#شؤون مكافحة الاٍرهاب

دوافع رغبة إخوان السودان في السيطرة على التنظيم الدولي

موقع المرجع مسلم هنيدي، محمد الدابولي – 22/10/2018

لم تمر ثورة الشعب المصري في 30 يونيو، وإنهاء حكم جماعة الإخوان المسلمين، إلا وبدأت بعض الدول الراعية للتنظيم في الكيد لمصر، وتقديم الدعم المباشر للجماعة، مستغلة الجغرافيا السودانية التي مثلت نقطة تجمع للعناصر الفارة من الملاحقات القضائية في مصر.

دوافع رغبة إخوان

فمنذ فض اعتصام رابعة، عمد إخوان السودان على التظاهر في ميادين الخرطوم، رافعين شعار رابعة، هذا إضافة إلى توفير ملاذات آمنة لاستقبال أفراد الجماعة الفارين مما ارتكبوه من جرائم في حق الشعب المصري، وكان أبرزهم نائب المرشد «محمود عزت»، والداعي للإرهاب «وجدي غنيم»، والعشرات غيرهم من أنصار التيار المتطرف.

أسهم الوجود الإخواني في السودان في توتير العلاقات «المصرية – السودانية»، الأمر الذي دفع السلطات السودانية إلى إجراء مراجعة سريعة لموقفها هذا، وضبط الوجود الإخواني في بلاد النيلين، الأمر الذي دفع السلطات السودانية في فبراير، ومارس 2018 إلى اتخاذ قرارات أكثر حدة تجاه الوجود الإخواني في السودان؛ حيث ألزمت عناصر الجماعة ممن يحملون الجنسية المصرية ضرورة مغادرة الأراضي السودانية؛ استجابة للمطالب المصرية، وهو ما يُمثل نقطة تحول كبرى في فرع الجماعة في السودان والتيارات المحسوبة عليه.

اكتسب الوجود الإخواني في السودان حالة من الخصوصية؛ حيث ارتبط «حزب المؤتمر الوطني السوداني» الحاكم، بعلاقات وثيقة بجماعة الإخوان في السودان، بزعامة «حسن الترابي»، الذي كان عضوًا بارزًا في الحزب حتى عام 1999.

انشق «الترابي» في نهاية الألفية عن الحزب الحاكم، وأنشأ حزبًا آخر تحت مسمى «حزب المؤتمر الشعبي السوداني»، في محاولة منه لإضعاف حكومة الرئيس «عمر البشير»، وبعد الانفصال بين الجماعة وحزب المؤتمر الوطني ظلت العلاقة بين الطرفين في حالة من الشد والجذب، وهو ما ألقى بظلاله على العلاقة بين إخوان السودان وإخوان مصر.

لذا تستهدف الورقة تسليط الضوء على تلك الأجواء، لمعرفة موقف فرع جماعة الإخوان في السودان من التنظيم الأم في مصر، في ضوء المستجدات الراهنة، سواء على الساحة المحلية في السودان، والساحة الإقليمية التي تشهد إجماعًا على ضرورة وقف النشاطات المتطرفة للجماعة، وهو ما سيتم تناوله في النقاط التالية:

أولًا: حجم الوجود الفعلي للتنظيم في السودان

كان متوقعًا أن يكون فرع حركة الإخوان في السودان من أول الفروع التي تنشأ خارج مصر للاعتبارات الجيوسياسية التي كانت تربط البلدين؛ حيث وحدة وادي النيل، فضلًا عن الوفود التعليمية السودانية في القاهرة التي شكلت بيئة خصبة لتجنيد السودانيين، كما أرسلت الجماعة وفودًا إلى السودان بدءًا من عام 1945 لاستقراء الوضع هناك.

وبعد أن حُلت الجماعة في مصر عام 1948؛ هاجر عدد كبير من عناصرها المصريين إلى السودان من مختلف التخصصات، فأسهم ذلك في بناء حركة إخوانية شاملة في كل قطاعات المجتمع السوداني، وظهر أول تنظيم إخواني بقيادة «بابُكر كرار» و«ميرغني النصري»، وأطلق على هذه المجموعة اسم «الحزب الاشتراكي الإسلامي»، وذلك مراوغة من الفرع السوداني خشية تعرض الحزب للحل؛ نظرًا للوحدة السياسية بين البلدين في ذلك الوقت، ما يعني أن تطبيق قرار حل الجماعة كان يشمل مصر والسودان باعتبارهما قطرًا واحدًا؛ لذا جرى تغيير مسمى الجماعة في السودان إلى الحزب الاشتراكي الإسلامي.

تميزت الحياة السياسية في السودان عمومًا بكثرة الانشقاقات الحزبية، وهو ما انعكس على حالة الإخوان؛ حيث كثرت الانشقاقات داخل التنظيم، ما أدى لظهور العديد من الحركات التي تحمل فكر الجماعة، لكن بمسميات مختلفة، مثل:

الحزب الاشتراكي الإسلامي: تأسس عام 1949 – 1954، بمجهود طلاب جامعة الخرطوم بقيادة «بابكر كرار»، و«ميرغني النصري».

الإخوان المسلمين في السودان: 1954 – 1964، وجاء اختيار الاسم بعد المؤتمر الأول، واختيار المراقب العام الأول الأستاذ «محمد الخير عبدالقادر».

جبهة الميثاق الإسلامي: تأسست عام 1964 كتحالف إسلامي بين «الإخوان المسلمين» و«السلفيين» والطريقة «التيجانية» الصوفية، وانتخبت «حسن الترابي»، أمينًا عامًّا في 1969.

الجبهة الإسلامية القومية: أسسها «حسن عبدالله الترابي» عام 1986، لتصبح حزبًا إسلاميًّا، واستطاع من خلالها اختراق البرلمان والحكومة والجيش.

جماعة الاعتصام بالكتاب والسنة: أُنشئت عام 1991 وانتُخب الشيخ «سليمان أبو نارو» رئيسًا لها.

حزب المؤتمر الشعبي: أسسه «حسن الترابي» عام 1999 بعد انشقاق «الترابي» عن المؤتمر الوطني.

وإضافة إلى التطور التنظيمي، تطوّر مسار التنظيم داخل المجتمع السوداني، وفي مؤسسات الدولة على مدار تلك العقود؛ ليكتسب عناصره بعض الخبرات في مجالات مختلفة لإدارة الدولة، كان أزهى موجاتها من خلال مشاركتهم لنظام الرئيس «جعفر نميرى» عقب المصالحة الوطنية في 1977، فزرعوا كوادرهم في جسد الدولة بشكل تدريجي، وانتشروا في الهيئات والمؤسسات المدنية والوزارات المختلفة، وقاموا بضخ كوادرهم في أفرع ومؤسسات الجيش.

كما توسع النشاط الاقتصادي للإخوان في السودان، خاصة مجال السلع الاستهلاكية والسلع الكمالية، ولهم حاليًّا نشاط اقتصادي بالمدن الريفية كمدينة «كسلا»، و«مدني، و«الأبيض»، وغيرها.

ثانيًّا: الصراع على صدارة التنظيم الدولي

يمكن ملاحظة المنافسة بين فرع التنظيم في السودان، مع نظيره الأم في مصر، حول صدارة المشهد في التنظيم الدولي، فإخوان السودان مدفوعون ببعض النجاحات المحلية في فترة التسعينيات، رأوا أحقيتهم في قيادة التنظيم بديلًا عن المكون المصري الذي لم يستطع فرض سطوته إلى الآن على المشهد المصري.

يمكن ملامسة السعي السوداني للسيطرة على التنظيم الدولي ورفضه سيطرة العنصر المصري في النقاط التالية:

متلازمة القيادة: من الأمور التي أصابت فرع الجماعة في السودان، هو الحضور الطاغي لزعيمها حسن الترابي، الذي كان ينظر لذاته ليس فقط زعيمًا للفرع السوداني، بل أيضًا للجماعة الأم والتنظيم الدولي؛ حيث أبدى في مواقف عدة رفضه لطغيان المكون المصري على التنظيم الدولي.

تفرد التجربة السودانية: مثلت تجربة إخوان السودان تجربة متفردة للغاية، إذ نجحت في أكثر من مرة في الوصول إلى السلطة، سواء في عهد جعفر النميري، أو في عهد عمر البشير، وبالتالي ينظر أنصار الجماعة في السودان على أنهم الفرع الأكثر وعيًا من نظرائهم المصريين.

السياق المحلي: اختلاف السياق المحلي الذي نشأت فيه الجماعة في السودان عن السياق الذي نشأت فيه في مصر، فالسياق المصري غلب عليه العمل السري، أما في السودان فكانت أكثر علنية؛ حيث كانت تعقد المؤتمرات بشكل علني، فضلًا عن المشاركة في الحكم.

الانقلاب عن التنظيم الدولي: لم يكتفِ «الترابي» بالتصريحات المعادية للتنظيم الدولي، بل سعى لتشكيل تنظيم بديل؛ حيث اقترح في عام 1987 إنشاء جهاز تنسيقي بين أفرع الجماعة وباقي الحركات الإسلامية، ونجح في عقد مؤتمر عام 1988 لبحث هذا الغرض، ما أدى إلى هجمة إعلامية من التنظيم الدولي ضد المؤتمر، ووسمته صحيفة المجتمع الكويتية باسم تنظيم الضرار، واتهمت «الترابي» بزرع بذور الفتنة.

ثالثًا: التكامل والاحتواء

بعد المؤتمر الذي عُقِد في الخرطوم عام 1988 اتجهت العلاقات بين الطرفين نحو التهدئة وتنقية الأجواء، نتيجة العديد من العوامل المستجدة، أبرزها تغيير النظام في السودان، وحاجة «الترابي» ورفاقه إلى الدعم الإخواني في البلاد الأخرى، إذ أنشأ عام 1991 «المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي»، وضم في طياته العديد من الحركات الإسلامية والعروبية والشيوعية في المنطقة العربية، مثل حزب «البعث» العراقي، إضافة إلى مشاركة التنظيم الأم، وهو ما مثّل مخرجًا للأزمة التي افتعلها «الترابي» عام 1988.

استمرت العلاقة بين الطرفين في هدوء تام خلال العقدين الأخيرين، متجاوزة التوترات التي تمت بين مصر والسودان كقضية حلايب وشلاتين، ومحاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، ويُشار هنا إلى أن المرشد السابق لجماعة الإخوان «مهدي عاكف»، أدلى بتصريحات اتسمت بالميوعة إزاء قضية حلايب وشلاتين، اعتبرت من قبل المصريين تفريطًا في أرض مصرية.

بعد ثورة 30 يونيو، عادت جماعة الإخوان في السودان من جديد للمشهد؛ نظرًا لتوفير الفرع السوداني ملاذات آمنة للعناصر الفارين من مصر؛ حيث شكل الفرع السوداني نقطة التقاط لجميع شتات الإخوان، كما تحولت العلاقة بين إخوان السودان والتنظيم الدولي إلى علاقة تكاملية؛ حيث سمح التنظيم لعناصره الأثرياء بالوجود في السودان وضخ العديد من الاستثمارات في السوق السودانية.

ومما يزيد الأمور توافقًا بين الطرفين هو إجراء جبهة «محمود عزت» الموجودة بالسودان، انتخابات هيكلية داخلية للتنظيم، ما يوحي بأريحية كبيرة يتلقاها الإخوان في السودان.

إلا أن الأمور في المرحلة المقبلة مرشحة لمزيد من التقلبات على خلفية التطورات الإقليمية الجارية في المنطقة، فمنذ ربيع 2018 تشهد العلاقات المصرية السودانية تحسنًا ملحوظًا، الأمر الذي انعكس على وضع الجماعة في السودان، التي قررت في ذات العام ضرورة مغادرة العناصر الإخوانية المصرية أراضيها؛ استجابة للضغوط المصرية المتزايدة، ومن المحتمل أن يستمر التوافق المصري السوداني في الصعود، خاصة بعد الزيارة المرتقبة للرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي» للعاصمة السودانية الخرطوم، يوم الخميس المقبل 25 أكتوبر 2018، وهو ما يُمثل تطورًا نوعيًّا في العلاقات بين البلدين.

لذا باتت مساحات الحركة للفرع الإخواني السوداني محدودة للغاية، فمن ناحية خسر الفرع السوداني فرصة الاستقواء بالتنظيم الدولي لإعادة تثبيت وجوده السياسي مرة أخرى في السودان، ومن ناحية أخرى بدت الحكومة السودانية غير متوافقة مع سياسات الجماعة، وتتجه بشكل كبير نحو المحور «المصري السعودي الإماراتي» الذي يشكل رأس الحربة في مواجهة جماعة الإخوان.

ونقطة أخرى لا يمكن إغفالها، وهي وفاة المؤسس الحقيقي لجماعة الإخوان في السودان «حسن الترابي» في مارس 2016، وهو ما يُعَدُّ خسارة كبيرة للفرع السوداني؛ حيث لعبت شخصية الترابي الكاريزمية دورًا محوريًّا في بروز طموحات الفرع السوداني في إزاحة هيمنة الفرع المصري على التنظيم الدولي.

وأخيرًا.. يتضح من العرض السابق أن علاقة الفرع السوداني لجماعة الإخوان بالتنظيم الدولي لم تكن ثابتة على وتيرة واحدة، بل اتخذت العديد من الأشكال والصور، ففي البداية لجأ الفرع السوداني إلى إنكار تبعيته للتنظيم الأم  خشية الملاحقة الأمنية، ثم تطور الأمر بعد ذلك لينافس التنظيم الأم في القاهرة على السيطرة والهيمنة على ما يُسمى بـ«التنظيم الدولي»، وأخيرًا دفعت الظروف الفرع السوداني إلى الانزواء مرة أخرى تحت مظلة التنظيم الأم.

المصادر والمراجع:

(1) ذكرى ثورة 30 يونيو .. «أهل الشر» دول حاربت مصر لأنها أسقطت تنظيم الإخوان، موقع المواطن 29/يونيو/2018 م.

https://www.elmwatin.com/464351/%D8%B0%D9%83%D8%B1%D9%89-%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-30-%

(2) مظاهرات وإقالات وحشود عسكرية ومحاولات انقلاب.. ماذا يجري في السودان؟، موقع العدسة 21 يناير 2018.

http://thelenspost.com/2018/01/%D9%85%D8%B8%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%A5%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA

(3) الإخوان المسلمون في السودان (طموحات «الترابي».. ورحلة الصعود والهبوط) 2 يونيو 2014، بوابة الحركات الإسلامية.

http://www.islamist-movements.com/2701

(5) إخوان السودان.. حسابات ربع قرن، 28 مايو 2014، الشرق الأوسط.

https://aawsat.com/home/article/105601

(6) بالوثائق.. خارطة جماعة الإخوان المسلمين في السودان، 21 فبراير 2018، موقع الأمصار.

http://www.alamsar-dostor.org/3920

(7) الإخوان في السودان: على أعتاب الانشقاق الرابع، 17 يونيو 2016، موقع إضاءات.

https://www.ida2at.com/the-brothers-in-sudan-on-the-threshold-of-the-fourth-split/

(8) التنظيم الدولي.. معالم التصدع ومظاهر الانشقاق، 24 أغسطس 2017، صحيفة الرياض.

http://www.alriyadh.com/1618927

(9) طرق هروب زعماء الإرهاب خارج مصر بالتعاون مع تجار مخدرات وسلاح للفرار إلى ليبيا والسودان..، 21 يناير 2014، اليوم السابع.

https://www.youm7.com/story/2014/1/21/%C2%AB%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%A8%D8%B9%C2%BB

(10) نظام البشير.. مواقف للإيجار وانبطاح لتركيا لإطالة عمر الإخوان، 16 أبريل 2018، موقع العرب.

https://alarab.co.uk/%D9%86%D8%B8%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B4%D9%8A%D8%B1

(11) القاهرة.. اجتماع رباعي لخارجية ومخابرات مصر والسودان، 4 فبراير 2018، العربية نت.

https://www.alarabiya.net/ar/arab-and-world/egypt/2018/02/04/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%87%D8%B1%

(12) أي مشروع للإخوان المسلمين في دولة السودان «الإسلامية»؟ : حوار مع الحبر نور الدائم المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين بالسودان، مرصد الحركات الاسلامية.

http://tammam.org/%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%A1%D8%A7%D8%AA/326–qq-.html

(13) سودان ما بعد رفع العقوبات الأمريكية.. تحسن بالأوضاع الداخلية والخارجية وارتفاع بأسعار النفط، 7 أكتوبر 2017.

https://www.youm7.com/story/2017/10/7/%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D9%85%D8%A7-%D8%A8%D8%B9%D8%AF

(14) القاهرة تعلق على أنباء طرد الخرطوم لقيادات مصرية من جماعة «الإخوان المسلمين»، 19 فبراير 2018، موقع  Sputnik عربى.

https://arabic.sputniknews.com/arab_world/2018021910301186%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A9

(15) هل يستطيع البشير طرد الإخوان من الخرطوم؟، 1 فبراير 2017. بوابة الأهرام.

http://gate.ahram.org.eg/News/1387116.aspx

(16) الإخوان في السودان: على أعتاب الانشقاق الرابع، مرجع سبق ذكره.

(17) أصوليون يشرحون أصول الخلاف داخل الحركة الاسلامية السودانية، 30 مايو 2011، صحيفة البيان الإماراتية.

https://www.albayan.ae/one-world/2001-05-30-1.1160575

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى