلبية مطالب حماس بالكامل، أو مواجهة معادلة حماس “القصف بالقصف” والرد على البالونات بالقصف. وهذا ما يعزز احتمالات التصعيد لعدة أيام، حيث ستتواصل البالونات والصواريخ، ولن تتوقف، فحماس تصر على تحقيق مطالبها، وستواصل “المفاوضات تحت النار”.
  • اختار الجيش الإسرائيلي حتى الان الاكتفاء برد محدود على إطلاق الصواريخ وإطلاق البالونات، بما يتماشى مع تقلبات المفاوضات الغير مباشرة التي تجريها حماس مع إسرائيل.
  • حددت القيادة الجنوبية للجيش الاسرائيلي ثلاثة احتمالات للوضع في القطاع، خلال جلسة التقييم التي عقدت أمس: الاحتمال الأول، هو التوصل لاتفاق والعودة للهدوء، والثاني استمرار الوضع القائم، فيما الثالث، سيكون التصعيد.
  • وفق ترجيحات الجيش الإسرائيلي ، لن يكون هناك اختراق في جهود الوساطة وأن حماس ستبدأ جولة قتال من أجل الحصول على ما تريده.  
  • وسيقوم جيش الاحتلال بتُغيير سياساته، حيث سيصعد هجماته ضد مواقع حماس وسيقوم بفرض عقوبات ضد المدنيين من خلال منع عملية الصيد، ووقف ادخال الوقود والبضائع للضغط على السكان المدنيين ، اضافة الى تزايد التهديدات بشن عملية عسكرية على قطاع غزة، والعودة إلى سياسة الاغتيالات، ردا على تصعيد الهجمات من قطاع غزة باتجاه مستوطنات غلاف غزة.
  • وتم اتخاذ عدة خطوات استعدادا لتدهور أمني على الحدود مع قطاع غزة؛ انسجاماً مع الاستعدادات لاحتمال خوض حماس حرب استنزاف، وعدم نجاح المستوى السياسي في التهدئة. الجيش الاسرائيلي سيعزز مستوطنات غلاف غزة، بقوات دفاعية، جزء من الاستعدادات للتصعيد، بالإضافة إلى تعزيز منظومة القبة الحديدية ببطارية جديدة.

موقف حماس :

  • حماس ليست مستعدة للالتزام بأي شيء آخر غير التهدئة الا إذا تمت تلبية مطالبها الكاملة، وأبرزها مضاعفة المنحة القطرية وتمديدها لمدة عام على الأقل وزيادة عدد العمال المسموح لهم بدخول إسرائيل إلى 100 ألف، وتوسيع مساحة الصيد إلى 20 ميلا بحريا، وتنفيذ مشاريع لتخفيف ضغط الوضع الاقتصادي لتقليص البطالة في قطاع غزة، وإنشاء خط كهرباء جديد لها، وفتح معبر كرم أبو سالم للبضائع بشكل مستمر. وفتح معبر رفح أمام الأشخاص والبضائع، ما يعني حرية مرور سكان غزة من وإلى مصر.
  • حركة حماس ليس لديها ما تخسره ولا تخشى عملية عسكرية، ولذلك فهي غير مستعدة للتحلي بالمرونة ، وتستبعد تقديرات الحركة امكانية قيام اسرائيل بالدخول في مواجهة مفتوحة ، وتعتقد أن العودة لسياسة الاغتيالات ، هي أمر غير وارد بالنسبة لإسرائيل. فحماس مقتنعة بأن إسرائيل تعيش أزمة صحية واقتصادية وربما سياسية، لن تخوض حربا – ولا حتى تصعيدا كبيرا، ولذلك تسعى حماس لابتزاز اسرائيل بهدف الضغط نحو ايجاد اليات اسرع لتنفيذ التفاهمات.
  • ووفق تلك التقديرات رفعت حركة حماس من سقف مطالبها وتهديداتها وأوصلت رسالة عبر الوسطاء بأنها اتفقت على الردّ على قصف المواقع على نحو فوري ومنسّق وفق قواعد الاشتباك المتّفق عليها، إضافة إلى التفاهم على طريقة الردّ في حال أقدمت إسرائيل على تنفيذ تهديداتها بعودة سياسة الاغتيالات، وذلك بـ”ردّ كبير جداً ومنسّق ضدّ أهداف محدّدة ستُعلَن في الوقت المناسب.

توقعات واحتمالات :

الاحتمال الاول :

  • نجاح الجهود المصرية والقطرية والدولية ، والعودة الى تفاهمات التهدئة السابقة ، وتفويت الفرصة على نتنياهو الذي يسعى الى استغلال التوتر الحالي في قطاع غزة لمواجهة الاحتجاجات والازمات الداخلية المتصاعدة ضده والتي باتت تهدد بقائه في الحكم. هذا الاحتمال يتعارض مع :
  1. التطورات الميدانية المتسارعة في الساعات الاخيرة واستمرار الحرائق في مستوطنات غلاف غزة وتشديد الاحتلال للعقوبات المفروضة على قطاع غزة.
  2. رفع سقف مطالب حركة حماس بصورة تجعل نتنياهو يقف عاجزا امام تنفيذها في ظل الوضع الداخلي الاسرائيلي المضطرب ، والذي من الممكن ان يعجل برحيله امكانية موافقته على تنفيذ مطالب حركة حماس في المرحلة الحالية.

الاحتمال  الثاني :

  • تصعيد محدود لعدة ايام، يتدخل على اثره الوسطاء ، لوقف اطلاق النار ، والعودة الى الوضع القائم قبل التصعيد الحالي، مع امكانية تحقيق بعض الانجازات لحركة حماس، على صعيد زيادة المنحة القطرية، وتمويل جزء من فاتورة رواتب موظفي حكومة غزة من اموال المنحة القطرية، ما يساهم في رفع نسبة الرواتب. ويرجح هذا الاحتمال العوامل التالية :
  1. وصول المفاوضات الى طريق مسدود، وعجز الوسطاء عن التوصل الى تسوية، ترضي جميع الاطراف، وهو ما يدفع بضرورة اللجوء الى خيار “الاشتباك العنيف” للوصول إلى التفاهمات.
  2. هذا الاحتمال يخدم التكتيك العسكري الاسرائيلي المتبع في التعامل مع قطاع غزة ، حيث تحاول اسرائيل استغلال جولات التصعيد المتتالية في قطاع غزة لتوجيه ضربات مركزة للبنية التحتية لحركة حماس، وفق استراتيجية “الاستنزاف” وصولا الى انهاك وتقليص قوتها العسكرية ، مع التركيز على برامج التطوير والتصنيع العسكرية.
  3. تستطيع حركة حماس من خلال هذا الاحتمال تحقيق بعض المكاسب لمواجهة الازمة المالية والاقتصادية الخانقة التي تواجهها.

الاحتمال الثالث :

  • تقوم إسرائيل بتنفيذ عملية اغتيال لاحد قيادات المقاومة في قطاع غزة، وتنفيذ هجمات جوية مركزة ومكثفة على قطاع غزة، على غرار حرب 2008م، ورد التنظيمات الفلسطينية بهجمات صاروخية تستهدف العمق الاسرائيلي، وتدهور الاوضاع وصولا الى حرب واسعة، ويعزز هذا الاحتمال :
  1. تسعى اسرائيل خلال السنوات الاخيرة للتصدي للنفوذ الإيراني في المنطقة ، وقامت بتنفيذ هجمات في الاراضي السورية، وعمليات استخبارية داخل إيران، اختراق الأرشيف النووي الإيراني واغتيال العلماء الايرانيين، ويمكن ان يعتبر نتنياهو هذا هو “الوقت المناسب” لمواجهة النفوذ الايراني في الجبهة الجنوبية (في قطاع غزة).
  2. تغير اتجاهات الرأي الإسرائيلي مع انتشار كورونا والخلافات داخل الحكومة حول موضوع الموازنة، والتظاهرات التي طالبت برحيل نتنياهو وحملته مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية، اضافة الى قرار تكثيف محاكمته ، جميعها عوامل جعلت نتنياهو مقبل على خيارات صعبة داخليا قد تعقد من امكانية تنفيذه أية عملية عسكرية واسعة، الا ان الامر يتطلب الحذر من احتمالات ان تدفع الازمة الداخلية نتنياهو الى مغامرة عسكرية للخروج من مأزقه ، بحجة المخاطر الامنية التي تواجهها اسرائيل.
  3. احتمالات فوز ترامب بولاية ثانية، ستعني مواصلة مساعيه لتطبيق رؤيته الاقليمية، من خلال احداث تغييرات في القيادة الفلسطينية، بما يخدم مخططاته لتصفية القضية الفلسطينية، ولذلك يجب الحذر من مخططات الحرب القادمة، والتي يبدو انها قد اصبحت ضرورة لتمرير المخططات الاقليمية لاعادة رسم خريطة الشرق الاوسط الجديد.
  • انتهى –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى