أقلام وأراء

د. وفاء صندي: الحرب الباردة بين واشنطن وبكين

د. وفاء صندي 11-2-2023: الحرب الباردة بين واشنطن وبكين

د. وفاء صندي
د. وفاء صندي

بعد يومين من إعلانه تعقب منطاد صينى يحلق فوق أراضيه، تمكن الجيش الأمريكى من إسقاط البالون متهما بكين بالتجسس وبكون المنطاد يهدف المراقبة فوق عدد من المواقع حيث توجد مواقع نووية وقواعد جوية حساسة وصواريخ إستراتيجية فى ملاجئ تحت الأرض فى شمال غرب الولايات المتحدة.

رد الخارجية الصينية جاء سريعا رافضة اتهامات التجسس ومعتبرة ان تحليق المنطادفى المجال الجوى الأمريكى جاء لأسباب قاهرة، وأنه يستخدم للبحوث وبشكل رئيسى لأغراض الأرصاد الجوية وأنه انحرف عن مساره، متأثرا بالرياح الغربية. واكدت بكين احترامها القانون الدولى والسيادة والسلامة الإقليمية لجميع الدول. ازمة المنطاد الصينى سوف تفاقم التوتر القائم بين البلدين، فى الآونة الأخيرة، فى ظل خلافات حول تايوان، وسجل الصين فى مجال حقوق الإنسان ونشاطها العسكرى فى بحر الصين الجنوبي. واولى صور التصعيد تمثلت فى قرار تأجيل وزير الخارجية الأمريكى لزيارة مهمة لبكين كانت مبرمجة،

نهاية الأسبوع الماضى، بهدف اصلاح العلاقات بين البلدين بعد الجائحة. تأجيل الزيارة ستجعل التيار المتشدد داخل النظام الصينى يعتقد أن واشنطن لم تكن جادة فى محاولة إعادة بناء علاقة عمل معها، كما سيرى فيها الامريكيون الداعمون للجهود الدبلوماسية علامة على أن واشنطن محاصرة بالسياسات المحلية المناهضة للصين. وسواء كانت رواية تجسس المنطاد الصينى حقيقية ام لا، هناك واقع واحد وهو المنافسة الاقتصادية القوية بين الصين وامريكا وتحول التنافس بينهما الى حرب باردة مباحة فيها كل الوسائل والآليات لتحقيق أهداف كل طرف.

الصين أصبحت قوة تتحدى الولايات المتحدة بصورة متزايدة فى العديد من المجالات، بما فى ذلك السباق الى الفضاء. ووكالة الاستخبارات الامريكية أصبحت تضع تحركات بكين ضمن أولوياتها. الصين تقول ان أمريكا وحلفاءها استخدموا، بشكل روتينى، مجموعة من تقنيات المراقبة فى الأراضى الصينية، بداية من صور الأقمار الصناعية وصولا إلى المراقبة تحت سطح البحر، ويشمل ذلك بالونات التجسس التى كان البنتاجون يعمل عليها منذ سنة 2020 على اعتبارها إحدى الوسائل التكنولوجية الأكثر فاعلية بالنظر لخصائصها المتميزة ومنها ضعف التكلفة، واستدامة تصل لمدة شهر، والقدرة على الثبات فى موقعها بدلا من تتبع المسارات المتوقعة للأقمار الصناعية.

ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكى فقد ذكر، فى أواخر 2021، ان المكتب يفتح تحقيقا جديدا لمكافحة التجسس، مرتبطا بالصين، كل 10 ساعات، وان هناك نحو 2000 قضية نشطة، معظمها مرتبط بالتجسس الاقتصادى. وبعيدا عن تصريحات المسئولين هنا وهناك، عيون أمريكا وأجهزتها الاستخباراتية منتشرةداخل الصين، وعيون الصين وتكنولوجياتها المتطورة فى التجسس منتشرة حول الولايات المتحدة. امريكا تسعى جاهدة إلى وقف التوسع الاقتصادى والتكنولوجى والعسكرى والسياسى الصينى المتسارع، والذى نقلها من دولة فقيرة ومعزولة إلى قوة اقتصادية عظمى. وبعد فشل السياسة الامريكية فى إيقاف هذا التمدد، غيرت واشنطن استراتيجيتها الأمنية والاقتصادية والسياسية تجاه بكين، وتحولت الى التدخل فى الشئون الداخلية للصين باستغلال اهم قضيتين هونج كونج وشينجيانج، من أجل خلق اضطرابات داخل الصين واشغالها عن التنمية الاقتصادية.

اما الصين، ففى سبيل حصولها على المعلومة، فهى تعتمد على عمليات استخباراتية تقوم على التنوع وتعدد المستويات، وتشمل كل الأدوات والقطاعات المتاحة. فالشركات المملوكة للدولة، والشركات الخاصة ومراكز الأبحاث، والمنظمات غير الحكومية، والباحثون، والطلاب، بالإضافة إلى العمليات السيبرانية كلها تستخدم لجمع المعلومات، خاصة عندما يتعلق الامر بأمريكا. تتبنى السلطات الصينية نهجا فريدا من نوعه عالميا، هو ان كل مواطن صينى يعادل أو يساوى حكومة بأكملها ودولة بأكملها فى كل ما يتعلق أو يمس الأمن القومى الصينى مباشرة.

هذا الأمر يعد إلزاميا فى الصين بموجب قانون الأمن القومى الصينى. تستهدف الصين تكنولوجيات النقل، والذكاء الاصطناعى والتكنولوجيا الحيوية وشبكات الجيل الخامس وغيرها. ويستخدم الصينيون برامج استقطاب المواهب وجذبها للعمل داخل الصين والاستفادة من معرفتها بالتكنولوجيا المستخدمة فى الشركات السابقة التى عملوا بها لتقديمها إلى الشركات الصينية. هذه فقط احد جوانب الحرب الباردة بين أمريكا والصين والتى لم تحسم نتائجها لأى طرف. ولأن المواجهة المباشرة تبقى امرا مستبعدا، وبالإضافة الى ما ذكر، كلتا القوتين تستعين بوكلاء لترجيح كفة الفائز. إيران مقابل إسرائيل، واليابان مقابل كوريا الشمالية، وروسيا مقابل دول الاتحاد الأوروبى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى