أقلام وأراء

د. رائف حسين يكتب – اعتذار هيرتسوغ والخطوات القادمة …!!

الكاتب والمحلل والمفكر الاستراتيجي د. رائف حسين 31-10-2021م

اعتذار مسؤول كبير بدولة ما عن مسؤلية دولته عن اجرام قامت به بالماضي هو امر كبير وجدير بالاهتمام. وان كانت هذه الدوله، قد بنيت جراء استيطان استعماري، اي جراء طرد وتشريد وقتل الاكثرية الساحقة من اهل البلد الاصليين، وان كان هذا المسؤول هو رأس الهرم السياسي، رئيس الدوله، فهذه خطوة جديرة اكثر بالاهتمام والتمحيص.

تقديم رئيس دولة اسرائيل، يتسحاك هيرتسوغ، الاعتذار لذوي ضحايا مجزرة كفر قاسم التي قامت بها ميلشيات صهيونيه في 29 اكتوبر 1956 خطوة جريئة وجب تسليط الاضواء عليها والوقوف على ابعادها قليلاً… كونها الكلمات الاوضح التي تفوهه بها مسؤول صهيوني رفيع المستوى منذ قيام هذه الدوله، عن جرائم الاحتلال ضد اهل البلد الاصليين.  هذا التصريح الجريء، رغم اهميته، لكنه لا يسوى تقييمه سوى كبداية خطوة بالاتجاه الصحيح. 

تصريح هيرتسوغ لا يعني اعتراف دولة الاحتلال بالمجازر التي قامت بها هذه الدولة وميليشياتها قبل وبعد مجزرة كفر قاسم … كما انه لا يعني ايضاً اعتراف بالتطهير العرقي واقتلاع اهل البلد الاصليين، الشعب الفلسطيني، من ارضه. كما وان هذا التصريح لا يعني اخذ المسؤولية التاريخية المباشرة لكل ما حدث للشعب الفلسطيني منذ اكثر من مئة عام… لهذا وجب التأني في تقييم التصريح ووضعه في سياقه فقط وعدم الانزلاق الى المبالغة في حجمه وتأثيره كوننا نعرف مكانة الرئيس الاسرائيلي في اللعبة السياسية الصهيونيه ومدى تأثيره على القرار السياسي ومنحاه… ونحن نرصد ايضاً ان خلال التصويت في الكنيست على مشروع القرار الذي قدمته عضوة الكنيست عايدة توما عن القائمة المشتركه والذي يتعلق بالمجزرة والمسؤولية عنها، قام 93 عضو كنيست من اصل 120 بالتصويت ضد القرار…  ومع هذا علينا، نحن الفلسطينيون، ان نتروى بالثناء والمديح لشخص رئيس دولة الاحتلال ليس من باب التقليل من اهمية التصريح وليس من باب عدم تأثيره المباشر على الخط السياسي ولكن من باب الحرص على ان تكون هذه البداية ليست نهاية المشوار بل فتح شرخ في جدار التنكر الصهيوني للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والعمل بالمستقبل ان يكبر هذا الثقب ويتسع. 

وحتى لا يضيع هذا التصريح في طاحونة العمل السياسي اليومي واجراءات الحكومة اليومية العنصرية ضد ابناء شعبنا الفلسطيني علينا ان نقوم بخطوات جريئة مدروسه لتأجيج النقاش واستدامته، وليس فقط في اسرائيل، حول هذا التصريح وحول ما يجب ان يتبعه من امور عملية اخرى. 

أولاً على القيادات الفلسطينيه من اعضاء كنيست فلسطينيين، مشتركة وموحدة، ولجنة متابعة واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ان تجتمع سويا للبحث في استراتيجية التعامل المستقبلية مع هذا التصريح واستغلاله دولياً لزيادة الضغط على دولة الاحتلال التي تنزلق يوميا باتجاه دولة ابارتهايد وعنصرية مؤسساتية… يصدر عن هذا الاجتماع ترحيب رسمي ايجابي بتصريح هيرتسوغ واعتباره بداية اعتراف دولة الاحتلال بجرائمها تجاه الشعب الفلسطيني.

ثانياً تقبل الاعتذار رسمياً مع التذكير بان تقبل الاعتذار الصهيوني من قبل الفلسطيني لا يعني التنازل عن الحقوق كما وانه لا يعني اعادة الماضي كما كان … بل يعني ان اسس جديدة قد وضعت لامكانية بناء مستقبل جديد علينا ان نفحص امكانية دعمها والبناء عليها.

ثالثاً المطالبة بالاعتراف بكل الجرائم التي ارتكبتها العصابات الصهيونيه  والدولة الصهيونيه من بعدها بحق الشعب الفلسطيني والتي اصبحت موثقة علميا وبدراسات عالميه عديدة. والطلب بان تتبنى دولة الاحتلال المسؤولية التاريخية لما حصل للشعب الفلسطيني كبداية حقيقية لتسوية مستقبلية مقبوله … فقط هكذا يكون تصريح هيرتسوغ التاريخي خطوة لبداية جديدة وليس حبر على ورق.

رابعاً التذكير بان الانفراج في اوروبا بين الشرق والغرب والذي ادى بالنهاية الى تجاوز كل اللاحق ووضع اسس جديدة للاتحاد الاوروبي بدأ في ركوع المستشار الالماني السابق ڤيلي براند  في ديسمبر 1970 امام النصب التذكاري لضحايا النازيه في وارسو /بولندا. هذه الخطوة الجريئة لم تبقى يتيمة… الدولة الالمانية وحتى يومنا هذه قامت وتقوم بخطوات واجراءات وسن قوانين عديدة تتحمل بها المسؤولية عما قامت به النازيه من جرائم ضد البشريه وضد اهل البلاد التي احتلتها. كما وان الشعوب التي عانت من النازية واجرامها قامت بخطوات جريئة لتقبل الاعتذار والبناء عليه للعبور من الماضي القاتم الى مستقبل مزدهر.

خامساً على القيادات الفلسطينيه بعد الترحيب بالاعتذار وقبوله ان تطالب بملاحقة المجرمين ومخططي الجريمة والمسؤليين السياسيين والعسكريين والاداريين، الذين خططوا لها وانكروها، بالقضاء، وتعويض ذوي الضحايا ووضع انكار الجريمه وانكار النكبه بمكانة الاجرام التاريخي وملاحقة المنكرين وفق لقانون خاص لهذا الشأن.

سادساً المطالبة بالاعتراف بالاقلية الفلسطينية في اسرائيل كأقلية وطنية تُضمن لها حقوقها وفقا لقرار الامم المتحدة حول حقوق الاقليات الوطنيه من العام 1966 وتحديدا الفقرة 27 منه التي تم اعادة صياغته قانونيا في العام 1992 ووفقاً لقانون حماية حقوق الاقليات الاوروبي الذي تم اقراره في 1.2.1995. وعلية المطالبه بان تمثل الاقلية الفلسطينية في البرلمان والمؤسسات الاسرائيلية الرسمية وان تكون حصتها من الميزانيات العامة وبرامج التطوير وفق نسبتها من مجموع المواطنين بالدوله. والمطالبة بان تحصل الاقلية الفلسطينية على حقها في حكم ذاتي اداري ثقافي واسع.

سابعاً العمل مع لجنة مهجري الداخل الفلسطينية بالمطالبه بعودة اللاجئين الفلسطينين بالداخل والذي تجاوز عددهم عن 350 الف وما زالت معظم قراهم واراضيهم مشاع. وتعويض هؤلاء من قبل دولة الاحتلال على استغلال اراضيهم واعاقة تطورهم الاجتماعي والاقتصادي الطبيعية جراء تشريدهم من ارضهم.

ثامناً العمل وفق استراتيجية اعلامية ودبلوماسية وقانونية محكمة لتدويل قضية الاقلية الفلسطينية في اسرائيل والخروج من الموسمية في التعاطي مع هذا الامر … هذا التعاطي الموسمي من قبل النخبة السياسية الفلسطينية في الداخل وتجاهل هذا الامر كلياً من النخبة السياسية الفلسطينية الاخرى ابقى الاقلية الفلسطينية في الداخل فريسة سهلة لاطماع الصهيونية الاستعمارية بالتضيق عليهم في قراهم ومدنهم وتحديد امكانيات تطورهم الاقتصادية والاجتماعية.

هذه الخطوات الثمانية كفيلة بتأجيج النقاش داخل اسرائيل وفي المؤسسات الدولية حول جرائم الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني. اسرائيل تبدلت وتغيرت في السنوات السبعين الماضية وهي تتجه بخطوات سريعة من العنصرية الشعبية الى العنصرية المؤسساتيه واصبحت بنصف قدم في ملعب الابارتايد … هذه الحقيقة يجب ان تكون محفز للفلسطينيين بان يغيروا استراتيجيتهم التي لم تتغير ولم تتطور منذ سبعين عام ؛ استراتيجية المساواة والعداله… ما هو مطلوب الان وبعد اعتراف رأس الهرم السياسي الصهيوني بمجزرة كفر قاسم هي استراتيجية هجومية مبنية على مبدأ تحقيق الحرية لاهل البلد الاصليين وليس المساواة مع المُحتَل.   

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى