شؤون مكافحة الاٍرهاب

تنظيم القاعدة في سوريا.. الماضي والحاضر والمستقبل

مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية – 4/4/2018 – تقرير بقلم: سيث جونز, تشارليز فاللي, ماكسويل ماركوسن
إعداد نورهان جمال
السلفية الجهادية, حراك جديد يطفو على السطح ويعكس مدى المخاطر التي يواجهها العالم في العصر الحديث. من المتعارف عليه أن ترتكز جماعات السلفية الجهادية المتشددة في مناطق محددة خاصة منطقة الشرق الأوسط وقارة أفريقيا, لكن على عكس المتوقع, بدأت هذه الجماعات في تغيير نمط عملياتها بحيث يتسع ويشمل شن هجمات في مختلف الدول والمناطق العالمية، ويأتي تنظيم القاعدة أو تنظيم قاعدة الجهاد في طليعة هذه التنظيمات الجهادية المتطرفة، وظن العالم أجمع أن بقتل أسامة بن لادن, مؤسس التنظيم, ينتهي كابوس الإرهاب والتطرف, في حين أثبتت الأعوام الأخيرة أن شبح الإرهاب والتطرف لم ولن ينتهي, بل إنه في تطور وتغير متواصل, وتعمل شبكاته وأذرعه المختلفة بعزم كامل على الرغم من مواجهتها لمصاعب متنوعة.
في هذا السياق, نشر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية, تقرير تحت عنوان “حملة نضال تنظيم القاعدة في سوريا: الماضي, الحاضر, والمستقبل”, أعده كلٍ من سيث جونز, وتشارليز فاللي, وماكسويل ماركوسن, وتناولوا فيه كفاح تنظيم القاعدة في سوريا من أجل خلق حيز نفوذ يساعد التنظيم على تطبيق مباديء الجهاد الدولي، انقسم التقرير إلى خمسة فصول, حيث تحدث المؤلفون في البداية عن بداية وجود التنظيم في سوريا, ثم تعرضه لخلافات داخلية خلفت انشقاقات بين عناصره, ثم المصاعب والتحديات التي تحول دون تحقيق أهداف التنظيم, وأخيرًا تكهنات بمستقبل التنظيم في سوريا.
أول موطىء قدم للقاعدة في سوريا:
عرض التقرير تفاصيل تاريخية حول بداية وجود تنظيم القاعدة في سوريا, مؤكدًا على أن أحداث عام 2011 فتحت الباب أمام تحقيق تنظيم القاعدة لتطلعاته في الشام، فقد مثّلت أحداث 2011 فرصة لأيمن الظواهري, زعيم تنظيم القاعدة, لتوسيع نفوذ التنظيم إلى سوريا لكنه فضّل أن تكون تطلعات التنظيم سرية، حينها حث الظواهري الشعب السوري في بيان أصدره في يوليو 2011 على الإطاحة بحكومة بشار الأسد وتأسيس إمارة إسلامية، كما ذكر الظواهري أن الصراع السوري هو جزء من الحملة العالمية لتأسيس خلافة إسلامية, أي أن صراع سوريا في نظر التنظيم هو جزءًا من مهمة دولية تُنفذ في مناطق متعددة وترمي إلى الإطاحة بالأنظمة الحاكمة لتطبيق الشريعة الإسلامية بشكل متطرف.
عندما بدأت الحرب في سوريا في عام 2011, خطط البغدادي, الذي كان قد مر عام على توليه إمارة تنظيم دولة العراق الإسلامية, جماعة منتمية للقاعدة حينذاك, لتأسيس موطئ قدم لتنظيم القاعدة في سوريا، لذلك أرسل البغدادي بشكل سري أبو محمد الجولاني وعناصر أخرى إلى سوريا للمشاركة في التمرد هناك والمساعدة في الإطاحة بالنظام الحاكم. وقال المؤلفون إن قدرات تنظيم الجولاني المسمى بـ”جبهة النصرة” تزايدت مع مرور الوقت, وأصبحت النصرة تتمتع باكتفاء ذاتي, وضمنت مصادر تمويل في الخليج الفارسي والشام, وتمكنت من اجتذاب أعداد متزايدة من المقاتلين وأتقنت شن الهجمات. وأضاف المؤلفون أن النصرة استفادت عندما أطلق بشار الأسد سراح المتطرفين من عدة سجون سورية, ووصف المؤلفون إجراء الأسد بأنه لعبة مزدوجة تعمد لعبها مع المتطرفين, حيث كان يقاتل البعض منهم في أرض المعركة, بينما أطلق سراح البعض الآخر من السجون لكي يدعم حجته القائلة بأن المعارضة السورية تضم إرهابيين.
وكشف التقرير أن العلاقة بين دولة العراق الإسلامية والقاعدة تدهورت, ما مثّل إلى حد ما أبرز صراع داخلي في تنظيم القاعدة, لأن البغدادي أراد أن تواصل جبهة النصرة عملها تحت تنظيمه, حيث أعلن أن النصرة جزء من وامتداد لها, ولذلك أفصح عن إلغاء تسمية دولة العراق الإسلامية وتسمية جبهة النصرة ودمجهما تحت مسمى واحد وهو: تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، لم يُعلم البغدادي الجولاني بهذه التطورات, كما أن الجولاني اعترض على أن يكون تحت سيطرة وقيادة البغدادي, ثم تعهّد بالولاء لأيمن الظواهري مشددًا على انتماء النصرة للقاعدة.
ثم تصاعدت التوترات ودفعت الظواهري للبت في الأمر, حيث أرسل في مايو 2013 خطاب إلى البغدادي والجولاني يحثهما على حل النزاع المتصاعد بينهما, معربًا عن إحباطه إزاء النزاع لأنه برهن على روابط التنظيمات في سوريا بتنظيم القاعدة, وهو الأمر الذي لطالما سعى إلى إخفاؤه, وأضاف الظواهري أن الجولاني أخطأ عندما أعلن عن رفضه لتنظيم داعش وارتباط النصرة بالقاعدة دون مشورة الظواهري أو حتى إعلامه. وقال أيضًا في خطابه أنه علم بشأن الخصومة من وسائل الإعلام, وهي الإشارة على أنه كان خارج دائرة اتخاذ القرار، كما قال إنه استمع لحجج الطرفين وتشاور مع قادة القاعدة وكان قراره في النهاية لصالح الجولاني, موضحًا أن النصرة فرع مستقل لجماعة قاعدة الجهاد يتبع القيادة العامة”، لكن البغدادي اعترض على قرار الظواهري.
ثم في يناير 2014, حث الظواهري مجددًا على وضع حد للخلاف الدائر بين دولة العراق الإسلامية وجبهة النصرة, لكن دون جدوى، وبعدما أخفقت وساطة الظواهري في حل الخلاف, اضطر الظواهري في فبراير 2014 إلى طرد البغدادي من تنظيم القاعدة، ومن هنا بدأ تنظيم الدولة الإسلامية في النمو كتنظيم مستقل ينافس تنظيم القاعدة من حيث الشرعية الأيديولوجية والتجنيد والتمويل والسيطرة الجغرافية.
ظلت جبهة النصرة في سوريا كجماعة منتمية للقاعدة وتعمل في غرب سوريا وفي فترات مؤقتة في بعض المحافظات الشرقية كدير الزور والرقة، بينما كان معقل تنظيم الدولة في شرق سوريا على الرغم من أنه سيطر على بعض الأراضي في الغرب، وما زاد الطين بلة هو قيام الظواهري بإخطار أبو الخير المصري, عضو في القاعدة مقيم في إيران سافر في وقت لاحق إلى سوريا, أن التواصل معه سيكون غير متاح لفترة محددة.
الخلاف والانشقاقات:
عرض التقرير في هذا الفصل مرحلة جديدة مرت على جبهة النصرة في سوريا, وهي مرحلة الاندماج والتداخل مع الجماعات الجهادية الأخرى، ففي عام 2016, تناقشت جبهة النصرة وجماعات متمردة أخرى حول مسألة الاندماج, وفي الواقع, رأى المؤلفون أن هناك عدة دواعي دفعت للتفكير في مسألة الدمج, بما في ذلك خسارة حلب.
وأشار التقرير إلى السبب الرئيسي وراء إخفاق محاولات الدمج السابقة, هو ارتباط النصرة بالقاعدة, حيث رأت الجماعات الجهادية السورية أن الاتحاد مع تنظيم منتمي لتنظيم القاعدة أمر بالغ الخطورة ومن شأنه أن يجتذب اهتمام غير مرغوب فيه من قبل الحكومات الغربية وكذلك الحكومات الشرق أوسطية، وتشتمل الأسباب الأخرى على أن بعض الجماعات الجهادية السورية تتلقى معدات عسكرية من قبل حكومات أجنبية لا ترغب في وجود أية روابط بين هذه الجماعات والتنظيمات المنتسبة للقاعدة, بالإضافة إلى أن فكرة الدمج من شأنها أن تنفّر السكان والعناصر المحلية من الجماعات الجهادية.
وذكر المؤلفون أن قادة جبهة النصرة واجهوا معضلة في ذلك الوقت, حيث أنهم كانوا أمام خيارين لا ثالث لهما, إما الانفصال عن القاعدة من أجل الاندماج مع الفصائل الإسلامية الرئيسية الأخرى, أو الرضا بالوضع الانعزالي من النواحي الاجتماعية, السياسية والعسكرية في سوريا.
ثم اتخذت جبهة النصرة, بقيادة الجولاني, قرار قطع العلاقات الخارجية مع القاعدة لتحسين فرص تحقيق الحكومة الإسلامية التي لطالما رغب تنظيم القاعدة في تحقيقها في سوريا. ظهر الجولاني وعبد الرحيم عطون وأبو الفرج في مقطع فيديو في يوليو 2016 يعلنوا فيه حل جبهة النصرة وتأسيس تنظيم جديد باسم “جبهة فتح الشام”, حيث ذكر الجولاني أن ذلك “من أجل دفع الذرائع التي يتذرع بها المجتمع الدولي وعلى رأسه أمريكا وروسيا في قصفهم وتشريدهم لعامة المسلمين في سوريا بحجة استهداف جبهة النصرة”. وهذا يعني أن النصرة قطعت علاقاتها الرسمية والعلنية كافة مع القاعدة, ولكن من المفترض على أرض الواقع أن تستمر العلاقة بينهما بشكل سري لتلقي الإرشاد الاستراتيجي والعملياتي.
وقد افترض أبو الخير المصري, الذي اشترك في مباحثات الاندماج, أن الظواهري لن يمانع إعادة التسمية لأن الظواهري طرح بالفعل في عام 2013 فكرة تغيير اسم جبهة النصرة للسماح لها بالتداخل مع الجماعات السورية الأخرى.
لكن قرار تأسيس جبهة فتح الشام أثار الجدل لدى المتطرفين في سوريا وخارجها, حيث انشق كبار الأعضاء عن النصرة ورفضوا الانضمام إلى جبهة فتح الشام, بمن فيهم إياد التوبايسي (المعروف بأبو الجلابيب) وكذلك أبو همام الشامي، وجه الظواهري اللوم للجولاني, ذاكرًا أن التسمية الجديدة تمت دون موافقته ومثلت خرق للقاعدة وهي إجراء متمرد, وحث إلى العودة للوضع والمسمي السابقين، وفي نهاية المطاف, حسبما أشار التقرير, رفض الجولاني التراجع عن قراره, وأرسل العديد من القادة, بالتحديد عبدالرحيم عطون, أحد أهم مساعديه, خطابات للظواهري لكي يؤكدوا عدم صحة الصورة الخاطئة التي ترسخت في ذهنه حول المشروع ولكي يفسروا له دوافع هذا المشروع ويبينوا طبيعته وحقيقته.
تأسيس هيئة تحرير الشام:
تصاعدت التوترات في أواخر عام 2016 نظرًا للحملة الصارمة التي تشنها الولايات المتحدة لاستهداف كبار قادة تنظيم القاعدة في سوريا, بحسب المؤلفون.
وفي ذلك الوقت, أثار الجولاني غيظ زعماء التنظيم عندما وافق على وضع مسمى جديد للتنظيم وتوسيع عملية الدمج لتشمل أبرز التنظيمات في سوريا، ففي أواخر يناير 2017, اندمجت جبهة فتح الشام مع حركة نور الدين الزنكي ولواء الحق وجيش السنة وجبهة أنصار الدين من أجل تأسيس “هيئة تحرير الشام”.
وبطبيعة الحال, اعتبرت قيادة القاعدة هيئة تحرير الشام تنظيم جهادي مستقل انفصل بشكل غير شرعي من القاعدة وضرب بالبيعة عرض الحائط، ونتيجة لذلك, خرج سامي العريدي وأبو حجر الشامي, جهاديين سلفيين, من هيئة تحرير الشام، ودافع بعض الأعضاء بالهيئة عنها, ذاكرًا أنها لا تعصي أوامر الظواهري عن عمد لكنها تواجه مصاعب في التواصل مع الظواهري ولذلك فهي تتخذ قرارات تظن أن الظواهري كان سيوافق عليها.
وجاء في التقرير أن استمرار الجدال داخل مجتمع الجهاديين لأشهر قليلة سلط الضوء على الشقوق غير العادية داخل تنظيم القاعدة وشبكاتها في سوريا والمنطقة، وقد وجه انتقاد للهيئة من قبل العديد من الأعضاء السابقين فيها, حيث اتهموها بأنها زرعت الفتنة, ودعمت القومية السورية بدلاً من الجهاد العالمي, ونكثت ببيعة الظواهري.
وفي أبريل 2017, أصدر الظواهري بيان لا شك في أنه موجّه للهيئة, ذكر فيه أن العدو يسعى إلى تحويل الجهاد في الشام من قضية الأمة الإسلامية إلى قضية القومية السورية, ثم تحويل القضية القومية إلى قضية خاصة ببعض المناطق والمواقع المحددة, ثم تقليص ذلك إلى عدد قليل من المدن والقرى والأحياء فحسب. وأضاف أنه من الواجب التصدي لهذه الاستراتيجية الشريرة من خلال الإعلان عن أن الجهاد في الشام هو جهاد الأمة الإسلامية.
وفي نوفمبر 2017, أصدر الظواهري بيانًا آخر أعلن فيه عن وجود خلاف في صفوف الجهاديين, وعن تدهور الوضع الداخلي للجماعات الجهادية, وكثرت النزاعات الداخلية بينهم، وانتقد الظواهري في بيانه الجولاني وأعضاء هيئة تحرير الشام لقيامهم بعملية الدمج, التي ذكر أنها تنكث العهد.
وأفصح التقرير أن أعضاء هيئة تحرير الشام بلغ اليوم بين 10 ألاف إلى 14 ألف عضو، وهي تقع في الغالب في محافظة إدلب وهي نشطة أيضًا في دمشق, درعا, القنيطرة، وعلى الرغم من أن الهيئة تعد من أقوى الجماعات المعارضة في سوريا, إلا أنها عانت مؤخرًا وفقدت السيطرة على أراضي لها في شمال غرب سوريا. علمًا بأن ما خسرته الهيئة سقط في قبضة جبهة تحرير سوريا (الناتجة عن دمج أحرار الشام وحركة نور الدين الزنكي) المدعومة من قبل الحكومة التركية.
التحديات أمام القاعدة:
أوضح المؤلفون في هذا الفصل أن تنظيم القاعدة في سوريا واجه العديد من الصعوبات, أهمها سوء تواصل عناصر التنظيم في سوريا مع القيادة العامة والظواهري, وعصيان بعض العناصر وعدم انصياعها لتوجيهات الظواهري, فضلاً عن سوء التنظيم وعدم التمتع بالدعم الشعبي من السكان المحليين, وأخيرًا قابلية الشبكات التابعة للتنظيم للتغيير سواء تلك الموجودة في سوريا أو خارجها.
يسلّط تاريخ تنظيم القاعدة المضطرب في سوريا الضوء على عدة مصاعب, أولهما التحديات التي واجهها الظواهري حول القيادة وسعيه إلى الفصل في النزاعات. أفاد التقرير أن الوضع الأمنى للظواهري كان يصعّب عليه إصدار التوجيهات للشبكات المتطرفة التي تحاول اتخاذ قرارات في بيئة عصيبة ومعقدة ومتتغيرة. في هذا الصدد, ذكر أحد السلفيين الجهاديين أن المشكلة تكمن في عزلة الظواهري وضعف قنوات الاتصال, حيث أنه كان يتلقى أخبار بالية خالية من سياقها السليم وبالتالي كانت الأخبار عرضة للتحريف، وربما تأثر الظواهري أيضًا من أن غالبية المعلومات كانت تصل إليه من قبل طرف واحد فحسب. كما كان الظواهري بطيئًا في الرد على المناظرات, الأمر الذي جعل القادة يتخذوا قرارات مستندة على معلومات منقوصة وعلى المصالح الذاتية وسط استمرار الحرب السورية المتقلبة.
اعترف عبد الرحيم عطون بأن “سوء الاتصال” هو سبب رئيسي في سوء الفهم والخلافات بين الجهاديين السوريين من جهة وتنظيم القاعدة من جهة أخرى، وحتى عندما اعترض الظواهري على قرارات الجهاديين في سوريا, بما في ذلك تأسيس هيئة تحرير الشام أو تأسيس البغدادي لتنظيم داعش, كان القادة المحليين يعصون توجيهاته بشكل سافر.
كما مثّل سوء التنظيم والغموض, حسبما أشار التقرير, صعوبات شائعة في نضال القاعدة في سوريا، فعندما وصل أبو الخير المصري إلى سوريا, تشوّش عناصر القاعدة, حيث كان معه خطاب يبين منزلته كالرجل الثاني للظواهري, وظنت هذه العناصر أن ناصر الوحيشي في اليمن هو الذي يتمتع بهذه المنزلة. بالإضافة إلى أن أبو محمد الجولاني لم يكن متأكدًا ما إذا لا زال هو زعيم النصرة عقب وصول المصري أم لا, بعبارة أخرى, كان هناك ارتباك عام حول دور المصري في التنظيم، وطُرح حينها تساؤل هل المصري خليفة الظواهري أو أنه يحل محله بشكل مؤقت ويتخذ القرارت نيابةً عنه فحسب؟
وفي الوقت نفسه, عندما استُئنف الاتصال بين الظواهري والجهاديين في سوريا, انتقد الظواهري المصري لدعمه التسمية الجديدة للنصرة والسماح للتنظيم بقطع العلاقات مع القاعدة، وصرّح الظواهري بأن المصري لم يكن نائبًا له في ذلك الوقت, بل خليفته وبالتالي لم يكن مسموحًا له اتخاذ مثل هذا القرار.
بينما عزى البعض الخلاف الداخلي إما إلى حملة التضليل الإعلامي التي انتهجتها القاعدة أو إلى خلافات اعتيادية تغزو أي تنظيم. وقد شن الظواهري حملة التضليل لمحاولة إخفاء العلاقة بين التنظيم وبين الجماعات المحلية, مثل جبهة النصرة.
تابع التقرير أن القاعدة افتقرت إلى الدعم الشعبي في سوريا, فقد تم تأسيس جبهة فتح الشام ثم هيئة تحرير الشام نظرًا لمخاوف الجهاديين من أن تقوّض العلاقة العلنية مع القاعدة الدعم الداخلي الموجه لهم من قبل السكان والجماعات المتمردة أخرى، فقد ذكر قائد سابق بالنصرة أن انتماء النصرة للقاعدة كان له عواقب وخيمة تمثلت في تأثر دعوى النصرة بشكل سلبي في سوريا, وتقويض احتماليات تلقى المساعدات الخارجية, وزيادة احتمالية الاستهداف من قبل الحكومات الأجنبية, ونتيجةً لكل ذلك, تعرضت النصرة للنفور من قبل الجماعات الأخرى. بالإضافة إلى أنه في حين أراد بعض عناصر القاعدة قطع العلاقات بشكل ظاهري مع القاعدة والاستمرار في التواصل مع زعمائها سرًا, كان من الواضح أن وجود روابط بين الجانبين أمر مثير للجدل من الأساس، فقد اتسمت مباحثات الاندماج بالتصدع والنقاشات الحادة والانشقاقات لأن العديد من الجماعات السورية المتمردة كان يساورها القلق حول ربط نفسها بتنظيم القاعدة سواء بشكل علني أو سري.
وفقًا للمؤلفين, أشارت التحديات أمام القاعدة إلى أن شبكات التنظيم داخل سوريا وخارجها قابلة للتغيير بشكل كبير, حيث يشير كلاً من التغيير المتواصل لاسم التنظيم, والخلافات بين الجهاديين وبعضهم البعض, والانفصال والانشقاق وتأسيس جماعات جديدة إلى أنه هناك حشد من الجهاديين السوريين القادرين على تحويل انتمائاتهم وهيكل التنظيم بناءً على القادة المتغيرين, الدعم الشعبي, الانتمائات الخارجية والتمويل ووضع الحرب, وهي العوامل التي تتغير وتتطور بشكل سريع. دلل المؤلفون على ذلك بفكرة ظهور فصائل متعددة تتعهد بالولاء للتنظيم وقياداته مثل جماعة أنصار الفرقان ببلاد الشام وتنظيم حراس الدين, الذي اشترك فيه عناصر ممن انشقت في وقت سابق عن هيئة تحرير الشام, كما اشترك الثوار السوريون في جماعات عديدة في الأعوام الماضية, ففي بعض الحالات, انضم مقاتلو المعارضة لفترات مختلفة لأحرار الشام وجبهة النصرة وتنظيم الدولة وجماعات أخرى, فقط من أجل الانتقال إلى تنظيمات أكثر اعتدالاً أو أكثر تطرفًا.
وبينما يجد صانعو السياسات والمحللون المتخصصون في الإرهاب أنه من السهل تصنيف الإرهابيين والمتمردين, تبين الطبيعة المرنة لمجتمع الجهاديين في سوريا أنه من الضروري أيضًا النظر في تطور الشبكات الجهادية على المستوى الصغير.
التطورات في سوريا والمنطقة وأثرهما المستقبلي على القاعدة:
أشار المؤلفون في هذا الفصل إلى كيفية تأثر تركيا من الجهود القتالية المبذولة ضد القاعدة وغيرها من الجماعات الجهادية والمتمردة الأخرى في سوريا.
تخسر الجماعات المتمردة أراضيها حول مدن في غرب سوريا مثل إدلب ودمشق (بما في ذلك الغوطة الشرقية). وعلى مدار الأشهر القادمة, يرى المؤلفون أنه من المرجح تفرّق مقاتلو القاعدة وتنظيم الدولة وغيرهم في ملاذات في سوريا, تركيا, العراق ودول أخرى لمواجهة الحملات العنيفة المناهضة للتمرد, بعبارة أخرى, يُحتمل أن تدفع هذه الحملات المناهضة للتمرد والإرهاب في شمال غرب سوريا الشبكات الجهادية والمقاتلين المتمردين الآخرين باتجاه تركيا, ما سيفرض تهديد على استقرارها الداخلي، بالإضافة إلى أن تركيا ربما تواجه المعضلة ذاتها التي واجهها النظام السوري عندما دعم الجماعات الجهادية بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وربما تسفر الروابط بين تركيا والجماعات الجهادية مثل أحرار الشام عن حدوث تداعيات سلبية داخلها.
وتطرّق المؤلفون أيضًا إلى فكرة شن التنظيم لأية هجمات خارجية, مشيرين إلى أن الجماعات الجهادية في سوريا انقسمت في الآراء في هذا الشأن, فالجماعات الموالية للقاعدة مثل القاعدة في شبه الجزيرة العربية والقاعدة في شبه القارة الهندية وتنظيم الشباب والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي يركزون بشكل كبير على الحروب المحلية وما يسمى على حد قولهم بـ “العدو القريب”.
واستعان المؤلفون بقول أبو الخير المصري, الذي ذكر أن المسلحين المنتمين للقاعدة في سوريا يركزون على الحروب الداخلية لأنه لا يرى أي نفع في العمليات الخارجية التي تُشن من منطقة الشام, وأضاف أبو الخير أنه كان حريصًا على إقناع المجاهدين في اليمن بالإحجام عن العمليات الأجنبية والانشغال بصد تجاوزات الحوثيين فحسب.
واستعان المؤلفون أيضًا بما اعترف به محمد الجولاني بأن الظواهري حثه على تجنب استخدام سوريا كمنبر لشن الهجمات على الغرب. بينما كان حمزة بن لادن الاستثناء الوحيد في هذه المسألة, حيث حث على شن هجمات ضد الولايات المتحدة في الداخل والخارج, إضافةً إلى أن أحدث إصدار لصحيفة إنسباير (إلهام) التابعة للقاعدة اشتمل على تعليمات مفصلة حول كيفية إخراج أي قطار أمريكي عن مساره.
أما الجماعات مثل هيئة تحرير الشام, أشار المؤلفون أن بإمكانها الاستعانة بعناصر من القاعدة لحياكة هجمات ضد العدو البعيد. وأشار التقرير أن جبهة النصرة قد سبقت الهيئة في ذلك, حيث سمحت النصرة لأفراد منتمين للقاعدة بشن هجمات في الغرب من ملاذاتهم, مثل محسن الفاضلي وعبد المحسن عبد الله إبراهيم الشارخ, وهم من جماعة خراسان في سوريا حسبما أكد المسئولون الأمريكيون. وردًا على ذلك, نفذت الولايات المتحدة وحلفائها في ذلك الوقت مجموعة من الغارات الجوية ضد أهداف تابعة لجماعة خراسان في شمال غرب سوريا, ما أسفر عن مقتل الفاضلي وغيره.
أوضح التقرير أنه على الرغم من تقدم الحكومة السورية على الأرض, ربما لن تتمكن من الاستيلاء على أراضيها كافة وإعمارها على الأقل في المستقبل القريب, وبالتالي لن يكن في وسعها حرمان التنظيمات كالقاعدة من الانبعاث مجددًا.
يحرز بشار الأسد في الوقت الحالي تقدمًا في ساحة المعركة ضد الجماعات المتمردة, من خلال مجموعة من الجهود الحكومية المبذولة والدعم المُقدم من قبل جهات ودول حليفة, حيث زوّدت الحكومة السورية ووكلائها نفوذهم على الأراضي في شرق سوريا, أينما تنتشر الجماعات المرتبطة بالقاعدة. كما أنه هناك قتال كبير بين بعض الجماعات المتمردة وبعضها البعض مثل القتال الأخير لجبهة تحرير سوريا التي استولت على عشرات المدن والقرى والمواقع العسكرية في إدلب وحلب الغربية من قبضة هيئة تحرير الشام.
لكن التحديات السياسية والإدارية في سوريا تعد هائلة, كما أن سياسة الأرض المحروقة التي يتبعها النظام السوري من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم المظالم المحلية ضد الحكومة, مثلما حدث في حلب. وأشار التقرير إلى تلك التحديات, من بينها سيطرة العلويين على الحكومة السورية على حساب الجماعات الأخرى, وبالتحديد العرب السنة, اعتراض الأكراد السوريين على النظام الحاكم, العلاقات الوثيقة التي تجمع بعض الجماعات السياسية والعسكرية بحزب العمال الكردستاني المتطرف والمناهض لتركيا.
كان يتم التلاعب بالحرب الأهلية السورية من قبل فاعلين من الخارج. وعلى مر التاريخ كانت الصراعات من هذا النوع تنتهي إما بانتصار أحد الأطراف أو عندما تجد الأطراف المتحاربة أنها وصلت لطريق مسدود يدفعها نحو التسوية التفاوضية. لكن أفاد التقرير أن الفاعلين الدوليين بوسعهم مواصلة الصراع إلى أجل غير مسمى بأقل تكلفة بالنسبة لهم, ولذلك ربما لا يشعرون بأنهم مجبرين على تقبل التسوية التفاوضية في وقت قريب. ولطالما ترغب الأطراف الخارجية مثل تركيا في مواصلة تمويلهم للجماعات أو الاشتراك بشكل مباشر في الحرب, من المرجح أن تستمر الحرب في سوريا.
ورأى المؤلفون أن استمرار الحرب واستمرار اعتبار النظام الحاكم بأنه غير شرعي من قبل طوائف بارزة من السكان من شأنه أن يسمح بانبعاث الجماعات المتصلة بالقاعدة من جديد في المستقبل. وبينما واجهت القاعدة تحديات خطيرة في سوريا, فإن ضعف الحكومة السورية ووجود أعداد ضخمة من الشبكات الجهادية في المنطقة (ما بين 30 إلى 50 ألف مقاتل جهادي في سوريا فحسب) تبين أن سوريا ستظل ساحة قتال هامة في المستقبل القريب. علاوةً على أن العديد من هؤلاء المقاتلين حسّنوا بالفعل قدراتهم القتالية, وصنعهم للقنابل ومكافحة حملات التجسس. وفي حين تنقطع العلاقات بين بعض الجهاديين والقاعدة في الوقت الراهن, فإن الطبيعة المرنة لهذه الشبكات الجهادية تبين أنهم بإمكانهم إعادة الروابط مجددًا مع القاعدة مستندين في ذلك على عدة عوامل أهمها تغير القادة.
واختتم المؤلفون تقريرهم بقول لورد بالمرستون, الدبلوماسي البريطاني ورئيس الوزراء السابق, الذي ذكر أنه “لا يوجد أصدقاء أو حلفاء دائمين, هناك فقط مصالح دائمة”. ونظرًا لساحة القتال المتغيرة باستمرار, هذه هي الحقيقة بالنسبة للجماعات المتطرفة والدولة على حد سواء, ففي حين تتغير شبكات وأسماء الجهاديين بمرور الوقت, فإن أيديولوجيتهم المتطرفة وقدراتهم على أرض المعركة تجعلهم يمثلون تهديد خطير على المدى البعيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى