أقلام وأراء

بكر أبو بكر: شخصيات أسست الكيان الخطير هربرت صموئيل

بكر أبو بكر ٦-٧-٢٠٢٢م

الانجليزي هربرت صموئيل (1870-1963م) يعتبر من أخطر الشخصيات اليهودية التي ساهمت في النكبة، وبالتالي تأسيس دولة الكيان الصهيوني، إذ لعب دورا كبيرا في رسم السياسة البريطانية الاستعمارية الهادفة لتدمير المنطقة العربية، ونهب ثرواتها، وتمزيقها، ولغرس اليهود القادمين من جنسيات مختلفة ومن دول مختلفة في أرض فلسطين، وذلك مع توليه للمناصب المختلفة.

كان صمويل، باعتباره يهودياً مندمجاً، يرى أن الحل الصهيوني حلٌّ غير عملي وضد مصالح اليهود ذوي القوميات المتعددة بالعالم، ولذا كان مشهوراً بعدائه للصهيونية. ولكن، مع ظهور تلك البوادر التي دلّت على أن الدولة العثمانية ستُهزَم، اكتشف صمويل،إمكانية حل “المسألة اليهودية”[1] عن طريق توطين اليهود في إطار الدولة الوظيفية التابعة للغرب، وهو تَغيُّر في موقف صمويل لم يتوقعه أو يلحظه حاييم وايزمان. ولذا، حين اقترح رئيس الوزراء الانجليزي لويد جورج على حاييم وايزمان (بعد عودته من سويسرا مع اندلاع الحرب الاوربية (العالمية) الأولى 1914م) أن يجتمع بصمويل، رفض وايزمان ذلك ظناً منه أن صموئيل لا يزال معادياً للصهيونية، ولكنه اضطر إلى أن يقبل على مضض ليفاجأ بأن صمويل يؤيد المشروع الصهيوني بقوة. بل والأدهى من ذلك  والأمرّ أنه حينما تَقدَّم إليه وايزمان بالمطالب الصهيونية، أخبره صمويل بأنها مطالب متواضعة للغاية وأن عليه أن يفكّر بشكل أكبر، وذُهل الزعيم الصهيوني وايزمان (من شرق أوروبا) وقال إنه لو كان مؤمناً بالعقيدة اليهودية لظن أن تَحوُّل صمويل هو إحدى علامات مَقْدم الماشيَّح (المسيح/المسياه)!

في عام 1914 قدم صموئيل[2] مذكرة حول مستقبل فلسطين لرئيس الحكومة البريطانية آنذاك”هربرت هنري أسكويث”، وتمكن من إقناع بريطانيا بقدر المنافع التي ستجنيها إذا سيطرت على فلسطين. لذا فهو وبما قام به لاحقًا كما نرى يعد أحد أهم مهندسي الاحتلال الانجليزي لفلسطين وإنشاء الدولة اليهودية فيها.

جاء في رسالة صموئيل العنصرية والاستعمارية قوله: أن “الحاضر ليس مناسبا لإنشاء دولة يهودية مستقلة، لذا يجب وضع فلسطين تحت السيطرة البريطانية لتعطي تسهيلات للمنظمات اليهودية لشراء الأراضي وإقامة المستعمرات وتنظيم الهجرة، وعلينا أن نزرع بين المحمديين[3] (الفلسطينيين) بين ثلاثة وأربعة ملايين يهودي يتم إحضارهم من أوروبا[4]“.

وقد تم الأخذ بتوصية صموئيل في الاتفاقية السرية التي جمعت بريطانيا وفرنسا لتقسيم سوريا الكبرى، وعرفت باسم مهندسيها الاستعماريين البريطاني مارك سايكس والفرنسي جورج بيكو (عام 1926م)، ووضعت الاتفاقية فلسطين تحت سيادة مشتركة للحلفاء لإعدادها للدولة اليهودية.

وقد مهّدت تلك المذكرة لما يسمى وعد/اعلان بلفورالمشؤوم الذي صدر عام 1917. والذي أسماه  الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر وعد من لا يملك لمن لا يستحق.

وفي مؤتمر الصلح في باريس (1919م)، لعب المذكور دورًا كبيرًا مع الوفد الصهيوني الذي حضر المؤتمر برئاسة كبير الصهايتة حاييم وايزمان، وفي مؤتمر سان ريمو-إيطاليا (1920) الذي أعاد تقسيم المنطقة العربية بعد (سايكس-بيكو) تم تضمين وعد بلفور بالمؤتمر، فعينت بريطانيا صموئيل مباشرة وحتى قبل صك الانتداب (1922م)[5]، فاستطاع على إثر ذلك أن يصبح ممثلًا للاحتلال البريطاني لفلسطين (مندوبًا ساميًا) في فلسطين من عام 1920 إلى عام 1925، وسنّ خلال تلك الفترة عدد كبير من القوانين المجحفة والاستعمارية التمييزية والعنصرية التي جعلت فلسطين في النهاية ليست جاهزة فقط لإنشاء وطن قومي لليهود، بل جاهزة لاستقبال اعلان “دولة إسرائيل”.[6]

ومن أهم نتائج صهيونيته (انجازاته) في فلسطين:

1.   تهويد أجهزة الحكم في فلسطين، وفتح أمام اليهود أبواب المناصب العليا كلها، كما تم الاعتراف بالمؤسسات السياسية الصهيونية في فلسطين،

2.   الاعتراف باللغة العبرية كإحدى اللغات المحلية في فلسطين

3.   زيادة عدد المستعمرات/المستوطنات الصهيونية في عهده من 44 إلى 100 مستعمرة. وبعد أن فتح الهجرة على مصراعيها. وبعد أن أقطع (منح) اليهود آلاف الدونمات بداية من الجليل طاردًا 900 أسرة من أراضيها واملاكها التاريخية، ثم سلمهم أراضي الغور، وتواصل بذلك بلا رحمة.

4.   تعيين أحد غلاة الصهيونية واسمه “نورمان بنتويتش” نائبًا عامًا يتولى وضع القوانين المجحفة والأنظمة التي تسير البلاد أي فلسطين (بالطبع لمصلحة اليهود، وقد سن مئات القوانين في صالح اليهود)، كما عيّن في منصبي المدير العام للهجرة والسفر، والتجارة، ثم أضاف منصبًا ثالثًا هو مدير المساحة. ومنها رفعه القيود كليًا عن حيازة اليهود على الأراضي أوالأموال غير المنقولة.

5.   سلم اليهود المشروعات المهمة في فلسطين، ومنها كمثال منح حكومته الاستعمارية المنحازة سنة 1921 امتياز توليد الكهرباء لمدة سبعين عاما لليهودي الروسي “روتنبرغ”، ومنعها عن العرب الا بإذن منه. كما سن كل القوانين التي تشجع الصناعات اليهودية وتحميها.

6.   أعلن أن اللغة العبرية هي اللغة الرسمية في البلاد إلى جانب اللغة العربية والإنجليزية.

7.   ترك للجنة التنفيدية – الوكالة اليهودية- إدارة معارف اليهود ومدارسهم على حين جعلت المعارف (التربية والتعليم) العربية بيد الإنجليز.

8.   كتب على النقود والطوابع بالعبرية “أرض إسـرائيل” بجانب كلمة فلسطين باللغة العربية والإنجليزية.

9.   قام بإفقار الفلاحين العرب الفلسطينيين، وإثقالهم بالديون، وعمل كل الطرق لإبعادهم عن أرضهم، وعمل على سلب الفلاحين أراضيهم بحجة عدم السداد، كما زاد عليهم الضرائب.  

10.  أسس لتسريب الأراضي إلى أيدي اليهود وخصوصًا أراضي الدولة، الإضافة لإقفال المصرف الزراعي، وإرهاق المواطنين بزيادة الضرائب و غيرها من أعمال قبيحة كثيرة.[7]

 

وكل ذلك بما توافق مع رؤية صموئيل ذاته لإعطاء فلسطين هدية للأغراب اليهود (أسماهم الشعب اليهودي الذي هو منه)، وبما يحقق تحالف الاحتلال الانجليزي والحركة الصهيونية مع كل العقلية الاستعمارية الغربية والتي أقرت دولها من خلال ما سُميت عصبة الأمم (ما قبل هيئة الامم المتحدة) صك الانتداب عام 1922 والذي نص بكل برود ووضوح واحتقار للأمة العربية والاسلامية والمسيحية المشرقية وفلسطين في بنده الثاني أن تقوم بريطانيا العظمى بجعل فلسطين في وضع سياسي واقتصادي واجتماعي صالح لإنشاء وطن قومي لليهود! وفي المادة 6 تسهل هجرة اليهود وفي المادة 7 تجنسهم!

 

 أشار صموئيل بمذكراته متفاخرًا لمدى تأثيره الطاغي (عام 1914م) على رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج الذي ظهر بما ذكره عنه:”أنه مشتاق جدًا لأن يرى دولة يهودية قد أنشئت في فلسطين”[8]

 

إلا أن حاييم وايزمان يتفاخر هو الآخر أنه هو من صنع هربرت صموئيل “فهو نتاج يهوديتنا ونحن الذين عيناه مندوبًا ساميًا، أنا المسؤول عن تعيين السير هربرت صموئيل في فلسطين، إن صموئيل هو صديقنا، ولم يقبل أن يقوم بهذه المهمة العسيرة الا نزولًا عند رغبتنا،نحن حملناه هذه الاعباء،إن صموئيل هذا صموئيلنا”[9] 

 

وكتب هربرت صموئيل في مذكراته[10] أن الموضوع بالنسبة له شخصي! (كيهودي المقصود) وذو أهمية زائدة، ويقول حول مستقبل فلسطين ما يوضح إصراره، وعقليته الاستعمارية والعنصرية الواضحة: “… ولعل الفرصة قد سنحت أمامي لتنفيذ أماني “الشعب”[11] اليهودي القديمة، وإعادة إنشاء دولة يهودية فيها. واعتقدت أن النفوذ الانجليزي يجب عليه أن يقوم بدور مهم في تأسيس هذه الدولة، لأن وضع فلسطين الجغرافي، وقربها من مصر يجعل صداقتها لانجلترا أمرًا له أهميته للامبراطورية البريطانية”.

الحواشي الهامة

 

[1]  كانت ” المسألة اليهودية “، التي يشار إليها أيضًا باسم ” المشكلة اليهودية “، عبارة عن نقاش واسع النطاق في المجتمع الأوروبي في القرنين التاسع عشر والعشرين يتعلق بالوضع والمعالجة المناسبين لليهود في المجتمع. كان النقاش مماثلة لما يسمى “مسائل وطنية ” وتناولت وضع اليهود المدني والقانوني والوطني والسياسي كأقليات أوربية في دولهم، لا سيما في أوروبا في في القرون 18 و19 و20 . وقد استخدم التعبير من قبل الحركات المعادية لليهود من ثمانينيات القرن التاسع عشر فصاعداً، وبلغت ذروتها في عبارة النازية ” الحل النهائي للمسألة اليهودية”. وبالمثل، استخدم التعبير من قبل أنصار ومعارضي إقامة وطن يهودى مستقل أو دولة يهودية ذات سيادة-عن الموسوعة الحرة 

[2]  كتب عنه أمجد الزعبي كتاب: هربرت صموئيل: المندوب السامي البريطاني على فلسطين وشرقي الأردن وتأسيس إمارة شرقي الأردن 1920-1925م. 

[3]  مصطلح المحمديين كان رائجًا في أوربا لوصف المسلمين حتى القرن العشرين، ودلالته دينية، وفي الأدب الغربي الشعبي قُصد بـ “المحمديون” أن المسلمين يعبدون محمداً صلى الله عليه وسلم، ويحلل المفكر إدوارد سعيد التسميةَ بقوله:« لقد كان أحدُ الضوابط التي أثّرت على المفكّرين المسيحيين الذين حاولوا فهمَ الإسلام، ينبع من عملية قياسية، ما دام المسيح هو أساسَ العقيدة المسيحية فقد افتُرِض – بطريقة خاطئة تماماً – أن محمداً كان للإسلام ما كانه المسيحُ للمسيحية، ومن ثم[كان] إطلاق التسمية التماحكية “المحمدية” على الإسلام» (لمراجعة كتاب الاستشراق لإدوارد سعيد ص90). 

[4]  المؤرخ الإسرائيلي آفي شليم أكد أنه “لم يكن لبريطانيا حق سياسي أو قانوني أو أخلاقي أن تعطي أرضا هي للعرب لأناس آخرين”. 

[5]  يشير صالح مسعود بويصير في كتابه جهاد شعب فلسطين: أن الشريف حسين بن على كما رفض إعلان بلفور بقوة رفض أيضًا هذ الصك، صك الانتداب (ص96) 

[6]  د.سحر الهنيدي، التأسيس البريطاني للوطن القومي اليهودي، فترة هربرت صامويل، 1920-1925، بيروت، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2003م. 

[7]  لمراجعة المقال المعنون: هربرت صموئيل (1/7/1920) من التاريخ بقلم:نبيل عبد الرؤوف البطراوي. 

 [8] صالح مسعود بويصير، جهاد شعب فلسطين خلال نصف قرن،بيروت، دار الفتح، الطبعة الرابعة،1971، ص94

[9]  صالح مسعود بويصير، جهاد شعب فلسطين، ص103. 

[10] صالح مسعود بويصير، جهاد شعب فلسطين خلال نصف قرن،بيروت، دار الفتح، الطبعة الرابعة،1971، ص93 

[11]  رغم أنه انجليزي الجنسية والقومية لكنه يفترض أنه من “الشعب” اليهودي، ويكرر هذه المقوله فاسدة تاريخيَا فلا شعب لدين عامة، ولم يكن معتنقو الديانة اليهودية شعبًا قط. 

*(سلسلة مقالات حول شخصيات ساهمت في تأسيس الكيان الصهيوني على حلقات، وهذه الحلقة 15 منها)-

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى