#أقلام وأراء

د. يوسف يونس: الحرب على غزة 2023.. تقدير موقف (1)

د. يوسف يونس * 29-10-2023: الحرب على غزة 2023.. تقدير موقف (1)

ميدانيا:

  • تواصل طائرات الاحتلال عمليات القصف الجوي وتمهيد الأرض لدخول القوات البرية وضرب الأماكن التي يتوفر حولها معلومات استخبارية بوجود مواقع مضادة للدبابات وقناصة ومناطق مفخخة بعبوات ناسفة، وتقوم المدفعية بقصف متواصل للمناطق التي تمثل خط الدفاع الاول للمقاومة على المناطق الشرقية والشمالية لقطاع غزة.
  • تعتمد تكتيكات الجيش الاسرائيلي على تركيز القصف الجوي لمناطق شمال وادي غزة والممتدة من جنوب مدينة غزة حتى شمال القطاع مروراً بمنطقة الزهراء وجباليا وبيت حانون ومدينة غزة، وفق سياسة الارض المحروقة، لتدمير اكبر مساحة ممكنة، لدفع العدد الاكبر من السكان للانتقال الى جنوب وادي غزة، ما يؤدي الى زيادة الازمة الانسانية. ونجحت بالفعل في تهجير قرابة الـ700 الف الى جنوب الوادي، الذي اصبح يشهد ازمة انسانية غير مسبوقة، مع امتلاء مراكز الايواء والمدارس ومنازل المواطنين والشوارع العامة، والتي تعاني جميعها من ازمة في الكهرباء والمياه، والعجز الواضح لدى المؤسسات الدولية عن المساعدة في مواجهة تلك الازمة.
  • وركزت عمليات القصف الجوي في البداية على شمال قطاع غزة وتحديدا بيت حانون ثم الرمال ثم غرب غزة من التوام والكرامة ومشروع عامر والرمال الجنوبي وتل الهواء، ثم توسعت عمليات القصف لتشمل منطقة النصر ومخيم الشاطئ والشيخ عجلين والزهراء، وتدمير مربعات سكنية بالكامل وتهجير سكانها. ثم امتد القصف ليشمل وسط مدينة غزة وجنوبها لتشمل احياء النصر والرمال الشمالي واليرموك والزيتون والشجاعية، اضافة الى مواصلة عمليات القصف للمناطق التي شملتها المرحلة الاولى في غرب غزة، وهو ادى الى عمليات نزوح واسعة باتجاه جنوب الوادي.
  • تسعى اسرائيل من وراء هذه الخطوة الى الضغط على القيادات العسكرية، التي ستكون غير آمنة على عائلاتهم الذين يواجهون ازمة في توفير احتياجاتهم، اضافة الى المخاطر الامنية المحدقة بهم نتيجة عمليات القصف في كافة مناطق قطاع غزة، وهو الامر الذي يضطر تلك القيادات الى التحرك والخروج على قواعد الحماية المفترضة، وهو ما ساعد على استهداف عدداً منهم في عمليات قصف مركزة.
  • وبعد أن نجح جيش الاحتلال في ازاحة كتلة سكانية كبيرة من شمال الوادي الى جنوب بدأ في تكثيف عمليات القصف المدفعي على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة من بيت حانون الى رفح، بالتزامن مع قصف جوي عنيف ومكثف لتلك المناطق ايضا، وهو ما استهدف نقل كتلة سكانية من شرق شارع صلاح الدين الى المناطق الواقعة غرب شارع صلاح الدين، وخصوصاً المناطق الحدودية شرق دير البلح، البريج، المغازي، خانيونس، ورفح، وهو ما يؤدي الى تحويل الازمة السكانية الى كارثة انسانية في المنطقة الواقعة من حدود وادي غزة شمالاً حتى حدود مصر جنوباً ومن شارع صلاح الدين شرقاً حتى مناطق البحر غرباً.
  • ويسعى جيش الاحتلال الى خلق مساحات مكشوفة لتحركاته الهجومية وتدمير خط الدفاع الأول وتحصينات المقاومة ومواقعها وكمائنها في تلك المنطقة، وتدمير البنى التحتية ومقرات قيادة العمليات ومنصات إطلاق الصواريخ، ومواقع المراقبة وإطلاق قذائف مضادة للدروع والقنص، هذه المرحلة قد يستتبعها هجوم واسع للسيطرة على تلك المناطق وخصوصاً الممتدة على طول شارع صلاح الدين شرقاً، باستثناء بعض المناطق التي تضم كثافة سكانية فلسطينية كبيرة لا يمكن ازاحتها مثل مخيم البريج ومخيم المغازي وحي الشجاعية. وهو الامر الذي بدأ في الساعات الاخيرة في العمل على تجاوزه من خلال كثافة نيران عالية جداً وخصوصاً في شرق البريج والمغازي والشجاعية.
  • واستهدفت عمليات القصف مقرات حكومة حماس في غزة، بهدف الاضرار بمراكز القيادة والسيطرة على الارض والتي من المفترض انها ستقوم بمواجهة حالات الفوضى التي قد يخلقها استمرار الهجمات العسكرية الاسرائيلية، والتي ظهرت في العديد من عمليات السرقة التي استهدفت مقرات الاونروا في قطاع غزة.
  • وشرع جيش الاحتلال في تكثيف عمليات “الاستطلاع بالنيران” في عدة مناطق في غزة، حيث أعلنت المقاومة عن احباط عملية توغل محدودة في شمال قطاع غزة، وعملية اخرى شرق خانيونس، وعملية اخرى غرب محافظة رفح من البحر، وهو ما يندرج في إطار محاولات التعرف على المخططات الدفاعية للمقاومة وقدراتها في مواجهة عملية التوغل البري الواسعة التي يخطط القيام بها.
  • وتتخوف التقديرات من استخدام جيش الاحتلال تكتيك “الخداع الاستراتيجي”، من خلال تسريب انباء عن اقتراب وقف إطلاق النار او الهدنة من خلال مصادر مجهولة الهوية ولكن سرعان ما تنتشر في اوساط المواطنين ما يؤدي الى حالة الضغط النفسي عليهم من جهة، والضغط على العسكريين من خلال خلق حالة “الشعور بالامان” ما يدفعهم الى التحرك لمتابعة شؤون عائلاتهم الانسانية وهو ما يؤدي الى استهدافهم.

تكتيكات المقاومة:

  • تخوض المقاومة الحرب بمهارة، حيث كانت الطائرات المسيرة، ومدافع الهاون، والمظلات الخفيفة المزودة بمحرك، لها دور مؤثر في الأعمال الحربية، الأمر الذي أدى إلى اختلال توازن الإسرائيليين، وتغلبت على أنظمة الدفاع الجوي الحدودية، وضللت أنظمة المراقبة والأسلحة المعقدة التي تسلمتها إسرائيل من الولايات المتحدة، وعلى رأسها منظومة القبة الحديدية، وهو ما يؤكد أن حماس درست ثغرات المنظومة الأمنية الإسرائيلية، مستغلة الثقة المفرطة في براعتها التكنولوجية، وتتركز إستراتيجيتها على استغلال التكاليف الباهظة للحرب الحديثة، وخداع الجيش الإسرائيلي، وإلحاق خسائر بشرية، ومحاصرة الدبابات في الشوارع الضيقة، واستخدام الأفخاخ الخداعية.
  • وتواصل المقاومة إطلاق الصواريخ باتجاه عمق المناطق الاسرائيلية، مع التركيز على مناطق غلاف غزة، بقوة نارية أكثر كثافة، بالتزامن مع استهداف مناطق العمق في داخل اسرائيل، بقوة نارية اقل كثافة، في اشارة الى عدم تأثر قدرات المقاومة الصاروخية بعمليات القصف الاسرائيلية المتواصلة على مناطق مختلفة في قطاع غزة. وكثفت المقاومة عمليات إطلاق قذائف الهاون باتجاه تحشدات قوات الاحتلال على حدود قطاع غزة. واعلنت المقاومة عن احباط العديد من محاولات الانزال والتوغل من قوات الاحتلال في مناطق مختلفة من قطاع غزة وذلك بهدف اظهار مدى جاهزية المقاومة ويقظتها واستعداداتها على خط الدفاع الاول على المناطق الحدودية.

الموقف السياسي:

  • تشير التقديرات الى ان تأخير بدء الاجتياح الإسرائيلي البري لقطاع غزة، يندرج في اطار “الخداع الاستراتيجي”، لإنشاء عنصر المفاجأة، حيث ستعتمد اسرائيل في هجومها البري على قوة المشاة، والدبابات إضافة إلى قوات الكوماندوز وخبراء المتفجرات، وغطاء من الطائرات والمروحيات والمسيرات والمدفعية، وتخطط إسرائيل لاستخدام القنابل المعروفة باسم “بانكر باسترز” التي تهدف إلى تدمير أهداف محصنة تحت الأرض، وستواجه القوات الاسرائيلية تحديات كثيرة في هجومها البري من بينها الأنفاق المفخخة، خصوصا وأن حماس أمضت سنوات في بناء شبكة واسعة من الأنفاق، تستخدمها لتخزين ونقل الأسلحة وتنفيذ عمليات ضد إسرائيل ، وسيجعل تعامل القوات الإسرائيلية مع شبكة أنفاق العملية معقدة، لأن حماس ستكون قد استعدت للهجوم البري الإسرائيلي وستقوم بتفخيخ الأنفاق، وسيتطلب الأمر معلومات استخباراتية والمشكلة الأكبر سيكون حول أوضاع الرهائن.
  • الا انه توفرت بعض المعلومات عن خلافات بين الحكومة والجيش الاسرائيلي حول قرار الاجتياح البري لقطاع غزة، حيث ظهر موقف في الحكومة مقرب من نتنياهو، يرى أن قيادات الجيش لم تُعدّ بشكل حقيقي لخوض حرب بهذه الضخامة، والاجتياح البري سيضع جنود الجيش في خطر حيث يتواجد قادة حماس وعناصر الجناح العسكري داخل الأنفاق واستعدوا جيداً للاجتياح الإسرائيلي، وأعدوا كمية هائلة من العبوات الناسفة والألغام والكمائن، واذا دخلت القوات الإسرائيلية، فسيجدون مفاجآت تنتظرهم، وسيتم ايقاع خسائر فادحة في صفوف الجيش، وهو ما يطرح تساؤلات تكتيكية تتعلق بتعامل الجيش الإسرائيلي للتصدي لتهديدات الأنفاق الدفاعية للمقاومة، ومدى قدرة الجيش على تحقيق إنجازات حقيقية في ميدان المعركة يمكن ترجمتها إلى غاية سياسية إزاء قدرة حماس على مواصلة قيادة قطاع غزة في اليوم التالي للمعركة. ويطالب أنصار هذا الرأي بتكثيف القصف الجوي والمدفعي لتدمير غزة قبل الاجتياح البري، ولذلك فان الخيار الامثل هو اطالة امد العمليات العسكرية وخنق قادة حماس في المخابئ لشهور داخل الأنفاق، وسيضطرون إلى الخروج وهم منهكون، وعندها يصبح خيار الحرب البرية قائما.
  • ويؤكد قادة الجيش إنهم ينتظر الإذن من القيادة السياسية، وهذه هي طريقة عمل قيادة الجيش عندما تنوي الإلقاء بعبء القرارات السياسية الاستراتيجية على الحكومة، ويعتبرون ان تراجع صليات الصواريخ باتجاه إسرائيل، يعطي قيادة الجيش مرونة للسماح بإدخال القوات لبدء الخطوة البرية، ويعتبرون ان الدمار الذي سببته طائرات سلاح الجو في غزة سيشوش جزئياً مخططات المقاومة، حيث تسببت أنقاض المباني في اغلاق فتحات الأنفاق، وهو ما يمنح الفرصة لتقدم القوات البرية الى عمق قطاع غزة تحت غطاء ناري كثيف من القصف الجوي والمدفعي.
  • ووفق التقديرات فان المسألة ليست خلاف مهني واستراتيجي على إدارة الحرب، بل هو نابع من اعتقاد الجيش أن نتنياهو يدير الحرب وفق مصالحه، وأنه يسعى لإطالة الحرب حتى يبقى أطول فترة في الحكم، واتهم جنرالات متقاعدين نتنياهو، بأنه تراجع عن قراره منح الضوء الأخضر للعملية البرية، استجابة لمطلب الإدارة الأميركية وضغوط خارجية، بمواصلة الهجمات الجوية وعدم التسرع في العملية البرية، واكدوا ان وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن؛ نصح الإسرائيليين بتأجيل الحرب البرية، وضرورة العمل على تقليص حجم الخسائر المدنية، وكسب الوقت لإجراء مفاوضات بشأن الرهائن والسماح بوصول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين، والتخوف من توسع نطاق الحرب، وهو ما يتطلب التحضير لمواجهة هجمات حل
  • فاء إيران، قد تستهدف المصالح الأميركية في المنطقة. اضافة الى غياب اجابات للتساؤلات حول خطة إسرائيل لما بعد الغزو البري، حول مستقبل قطاع غزة إذا ما نجحت فعلاً في الإطاحة بحركة حماس، ولا تزال النقاشات مرتبطة بالتطورات على الأرض، مثل درجة نجاح الهجوم البري الإسرائيلي.

 

 

 

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى