أقلام وأراء

د.طارق فهمي يكتب –  الواقع الإسرائيلي الجديد

د.طارق فهمي *- 20/11/2021

ستظل إسرائيل، ولبعض الوقت، ولحين إتمام التسوية مع الجانب العربي في حاجة لإعادة ترتيب أولوياتها في المنطقة، خاصة في ظل حالة من عدم الاستقرار في الإقليم بأكمله، وأيضاً انشغال أغلب دوله في قضايا داخلية، وفي ظل مساعي دولية لإدارة الصراعات في الشرق الأوسط، وليس حلها.

في هذا الإطار، فإن إسرائيل ليست بمنآى عما يجري حيث يعكف قادة الدولة ومفكروها لإقرار أولوياتها السياسية والأمنية والإستراتيجية، وهو ما تركز عليه بيوت الخبرة ومراكز البحوث مثل «مركز هرتسليا والسادات بيجين»، ومركز «ريئوت» و«الأمن القومي» وغيرها، وهؤلاء يصيغون منظومة المصالح العليا للدولة في نطاقها الإقليمي والدولي وبصورة دورية.

وما يهم إسرائيل في السنوات المقبلة وبعد البدء في تحقيق السلام مع الدول العربية هو أن تحظى بقبول في محيطها، وهو أمر بات في أولوياتها خاصة أن إسرائيل لا تعمل علي الحاضر بل تركز على المستقبل، وأذكر أنني تناولت في مؤلف لي صدر منذ أكثر من 10 سنوات عن (خطة إسرائيل عام 2028)، تناولت فيه خطة التطوير، والبناء في قطاعات الدولة من تعليم إلى ثقافة، ومن تطوير القدرات العسكرية إلى تطوير القطاع الإداري، وقد نجحت إسرائيل في تنفيذ كثير من الأطروحات التي شملتها الخطة، ووقتها أشرت لضرورة أن نعمل كدول عربية على الاستشراف، وعدم ترك الساحة للدول الإقليمية لترسم مستقبل المنطقة، وأكدت على ضرورة تضافر الجهود المشتركة على المستوي العربي لرصد، واستشراف ما يجري على الجانب الإسرائيلي بهدف أن يكون لدينا الرؤية الكاملة.

واليوم لم يعد الأمر فقط مرتبط بإقامة علاقات سلام بل بالقدرة علي المنافسة والتحدي، واللحاق بالمتغيرات الجارية في الإقليم، والعمل معا لمواجهة ما يجري في مجالات التفكير العلمي والحرب السيبرانية، والذكاء الاصطناعي والإبداع الاستراتيجي إضافة للتعاون في مجال مواجهة التهديدات المشتركة، والمخاطر التي يمكن أن تمثل تحديا حقيقيا، بصرف النظر عن الإقرار بالتقدم العلمي الإسرائيلي، ومكانتها في الإطار الاستراتيجي بما تملكه من مقدرات حقيقية، وحسابات القوة العلمية.

على جانب آخر لا تنشغل إسرائيل بالدخول في منعطفات إيديولوجية محددة، أو تخضع للتابوهات الدينية مثلما كان الأمر منذ 10 سنوات تقريبا، والتطرف الإسرائيلي- برغم ما يتم تصويره إعلاميا – في حدوده، ولم يعد يقلق قادة الدولة والتعامل مع عرب 48 بداية باعتبارهم شركاء.
المسألة الرئيسية في إسرائيل تركز على بقائها كدولة متقدمة، وبالتالي تم تنحية المعطيات البالية، والتي عاشها المجتمع الإسرائيلي سنوات، واتجه إلى عقلنة المجتمع والبناء علي العلم والتفوق بل والدعوة إلى ضرورة الانخراط في علاقات أكثر أهمية عسكرياً واستراتيجياً، وهو ما برز في دخول إسرائيل التحالف البحري لمواجهة التهديدات الإقليمية، ومسعاها إلى تشكيل ناتو عربي، والاتجاه لتعميق السلام مع مصر بقبولها تعديل بنود البروتوكول الحاكم لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وقيامها بتصدير الغاز إلى الأردن ومصر، والمشاركة كعضو عامل في المنظمة الإقليمية للغاز في شرق المتوسط، وهو ما يؤكد علي التغيير المفصلي الذي يجري في إسرائيل بعيدا عن الوضع القديم، والذي يركز على إعطاء صورة غير صحيحة عن الداخل الإسرائيلي مدنيا وعسكريا، وفي ظل حالة حراك حقيقي يجري في الدولة، والذي يحتاج إلى متابعة ودراسات جادة على المستوى العربي لفهم كيف نتعامل مع إسرائيل في ظل واقعها السياسي، والاستراتيجي والاجتماعي الجديد، ولكي نبني الرؤية الصحيحة علينا أن نبدأ بدراسة الأولويات والمهام التي تضعها إسرائيل في صدارة جدول أعمالها عربيا وإقليميا في الوقت الراهن والمنتظر.

* أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية والعلوم السياسية.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى