أقلام وأراء

د. أماني القرم: لماذا لا تتوقف الحرب الروسية الأوكرانية ؟

د. أماني القرم 11-9-2022م

المعروف أن الحروب ليس لها تواريخ انتهاء عند بدئها … والحرب الروسية الاوكرانية التي بدأت منذ ستة ‏أشهر لا يبدو أنها ستنتهي قريبا رغم تداعياتها المؤلمة على الاقتصاد العالمي وحجم الخسائر والدمار الذي ‏لحق بطرفيها..كل الاشارات توحي بأن الحرب مستمرة لفترة ربما تصل لسنوات.. فبعد ان كانت تحتل ‏عناوين الاخبار الرئيسية في أشهرها الأولى تغطيات مكثفة لمسارها بالتزامن مع جهود دبلوماسية ووساطات ‏متعددة لوقف نزيفها، بدأت الدعوات التي تطالب بإنهائها تخبو شيئا فشيئا وباتت وكأنها واقع يجب التعامل ‏معه كما هو.. واستبدلت المناقشات حول الخطط المستقبلية لاعمار اوكرانيا بإعلانات تكاد تكون شهرية ‏حول سيل متدفق من المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا، صدر آخرها قبل يومين من قبل وزير ‏الخارجية الامريكية أنطوني بلينكن الذي أعلن عن حزمة دعم عسكرية جديدة لكييف بقيمة 2 مليار دولار. ‏

فضلا عن أخبار تتحدث حول اجتماعات مكثفة في البنتاجون للبحث في كيفية الاتجاه نحو مزيد من ‏الانخراط الامريكي في أوكرانيا عبر ربطها بعقود مبيعات أسلحة على مدار سنوات، وتدريبات وعملية ‏تحديث للجيش وتزويده بمعدات ورادارات من أبرز مهامها جمع معلومات استخباراتية حول روسيا..‏

لماذا لا تبدو نهاية للحرب كما كان متوقعا ؟ بعض من الاسباب المحتملة لاجابة هذا السؤال تكمن في:‏

أولاً : التحول في موازين القوة . في البداية اعلنت روسيا قيامها بعملية خاصة في أوكرانيا ، كان هناك شك ‏امريكي وعالمي في قدرة كييف على الصمود الطويل امام قوة الجيش الروسي. لكن مع اظهار أوكرانيا ثباتاً ‏وصبراً ،رغم الخسائر المادية والبشرية الهائلة، واستطاعتها إلحاق خسائر بالجيش الروسي أدت الى تمتعها ‏ببعض الفوز الرمزي على أرض الواقع ، الأمر الذي شجع واشنطن والغرب على التخلي عن سياستها الحذرة ‏لاستفزاز موسكو. كما أبرز الأهمية الاستراتيجية للدور الذي يمكن أن تلعبه كييف كحائط صد امام ‏الطموحات الروسية في التغلغل في القارة الاوروبية . وعليه، في نظر الولايات المتحدة طالما أثبتت أوكرانيا ‏قدرتها على التمسك بسياسة النفس الطويل ، سيستمر بتغذيتها بالسلاح وستزداد أهميتها بالنسبة للأهداف ‏الاستراتيجية الامريكية . ليس مهمًّا بالطبع حجم الخسائر والدمار الذي سيلحق بها في إطار ما يعرف ‏الاستراتيجية الأمريكية الكبرى إلا لأغراض الاستهلاك العالمي الاعلامي! ‏

ثانيا : التغيير في الأهداف. الحرب الأوكرانية الروسية تخطت مسألة كونها صراعاً اقليميًّا بين روسيا التي ‏تريد استعادة السيطرة على اوكرانيا وتعتبرها جزءاً من ارثها التاريخي وبين أوكرانيا التي تدافع عن استقلالها ‏ورغبتها اللحاق بالجبهة الغربية، إنّما باتت صراعاً بين روسيا من جهة وامريكا والناتو من خلفها من جهة ‏اخرى ضمن لعبة موازين القوى العالمية.

روسيا من جهتها تصر على إظهار أنها قوة عظمى ولذا فهي لن ‏تقبل أي شيء يفسر على أنه هزيمة ، كما أن مسألة استعجال انهاء الحرب لم تعد ضمن الحسابات في ‏موسكو استناداً لسياسة عض الأصابع . بوتين رغم العقوبات الاقتصادية الموجعة على بلاده يراهن على ‏مدى صبر أوروبا من الألم الناتج عن عواقب الحرب الدائرة حيث أزمة الغذاء والطاقة. أما الولايات المتحدة ‏من جهتها ، تحاول استثمار فرصة الحرب لتثبت أنها ماتزال تتمتع بالقيادة العالمية الغربية وأنها الوحيدة ‏القادرة على حماية الديمقراطيات الغربية رغم الفشل في أفغانستان والشرق الأوسط. كما أن إطالة أمد الحرب ‏واستمرار تزويد أوكرانيا بالسلاح يعنى مزيد من الاستنزاف لروسيا وتقهقرها وتحجيمها. ‏

ثالثا : درس للصين . لاشك أن الصين تتابع مآلات الحرب الروسية الأوكرانية بعدسة مكبرة خاصة فيما ‏يتعلق بالاستجابة الامريكية وردة فعلها ازاء الغزو الروسي لأوكرانيا .. واشنطن بتخليها عن السياسات الحذرة ‏وتصعيد درجة العقوبات ضد روسيا والدعم العسكري اللانهائي لكييف تريد أن تظهر للصينيين ما هو ‏مؤشرات التعامل الامريكي تجاه أية تحركات صينية ضد تايوان! ‏

وبناء على ما سبق ما الفائدة من السعي لإنهاء الحرب الان ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى