ترجمات عبرية

جاكي خوجي يكتب – من الحرية الى العبودية

بقلم: جاكي خوجي، معاريف 19/4/2019

يكاد يكون بالسر أدت حكومة جديدة في السلطة الفلسطينية اليمين القانونية يوم السبت. في غزة يرفضون الاعتراف بها، لانها لم تعين في إثر انتخابات حرة. اما في الشارع فكان رد الفعل مهينا أكثر. الجماهير غير مكترثة بل وفي معظمهم لا يعرفون بان مكنسة جديدة، محمد اشتيه اسمها، عين لادارة شؤونهم. 21 وزيرا في هذه الحكومة، 16 منهم جدد. وحرص اشتيه على تشكيلة متنوعة. الى جانب القدامى، مقربي الرئيس، عين رجال أعمال، ممثلي احزاب مدنية، بعض اصلهم من غزة، وثلاث نساء.

د. اشتيه هو الدليل على أن حتى التعيينات التي ليست في اطار الاجراء الديمقراطي لا تكون احيانا سيئة على الاطلاق. فهو المرشح الاكثر ملاءمة للمنصب من بين كل البيروقراطيين الذين يحيطون ابو مازن. فهو متفكر، ذو القاب جامعية في الاقتصاد وادارة الاعمال، له تجربة سياسية وهو مقرب من الرئيس. في شبابه كان ضمن الفريق الفلسطيني لمحادثات اوسلو. مرتان شغل منصب وزير البناء والاسكان. اما الدكتوراة في بحوث التنمية فقد حققها في جامعة ساسكس في انجلترا. سلفه، هو الاخر، د. رامي الحمدالله، هو اكاديمي استدعي الى السياسة.

ان التحدي الاكثر جدية الذي يقف امامه اشتيه هو اقتصادي. لديه خطة احتياطية لتشجيع الانتاج وتنمية الاقتصاد من الداخل. غير أنه لسوء حظه، قليل جدا يوجد في يديه. اشتيه كفيل بان ينجح في دمج خريجي الجامعات في السوق الخاصة وفي تشجيع الناتج القومي الخام، ولكن في نهاية المطاف، فان القرارات عن المال الكبير توجد في القدس. في هذه الايام في المقاطعة، من ينظر الى السماء يرى سحبا متكدرة. يدعي اشتيه بان اسرائيل والولايات المتحدة شرعتا ضد السلطة بحرب نقدية. فقد قلص الامريكيون ميزانيات الدعم للسلطة الواحدة تلو الاخرى وسحبوا من وكالة الغوث 370 مليون دولار في السنة. الاونروا، رغم المشاركة السياسية التي ارتبطت باسم الوكالة، مسؤولة عن اقتصاد مئات الاف العائلات في غزة وفي الضفة. ففي القطاع مثلا، هي المشغل الاكبر بعد حكومة حماس.

مع اسرائيل الازمة اكثر تعقيدا. هذه ازمة جديدة، ولهذا السبب فان آثارها ليست معروفة بعد في الخطاب العلني. وهي خطيرة على السلطة في المدى القصير، وخطيرة على اسرائيل بعد ذلك. في كل شهر تحول وزارة المالية الى السلطة نحو 800 مليون شيكل، معظمها اموال الضريبة التي تجبيها اسرائيل، اساسا من مشغلي العمال. ولكن هذه اموال السلطة وهي تستحقها وفقا للملحق الاقتصادي لاتفاقات اوسلو. وهي تحتاجها مثلما تحتاج الى الاكسجين. وفي حساب سنوي، يدور الحديث عن 9 مليار شيكل تقريبا – نحو نصف الميزانية السنوية للسلطة.

على كل الصندوق

نشبت مؤخرا أزمة حادة بين رام الله والقدس. فقد قررت حكومة اسرائيل مكافحة الدعم المالي الذي تمنحه السلطة لعائلات الاسرى الامنيين وعائلات الشهداء. قانون جديد قضى بان كل شيكل تدفعه السلطة للعائلات وللاسرى يخصم من مبالغ الضرائب التي تحول اليها. وكان قانون اقتطاع اموال الارهاب اتخذ في صيف 2018، ونفذ لاول مرة عشية الانتخابات. بالمتوسط، يدور الحديث عن 40 مليون شيكل في الشهر.

في رام الله غضبوا. انتم تمدون اليد الى جيبنا وتسرقون اموالنا، قال ابو مازن ورجاله لكل اسرائيلي حل ضيفا عنده. السجناء والشهداء، كما حاولوا الشرح، هم خط أحمر. حتى لو بقي شيكل واحد في صندوق السلطة، سيذهب الى مخصصات السجناء. ليس بسبب المبدأ بل بسبب الاضطرار. فالسجناء والشهداء هم مخربون وقتلة اطفال في نظرنا نحن الاسرائيليين، ولكن المجتمع الفلسطيني يرى فيهم مقاتلي استقلال بقوا في الخلف.

المشكلة هي ان ابو مازن قرر السير في هذه القضية على كل الصندوق. هو ورجاله بلغوا اسرائيل إما كل شيء أو لا شيء. اذا حسمت اموال السجناء فلا تحولوا شيكل واحد من كل ما تبقى. وهكذا نشأت في الشهرين الاخيرين حفرة من مئات ملايين الشواكل في صندوق السلطة. ويضاف هذا العجز الى اموال الدعم الامريكي التي اقتطعت في اثناء 2018.

في القدس حاولوا اجراء مناورة. فقد بعثت المالية بالمال الى رام الله رغم معارضة السلطة. وفي الغداة اتصل احد مقربي ابو مازن وبصوت غاضب طلب من محادثه في الطرف الاسرائيلي ان يستعيد مئات الملايين. صحيح حتى الان، تعيش السلطة على السحب الزائد من البنوك. وهي مدينة بالمليارات لبنك فلسطين. في رام الله يتابعون بدهشة الاتصالات بين اسرائيل وحماس. نحن نتعاون مع الجيش والمخابرات الاسرائيلية في القضاء على العمليات، يقولون، وبالمقابل، نعاني من وقع ذراعكم؛ اما حماس، بالمقابل، فتنغص حياتكم، وانتم تمنحونها الهدايا.

سيقول الاسرائيلي المتوسط لنفسه، ما الذي يهمني. فلينهاروا. المشكلة هي انه منذ شهرين تقتطع رواتب موظفي السلطة بالنصف. والموظفون الذين يتلقون 1.000 شيكل في الشهر وجدوا انه اودعت في حساباتهم مئات الشواكل فقط. وفي الاشهر القادمة، اذا استمرت الازمة سيتوقف دفع الرواتب. في المدى الابعد، يمكن لهذا الوضع أن يعرض للخطر الاستقرار الامني في المناطق. جهازا الامن في  السلطة، المخابرات العامة والامن الوقائي، هما شريكان للشاباك وللجيش الاسرائيلي في احباط العمليات ضد الاسرائيليين. تصوروا ان يجد هؤلاء الضباط والعاملين انفسهم فجأة عاطلين عن العمل بسبب أزمة بين رام الله والقدس، بدايتها في قانون اقتطاع اموال المخربين.

في سيناريو متطرف، فان هذه القصة هي بداية الكابوس الاسرائيلي. السلطة تنهار ماليا، ويذهب موظفوها ادراج الرياح. الاقتصاد الفلسطيني يجف مثلما في غزة. وفي رام الله لن يكون رب بيت ولا عنوان. لا بائس او طاعن واحد سيسجل هنا في اسبوع واحد، بل مئات. ابو مازن، الذي يدعو في كل خطاباته الى عدم استخدام العنف سيكون رئيس سلطة بلا سلطة. رجاله لن يتعاملوا بقبضة حديدية مع الجمهور ولن يتمكنوا من لجم الشبان المتمردين، ببساطة لانه لن يكون له رجال.

القرار الان هو في يد حكومة اسرائيل. هل ستصر على مواصلة اقتطاع مخصصات السجناء وعائلات المخربين، ام تتراجع وهكذا تستقر السلطة. المشكلة في اساسها مشكلة صورة. اذهب وتراجع عن موقفك الان، بعد استعراض التصميم الذي ابداه وزراء الحكومة على هذا القرار قبل الانتخابات. احدى الامكانيات التي ينظر فيها الان هي اجراء تحكيم دولي بين اسرائيل والسلطة. اذا نجح، “ستضطر” القدس الى التراجع، بضغط من التحكيم.  يقود الخطوة الفرنسيون. فعندهم وقع الملحق الاقتصادي لاتفاقاتاوسلو والمسمى “اتفاقات باريس”.

آية من القرآن

في رام الله يشعرون هذه الايام بان خطر الانهيار الاقتصادي يقبع لهم على الابواب. خلف الزاوية ينتظر نشر خطة السلام لترامب. تفاصيلها الكاملة لم تنقل الى الطرفين، ولكن حسب كل المؤشرات فان قسمها التجاري سيكون متطورا على نحو خاص. فهي ستضمن للفلسطينيين الكثير جدا من المال، الاستثمارات الاجنبية ومحركات نمو لم يحلموا بها ولكنها ستطالبهم بالتنازل في مسألة القدس والحدود. ترامب لن يضعها على الطاولة وينتظر الاجوبة. معقول أن يمارس عليهم ضغوطا شديدة للموافقة عليها. وعندما تتعلق الضغوط بالمال، يمكن للسلطة أن تقف عند موقفها فتنهار ببطولة. فعندما يكون الامر يتعلق بالقدس، لم يولد بعد الزعيم الفلسطيني الذي يساوم عليها.

في منتهى السبت انطلق احتفال “القدس عاصمة الثقافة الاسلامية”. هذا حدث سنوي، برعاية السلطة الفلسطينية، يستهدف ابداء الحضور في المدينة، واظهار الصلة التاريخية بالثقافة الاسلامية والعربية، في عصر تجتاز فيه تهويدا. والخطاب الذي القاه ابو مازن بالمناسبة بدأ بتلاوة آية من القرآن. الرئيس ليس متدينا، واستخدام آية قرآنية في بداية خطابه، مثلما درج زعماء الدين ليس اعتياديا. كانت هذه آية 39 في سورة الحج في القرآن. “أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ  الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ “، ولاحقا: ” وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ“.

قلة من الفلسطينيين استمعوا الى الخطاب. فالفلسطيني البسيط غارق في شؤونه. ولكن استخدام الآية يستوجب البحث. فأي قسم منها هو الاساس من ناحية ابو مازن؟ هل هو الاذن الذي يتحدث عن حق المظلومين في القتال، أم الدفع الذي يعنى بملاحقة  المؤمنين والمس بالعبادة؟ واذا كان القسم الاول، الخطير، فهل هذا هو مجرد تحذير للاسرائيليين أم أمر لجماهير الفلسطينيين؟ لا يمكن أن نعرف ما الذي مر على رأس ابو مازن حين اختار هذه الآية، ولكن يمكن القول ان هذا الوقت من ناحيته ليس ككل الاوقات. فباحساسه اذا لم تطرأ انعطافة، ففي هذه الايام سيخرج الفلسطينيون من الحرية الى العبودية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى