#أقلام وأراء

د. سنية الحسيني: مستقبل الهجوم الإسرائيلي على غزة … عناصر محددة

د. سنية الحسيني 25-1-2023: مستقبل الهجوم الإسرائيلي على غزة … عناصر محددة

بعد دخول هجوم الاحتلال على غزة الشهر الرابع، تتواصل مأساة الفلسطينيين بلا توقف، والتي يتابعها العالم بصمت وعجز أو بلا مبالاة، وبدون وجود أفق سياسي للتوصل لحل ينهي معاناة واستنزاف فلسطيني غير مسبوق. وتصر حكومة الاحتلال على مواصلة هجومها على القطاع الصغير الضيق المكتظ بالسكان، رغم ارتفاع وتيرة الاحتجاجات في إسرائيل التي تطالب الحكومة بالإفراج عن المحتجزين في غزة، ومحاولة حزب العمل الأخيرة بحجب الثقة عن الحكومة بحجة تخليها عن هؤلاء المحتجزين، فالمشكلة تكمن في طبيعة ذلك المجتمع الاسرائيلي المشبع بنزعة استعمارية متعالية، يقوده رئيس حكومة من مصلحته أن تستمر الحرب. وتظهر المعضلة الثانية لعدم وجود أفق لانتهاء الهجوم الإسرائيلي على غزة، دعم الولايات المتحدة المفتوح لإسرائيل، فمنذ بداية الهجوم، لم تخف الولايات المتحدة دعمها المفتوح والمطلق لإسرائيل، رغم بعض التصريحات المخادعة، للإبقاء على دورها في هذه الأزمة، والذي يسعى للسيطرة والحد من ردود الأفعال في المنطقة. وتبقى الجبهات الأربعة المفتوحة للتصدي للهجوم الإسرائيلي الدموي على غزة، في غزة والضفة ولبنان واليمن، الأمل الوحيد المتبقى أمام الفلسطينيين، لاجبار المعتدي على التراجع. 

ليس هناك مؤشرات على أن الحكومة الإسرائيلية تنوي إنهاء الهجوم على غزة قريباً. كما يبدو أن أحزاب المعارضة لن تجبر الحكومة على ذلك، خصوصا أنها تتفق معها حول هذا الهجوم وأهدافه. وتساند غالبية الشارع الإسرائيلي ذلك التوجه، ما يعقد إمكانية التعويل على إسرئيل اليوم لوقف الحرب، إلا ان تدخلت عوامل أخرى مستقبلية. 

 يمتلك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو النية والحافز لإبقاء أمد هذه الحرب، لأطول فترة ممكنة، ويعتمد في ذلك على دعم شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف، الذي يضمن الأغلبية البرلمانية في مواجهة أية محاولات لتغير الوضع السياسي القائم. وجاء تصريح بن جفير بانه “إذا تقرر وقف الحرب، فلن أكون جزءا من هذه الحكومة”،  ليفسر أهمية بقاء الحرب لاستمرار بقاء الائتلاف الحاكم بقيادة نتنياهو رئيساً للحكومة. يأتي ذلك في ظل أن إطالة أمد الحرب تقدم الحماية لنتنياهو من المساءلة والمحاسبة القضائية، في ظل تدني شعبيته بشكل غير مسبوق. ويبرز بيني غانتس كمرشح ينال الثقة أكثر من قبل الشارع الاسرائيلي. وحتى داخل حزب الليكود، فإن استطلاعات الرأي العام تشير إلى أن ثلث أعضاء الليكود فقط يفضلون نتنياهو في أي انتخابات تلي الحرب. 

تتفق الأحزاب الإسرائيلية المعارضة حتى الآن على استمرار الهجوم على غزة، رغم عدم تغير موقفها الرافض لوجود نتنياهو في رئاسة الحكومة، ورغم تأرجح مواقفها من إجراء الانتخابات الان.  فرغم موافقة حزب الوحدة الوطنية بزعامة بيني غانتس أن يكون جزء من حكومة الحرب القائمة، وليس من الصعب اكتشاف عدم توافقه مع نتنياهو في خضم هذه المعركة، ويمكن أن يؤدي خروجه منها لمشكلة حقيقية يمكن أن تواجه الحكومة، إلا انه لم يتخذ هذا القرار الحاسم بعد. وتتعالى الأصوات ضد نتنياهو من داخل حزب الليكود نفسه، كما تتفق أحزاب المعارضة الأخرى على ذلك أيضاً، دون أن تقوى على رفع صوتها عالياً خلال حالة الحرب القائمة. 

 ورغم تباين الرؤى حول ضرورة إجراء الانتخابات، إلا أن الوضع القائم يبقى سيد الموقف، حول إمكانية إجراء الانتخابات في زمن الحرب. فدعا يائير لابيد، زعيم المعارضة ورئيس حزب “يش عتيد”، إلى جانب ميراف ميخائيلي، رئيسة حزب العمل، منذ أسابيع، لتحديد موعداً لإجراء الانتخابات. كما اعتبر غادي آيزنكوت، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق وعضو المعارضة في مجلس الوزراء الحربي، والذي يقود حزب الوحدة الوطنية الى جانب غانتس، أن هدف تدمير حماس بعيد، ودعا إلى إجراء انتخابات جديدة. في حين اعتبر أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب “يسرائيل بيتنو” أن الانتخابات في زمن الحرب ستولد الانقسام الآن، وهو الأمر الذي سيضر بمسيرة الحرب. على الجانب الثالث، يرفض بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية ورئيس الحزب الصهيوني الديني، فكرة اجراء أي انتخابات في غير موعدها المقرر من أساسها. 

 للمرة الأولى وبعد مرور أكثر من ١٠٠ يوم على بدء الحرب، تبلورت ثلاثة اقتراحات لحجب الثقة عن الحكومة، في الأسبوع الماضي، بمبادرة من قبل أحزاب المعارضة الثلاثة حزب ييش عتيد، وحزب العمل، والحزب العربي الإسرائيلي راعام. وتعلق مبرر حزبي ييش عتيد وراعام لحجب الثقة بالميزانية، التي أقرت بالقراءة الأولى منتصف الشهر الجاري، بينما تركز مبرر حزب العمل بحجة تخلي الحكومة عن المحتجزين في غزة. تراجع حزبا ييش عتيد وراعام عن مبادراتهما بحجب الثقة، وسقط اقتراح حزب العمل، الذي لم يحصد إلا على ١٨ صوت من ٦١ صوت لازمة لتمرير الاقتراح، وهو ما يعكس واقع أي معارضة اليوم داخل الكنيست. 

لا يزال التأييد للحرب داخل الشارع الإسرائيلي واسع النطاق، رغم انقسامه بين من يريد إعادة المحتجزين أو تدمير حركة حماس كأولوية. وبناء على استطلاع أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية في نهاية العام الماضي، فان ٦٥ في المائة من الشارع الإسرائيلي أبدى موافقته على استمرار الحرب، وتكثيف عمليات الجيش الإسرائيلي للوصول إلى المحتجزين في غزة، مقابل ١٦ في المائة منه يعتقد بأن على الحكومة أن تنفذ صفقة تبادل شاملة لإعادة المحتجزين والأسرى الإسرائيليين أحياء، حتى لو أدى الأمر إلى إيقاف نهائي للعمليات الحربية. وتم إجراء استطلاعات رأي آخر مؤخرا أكد على أن ٤٤ في المائة من الجمهور الإسرائيلي يؤيد إحياء الإستيطان اليهودي في غزة، مقابل نحو ٣٩ في المائة يعارضون ذلك. 

وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة لتدني نسبة قبول الشارع الاسرائيلي لحل الدولتين، فـ ٢٥ في المائة منهم فقط يؤيد هذا الحل مع الفلسطينيين. ويتباهى نتنياهو أنه الوحيد القادر على منع قيام دولة فلسطينية مستقلة. وتصاعدت الانتقادات الدولية على التصريحات الأخيرة التي صدرت عن بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي المعارضة لإقامة دولة فلسطينية. وقال بيان صدر عن مكتب نتنياهو: “بعد تدمير حماس، يجب على إسرائيل أن تحتفظ بالسيطرة الأمنية على غزة، لضمان عدم تشكيلها أي تهديد مستقبلي لاسرائيل”، وأكد نتنياهو أيضاً في ذات السياق على ضرورة احتفاظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية على جميع الأراضي الواقعة غرب نهر الأردن، أي الضفة الغربية أيضاً، وهو ذات الوضع الذي تصر عليه إسرائيل، منذ توقيعها على إتفاق أوسلو. وجاء ذلك الموقف الصارم لنتنياهو في أعقاب تصريحات بايدن وبلينكن عن التزام الولايات المتحدة باقامة دولة فلسطينية واستبعاد السيطرة الاسرائيلية على غزة بعد الحرب، والذي جاء في ظل توجه دولي بضرورة حل القضية الفلسطينية، بعد أن تسبّب الإغفال عن حلها طوال تلك العقود الماضية لتفاقم الأوضاع في الأراضي المحتلة، والتي وصلت حد الحرب الدموية المستمرة اليوم. 

رغم تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية بأن جهود الوساطة من أجل التوصل إلى إتفاق لإطلاق سراح المحتجزين والأسرى مستمرة. خلال الأيام القليلة الماضية، قدمت حركة حماس مبادرة رفضها نتنياهو، كما قدمت إسرائيل مبادرة أخرى في المقابل، في خضم مساعي عديدة تبذل، إلا أن الفجوة تبدو واسعة بين الطرفين. وتتطلع حركة حماس لتبيض السجون الإسرائيلية، من جميع المعتقليين والأسرى الفلسطينيين، مقابل إفراجها عن جميع المحتجزين والأسرى الإسرائيليين لديها، وانسحاب كامل لقوات الاحتلال الغازية من غزة. على الجانب الآخر، لا يرفض نتنياهو فكرة عملية التبادل، إلا أنه يريدها مقرونة إما بهدنة مؤقته لاستئناف القتال بعدها، أو باستسلام حركة حماس. إن ذلك التباين الواضح بين موقف الطرفين حول وقف إطلاق النار، مقروناً برغبة نتنياهو ومصلحته الشخصية باستمرار الحرب، في ظل عدم تحقيق نصر حاسم، يحسن مكانته السياسية وفرصه المستقبلية، وتأييد الأحزاب والشارع الإسرائيلي لاستمرار الحرب، يشير لطول أمدها، والخطر من تحقيق الاحتلال لأهدافه منها، لكن يأتي ذلك من دون الوضع بالاعتبار لعوامل أخرى. 

(2)

لا يمكن إنكار الدور الجوهري والحساس للولايات المتحدة في استمرار إسرائيل بهجومها الدموي المدمر على غزة.

 

تمتلك الولايات المتحدة سلطة خطيرة على إسرائيل لا تمتلكها أي دولة أخرى في العالم، تتمثل في الدعم النوعي والاستثنائي والمفتوح لها، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.

وقد أثبت هجوم الاحتلال الحالي على غزة ذلك الدعم الأميركي لإسرائيل بالدليل القاطع، والذي جعلها تضع نفسها شريكاً لإسرائيل في هذه الهجمة، غير آبهة بالنتائج المترتبة على ذلك، سواء كان ذلك على المستوى الإقليمي العربي والإسلامي الشعبي، أو كان ذلك على الصعيد الداخلي الأميركي، ومدى تأثير ذلك على نتائج الانتخابات الرئاسية القادمة.

وتلعب الولايات المتحدة دوراً آخر في هذا الهجوم، لا يقل أهمية عن الأول، ويتمثل في تحشيد دعم الحلفاء الغربيين لإسرائيل في هذا الهجوم، والذي يجعل دولاً غربية عظمى، متغافلة عن الجرائم التي تقترف في غزة، ومتوافقة فعلياً مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وإن كان بعضها بشكل ضمني لأسباب داخلية شعبية.

ويبرز دور الولايات المتحدة الخطير أيضاً في هذا الهجوم في تحييد الدور العربي الرسمي في التصدي لإسرائيل، في ظل علاقات التحالف القوية، بين الولايات المتحدة وتلك الدول، التي تتراوح بين الدعم الاقتصادي، والسياسي، والعسكري الأمني. فانحصر الدور العربي الرسمي، أمام الجرائم في غزة على مدار حوالى أربعة أشهر، على التصريحات السياسية والخطابات العاطفية، دون تدخل عربي رسمي عقابي رادع لإسرائيل.

رغم تصاعد الخلافات، والتي كان من الصعب إخفاؤها، بين الإدارة الأميركية وحكومة الحرب الإسرائيلية خلال هجوم الاحتلال الحالي على غزة، حول قضايا تتعلق بطبيعة الهجوم وحدوده ومستقبله، إلا أن حقيقة العلاقة العميقة والصلبة بين البلدين منعت الولايات المتحدة من ممارسة أي ضغط حقيقي على إسرائيل لوقف الهجوم على غزة.

يأتي ذلك على الرغم من الأضرار التي تلحق بإدارة الرئيس بايدن الحالية على المستوى الإقليمي المحيط، ليبقى قرار الفصل في تطورات الهجوم الإسرائيلي على غزة بيد نتنياهو وحكومته.

وعلى الرغم من تصاعد الأصوات الشعبية في الولايات المتحدة المطالبة بإنهاء هجوم جيش الاحتلال على غزة، وبشكل غير مسبوق، كما تبلور ذلك الموقف في أروقة صنع القرار التنفيذية والتشريعية الأميركية، جاء الموقف الرسمي حاسماً، ليعكس واقع الدولة العميقة، الأسيرة لسطوة الصهيونية المسيحية الداعمة لإسرائيل، دون قيود أو حدود. فلم تتوانَ الإدارة الأميركية عن قمع الأصوات المعارضة لهجوم إسرائيل أو المؤيدة للفلسطينيين، في تناقض محرج لدولة تدعي قيامها على أسس الديمقراطية وحرية التعبير ومبادئ حقوق الإنسان.

ولا يبدو أن الأمر سيكون مختلفاً في حال قدوم ترامب إلى سدة الحكم نهاية العام الجاري، لأن التزام الولايات المتحدة تجاه إسرائيل قضية يتفق عليها صانعو القرار في الحزبين.

لعقود، تمتعت إسرائيل بدعم أميركي قوي من قبل الحزبين الجمهوري والديمقراطي. وحسب تقرير نشره الكونجرس، استفادت إسرائيل من دعم مالي أميركي بقيمة ٢٦٥ مليار دولار منذ قيامها، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي حصلت على مثل هذا القدر من المساعدات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

وتعد إسرائيل المستفيد الرئيس من المساعدات العسكرية الأميركية، في إطار برنامج التمويل العسكري الأجنبي، حيث تلقت أكثر من ١٣٠ مليار دولار منذ العام ١٩٤٨.

وفي العقود الأخيرة، ارتفع حجم المساعدات الأميركية لإسرائيل، حيث وقع البلدان مذكرة تفاهم في العام ٢٠١٦، لمدة ١٠ سنوات، بمساعدة سنوية تبلغ ٨١٥ مليون دولار، يسمح من خلالها لإسرائيل، بشكل حصري، باستخدام ريعها، في شراء منتجات وخدمات إسرائيلية.

طوال حياته السياسية، لم يخفِ بايدن دعمه الثابت لإسرائيل، فيعرف نفسه صهيونياً.  ومثل أسلافه، يعتقد أن المصالح الأميركية تكمن في بقاء ووجود إسرائيل كدولة يهودية.

منذ السابع من أكتوبر، تضامن بايدن بثبات مع إسرائيل، رغم الخلافات التي كانت تظهر على السطح بين الفينة والأخرى، حول تفاصيل الهجوم ومستقبله.

وأقر مجلس النواب ومجلس الشيوخ تشريعاً من الحزبين يدعم إسرائيل ويدين حماس.

بعد وقت قصير من بدء الحرب في قطاع غزة، طلبت الإدارة الأميركية من الكونجرس الموافقة على مبلغ غير مسبوق قدره ١٤ مليار دولار كمساعدات عسكرية تكميلية لإسرائيل.

لم يوافق الكونجرس على ذلك، بسبب ربط بايدن تلك المساعدات بأخرى غير إسرائيل، رغم دعم الحزبين المساعدات لإسرائيل.

وعلى الرغم من غياب القانون الذي يمنح إسرائيل التمويل الإضافي، أبلغت إدارة بايدن الكونجرس في أوائل كانون الأول الماضي بيعها ذخائر دبابات لإسرائيل بقيمة ١٠٦ ملايين دولار.

وفي نهاية الشهر الماضي، أعلن بلينكن عن بيع قذائف مدفعية ومعدات أخرى لإسرائيل بمبلغ ١٤٧ مليون دولار، وهو ما يحق له القيام به دون العودة للكونغرس. وهي المرة الثانية التي تتم فيها الموافقة على مساعدات لإسرائيل بهذه الطريقة، خلال ثلاثة أشهر الحرب، لحقتها صفقة ثالثة مؤخراً.

استخدمت الولايات المتحدة الفيتو ضد أي مشروع قرار في مجلس الأمن دعا لوقف إطلاق النار، كانت من بين الدول العشر التي صوتت ضد قرار الجمعية العامة الذي يطالب بوقف إطلاق النار، وأيده باقي دول العالم.

ولا يزال البيت الأبيض يرفض الدعوة إلى وقف دائم للقتال، ويصر على حق إسرائيل في الدفاع عن النفس. وتضمنت جولة بلينكن الرابعة له في المنطقة منذ بدء الهجوم، في النصف الأول من الشهر الماضي، التركيز على ربط حل الدولتين بالتطبيع مع السعودية، وهي المرة الأولى التي يجري فيها ذلك الربط صراحة.

ويعتبر حل الدولتين المخدر الذي تستخدمه أميركا للتأثير عاطفياً على الفلسطينيين، إلا أن ذلك المخدر يختفي أثره بعد ذلك.

ويظل تأييد إدارة بايدن لإسرائيل والأغلبية في الكونجرس من نواب وشيوخ ديمقراطيين وجمهوريين متجذراً.

ورغم تعاطف الديمقراطيين عموماً بشكل أكبر مع الفلسطينيين مقارنة بالجمهوريين، فيؤيد ٥٠ في المائة من الديمقراطيين موقف بايدن الداعم لإسرائيل حالياً، في حين لا يتوافق معه ٤٦ في المائة منهم.

وتأثر تأييد الجمهوريين كذلك لإسرائيل مؤخراً، فانخفض ذلك الدعم بنسبة ١٠ في المائة، وذلك من ٧١ في المائة إلى ٦١ في المائة.

وعلى الرغم من أن قضايا السياسة الخارجية لا تؤثر كثيراً على توجهات الناخبين في الولايات المتحدة، إلا أن عملية طوفان الأقصى دفعت بقضية علاقة الولايات المتحدة مع إسرائيل إلى صدارة الحملة الانتخابية.

رغم توجيه دونالد ترامب، الرئيس الأميركي السابق، انتقادات لإسرائيل ونتنياهو بسبب الهجوم على غزة، إلا أنه تراجع بعد ذلك.

ويعتبر ترامب أن نتنياهو خذله باعترافه السريع بفوز بايدن، وبعدم المشاركة في عملية اغتيال قاسم سليماني.

أكد ترامب لاحقاً، أنه يقف مع إسرائيل، مشدداً على أنه أفضل صديق لها، ومذكراً بمواقفه خلال عهد إدارته، ومؤكداً على مواصلة دعمها.

وهاجم المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين في الولايات المتحدة، وأكد نيته تجميد دخول اللاجئين لبلاده، بمن فيهم الغزيون، وكل من يدعم حركة حماس.

إن هزيمة بايدن في الانتخابات القادمة وقدوم ترامب لن يغير من واقع علاقة الولايات المتحدة مع إسرائيل، حتى وإن ظهرت خلافات بين قيادات البلدين، كما حصل من قبل، لأن الالتزام الأميركي بإسرائيل عميق عمق المصالح بينهما والإيمان بدورها في المنطقة.

أكد مايك بنس نائب الرئيس السابق أنه لا ينبغي للقادة في هذا البلد إرسال أي رسالة سوى وقوف أميركا إلى جانب إسرائيل.

إن الدولة العميقة في الولايات المتحدة التي تتبنى إسرائيل دون حدود، وتضمن وصول مؤيديها للمناصب الحساسة، تقف أيضاً بقوة في وجه كل ما يعارضها، حتى وإن تعارض ذلك مع مبادئ جوهرية تدعيها.

وفجر الهجوم الإسرائيلي الحالي على غزة، وفي تطور غير مسبوق، الانتقادات لإسرائيل وللإدارة الأميركية التي تدعمها، في الكونجرس وفي الوظائف الفيدرالية وفي الشارع، خصوصاً بين الشريحة الطلابية والشباب.

واعتبر السيناتور بيرني ساندرز عضو مجلس الشيوخ، من الديمقراطيين التقدميين، أن بلاده «متواطئة في الكابوس الذي يعيشه ملايين الفلسطينيين اليوم»، اعتبر أن تقديم بلاده مساعدات عسكرية إضافية غير مشروطة لإسرائيل، يعني موافقتها على ممارسات إسرائيل غير الإنسانية في غزة.

وطالب عدد من الديمقراطيين في مجلسي النواب والشيوخ الإدارة الأميركية بوقف إطلاق النار في غزة، وهناك من ربط منهم ذلك الهجوم باستخدام الأسلحة الأميركية.

وأرسل عدد آخر من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين، بقيادة إليزابيث وارين رسالة لبايدن تدعوه لضمان عدم استخدام الأسلحة الأميركية المنقولة إلى إسرائيل بما يتعارض مع السياسة الأميركية والقانون الدولي.

وطالبت النائبة الديمقراطية رشيدة طليب إسرائيل برفع حصارها عن غزة، وإنهاء الاحتلال، وتفكيك نظام الفصل العنصري.

واجهت تلك المطالب انتقادات لاذعة من مجلسي النواب والشيوخ وصلت لمستوى اتهامات نواب بمعاداة السامية.

وجاء تصويت مجلس الشيوخ الأميركي ضد اقتراح قدمه السيناتور بيرني ساندرز لربط المساعدات الأميركية لإسرائيل بمراقبة حقوق الإنسان في غزة، والذي فشل، بمعارضه ٧٢ صوتاً مقابل ١١ صوتاً مؤيداً.

لم يأتِ الانتقاد لسياسة الإدارة الداعمة لإسرائيل في ذلك الهجوم من الكونجرس فقط، بل جاء أيضاً من عدد من الموظفين الفدراليين، فقد دعا أكثر من ٥٠٠ موظف فيدرالي إلى وقف إطلاق النار في رسالة مفتوحة إلى إدارة بايدن.

وقد واجه هؤلاء تهديدات بالطرد والفصل من مناصبهم، إن واصلت الإعلان عن موقفها المناهض لإسرائيل.

ازداد دعم الشعب الأميركي خصوصاً من فئة الشباب للقضية الفلسطينية خلال الهجوم الإسرائيلي الحالي بشكل غير مسبوق، وإن بدأ ذلك يتبلور في السنوات الأخيرة.

وأصبحت الجامعات المهمة والمدن المهمة ساحات للاحتجاج والإدانة لسياسات إسرائيل والدعوات لتحقيق العدالة للفلسطينيين.

في التاسع عشر من شهر تشرين الأول الماضي، أصدر مجلس الشيوخ قراراً يدين حركة حماس والأنشطة الطلابية «المعادية للسامية» في حرم الجامعات الأميركية، وطالب الكونجرس رؤساء الجامعات بالعمل على مكافحة تصاعد معاداة السامية.

فضحت تلك التطورات حقيقة الديمقراطية الأميركية والحريات التي تتغنى بها، حيث بدأت حملات تكميم الأفواه وإسكات الطلاب، والمنظمات المؤيدة للفلسطينيين، والتي هددت الطلاب بالفصل التعسفي. وأصبحت جامعة جورج واشنطن رمزاً للصراع بين مسؤولي الجامعة والطلاب المؤيدين للفلسطينيين، حيث قامت بمنع هؤلاء الطلاب من المشاركة في الأنشطة داخل الحرم الجامعي.

لا يبدو أن هناك تغيرات جوهرية ستحدث في سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل قريباً، وإن كان ذلك ليس ثابتاً في ظل تغيرات بنيوية تدريجية تحدث في المجتمع الأميركي، قد تقلب المعادلات يوماً رأساً على عقب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى