أقلام وأراء

د. دلال صائب عريقات: الحكومة والانتخابات: وسيلة وليست غاية

د. دلال صائب عريقات 30-7-2023: الحكومة والانتخابات: وسيلة وليست غاية

يعود الحديث عن جولة جديدة للمصالحة واجتماع الأمناء العاميين للفصائل، هذه المرة برعاية مصرية شقيقة وحضور للرئيس أبو مازن بدعوة من الرئيس السيسي. اما فيما يتعلق بتمثيل الفصائل فلا جديد يذكر بعد كل هذه السنين. كما يكثر الحديث حول تشكيل حكومة جديدة ويشهد الشارع بالونات اختبار لتشكيلاتها ظنا من البعض ان تشكيل حكومة جديدة من شأنه ان يقلب الأحوال, التغيير صحي بلا شك في أي مكان أو مؤسسة, هنا أود التذكير انه ومع نهاية ٢٠١٨، تجلت الأزمات على المستوى الفلسطيني الداخلي، خاصة بعد طرح مشاريع قوانين الضمان الاجتماعي والأخطاء الطبية ولاحقاً قرار المحكمة الدستورية بحل المجلس التشريعي حتى فقدنا البوصلة واصبحت معضلة النظام السياسي اليوم تكمن في الانقسام من جهة وفي الخلط بين مهام السلطات التنفيذية والتشريعية وإرباك السلطة القضائية من جهة اخرى؛ فأصبحت السلطة التنفيذية تقوم مقام السلطة التشريعية، وحسب القانون الأساسي الفلسطيني تقدم السلطة التنفيذية ممثلة بالحكومة مشاريع قوانين، وحسب المادة ٤٣ تصدر المراسيم الرئاسية التي تأخذ صفة القانون طالما المجلس التشريعي متعطل في حال عدم انعقاد.

المادة ٢ من القانون الأساسي تؤكد على الفصل بين السلطات وان الشعب هو مصدرها. تعدد صلاحيات السلطة التنفيذية وتحولها من التنفيذ والرقابة وانشغالها بالتشريع هو أهم وأكبر التحديات بالتوازي مع الانقسام, هذه الحجة التي باتت تستخدم ضدنا من قبل الكثيرين!

ضروري تذكير المهتمين في الشأن العام ان الحكومة مهامها تنفيذية وخدماتية اما الانتخابات فمهامها إعادة الحياة للسلطة التشريعية!

لا خلاف منطقيا ان تشكيل حكومة أمر يسير بالتوازي مع اجراء الانتخابات على مستوى الوطن لإعادة التوازن للنظام السياسي وانهاء الانقسام، خاصة في ظل حكومة إسرائيلية متطرفة عنصرية لا تلتفت للفلسطينيين كبشر بالدرجة الأولى، مما يجبرنا للتحرك لإنقاذ بيتنا الداخلي بدلا من انتظار التغيير من الخارج.

لمَ لا تكون هذه الخطوة مدخلا جديدا للمصالحة والاتفاق على إجراء الانتخابات التشريعية في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس، لماذا لا نشجع على تهيئة الأجواء لإجراء هذه الانتخابات؟ تشكيل الحكومة يجب ان يأتي بالتوازي مع التحضير للانتخابات وليس ان تكون الانتخابات مهمة من مهام الحكومة!! ومن هنا نرى أن الانتخابات وتشكيل حكومة وحدة هي الوسيلة الأمثل لإتاحة الفرصة للمواطنين للمشاركة في إدارة الشؤون العامة وانتخاب ممثليهم وتعزيز أدوات الرقابة، وبالتالي احترام التزامات دولة فلسطين خاصة فيما يتعلق بالحقوق والحريات كما ستتمكن الحكومة من القيام بواجباتها التنفيذية والرقابية وستعمل السلطات بالتوازي لتكمل معاً ما نتمناه من فصل تناغم وانسجام بين التشريع والتنفيذ والقضاء.

المهم الْيَوْم اتخاذ قرار فلسطيني رسمي للتمهيد للانتخابات، فهي مسؤولية وطنية ومجتمعية بغض النظر عن تشكيل الحكومة، ولا بد من تكاتف الجهود من كل الأطراف رسمية او شعبية او منظمات المجتمع المدني لدعم وتأكيد اجراء الانتخابات. منذ تعطل المجلس التشريعي، حصل ارباك وخلط بين السلطات ادى إلى تراجع الأداء العام وتركزت السلطات بيد السلطة التنفيذية وتضاءل دور المحاسبة والمراقبة لانشغال المنفذين والمراقبين في مهام المشرعين، مما أدى لأزمة الثقة وروح سلبية وفقدان الأمل بواقع سياسي إيجابي يخدم المصلحة الوطنية.

صناديق الاقتراع وأصوات الشعب هي الكلمة الفصل عملاً بالقانون الأساسي والمشاركة السياسية، فمن حق الشعب أن يشارك في الحياة العامة عبر الانتخابات وتعطيل هذا الجانب لا يخدم مشروعنا الوطني كما شهدنا ويبعد الأجيال الشابة ويقصيها عن المشاركة في الحياة السياسية والعامة.

ندرك تماما عدم رغبة العديد من الجهات في اجراء انتخابات فلسطينية لأسباب شتى قد تتعلق بعدم قبولهم لنتائج الديمقراطية الفلسطينية سابقا, فهذه الأطراف تريد ان تصمم الديمقراطية الفلسطينية حسب مزاجها وتريد ضمان نتائج الانتخابات حسب أهوائها ومصالحها الاستراتيجية في المنطقة بغض النظر عن المصلحة الوطنية الفلسطينية العليا. لا ندعي هنا ان الانتخابات ستحقق التغيير ١٨٠ درجة كأثر العصا السحرية مثلا، ولكن الانتخابات هي وسيلة مهمة في حال تم تبنيها بشكل منتظم ومستدام تضمن تداولا ديمقراطيا للسلطة يقوم على أساس رغبة الشعب. الفلسطينيون في أمسّ الحاجة للخروج من هذا الفراغ السياسي, مهمة الفصائل انهاء الانقسام، وهذا يبدأ بالاتفاق على عقد الانتخابات. تشكيل حكومة جديدة ليس الحل, فلنتذكر جميعا ان الحكومة الحالية كانت مهام تشكيلها انهاء الانقسام وعقد الانتخابات ولم يتحقق أي منها. من الحكمة ان يعمل الأمناء العامون للفصائل على مسارين، هما الحكومة والانتخابات، فهي وسائل وليست غايات في سبيل إنهاء الانقسام وإعادة الحياة للمشروع الوطني.

– د. دلال عريقات، أستاذة الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الأمريكية.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى