ترجمات عبرية

ايران تبذل جهود كبيرة من اجل اثبات قدرتها على الصمود ، في وجه الضغوط الامريكية

نظرة عليا – بقلم  سيما شاين  – 5/9/2019

النظام في ايران يدير حرب في عدة جبهات. دبلوماسية واقتصادية وذرية امام سياسة “الحد الاقصى من الضغوط” التي تشنها عليه الادارة الامريكية منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي (أيار 2018). مصادر في ايران اعتبرت سياسة ايران حد أعلى من المقاومة، التي اساسها رفض مستمر لاقتراحات الالتقاء مع الادارة الامريكية، وبالتأكيد اجراء لقاء بمستوى عال مع الرئيس ترامب شخصيا، طالما أن العقوبات المفروضة عليها سارية المفعول. الرئيس ترامب الذي يركز على الجهود من اجل اعادة ايران الى طاولة المفاوضات للدفع قدما باتفاق نووي افضل، حسب وجهة النظر الامريكية، قام بارسال رسائل ومبعوثين الى طهران مع التوضيح بأنه لا ينوي تأييد تغيير النظام في طهران، وحتى أنه مستعد لمساعدة النظام الحالي على الازدهار اذا استجاب فقط لمحادثات تنتهي باتفاق نووي جديد.

في اطار هذه السياسة حظر على وزير الخارجية الايراني، محمد ظريف، الالتقاء مع الرئيس ترامب بعد أن ارسلت له دعوة للبيت الابيض من قبل السناتور راند بول. الجهود الاخيرة الاهم حتى الآن من اجل بلورة صيغة تكون مقبولة على الطرفين تمت من قبل الرئيس الفرنسي مكرون، اثناء لقاء “جي 7” الذي عقد مؤخرا في فرنسا. ظريف دعي في حينه بشكل مفاجيء الى فرنسا من اجل الحصول على تحديثات، بمصادقة من الرئيس ترامب نفسه. في اعقاب جهود فرنسا، ترامب صادق على امكانية اجراء لقاء مع نظيره الايراني حسن روحاني الذي في اعقاب التحديثات التي تلقاها ظريف، قال “لو كان يعرف أن الذهاب للقاء أو اجراء زيارة شخصية معينة ستساعد على تطوير دولته وستحل مشكلات المواطنين لما كان فوت ذلك”. وقد أكد أنه يجب على ايران عدم تفويت أي فرصة حتى لو كانت احتمالاتها ضئيلة.

كما هو متوقع، اقوال روحاني اثارت الانتقاد الشديد في المعسكر المحافظ في ايران. عشرات من اعضاء البرلمان وقعوا على عريضة طلبوا فيها الامتناع عن الحوار مع الولايات المتحدة، وصحيفة “كيهان” التي رئيس تحريرها مقرب من الزعيم الروحي الاعلى علي خامنئي، ويعتبر احد الاشخاص الذين يعبرون عن مواقفهم، هاجم امكانية استئناف الحوار وكرر الموقف الذي يقول إنه يجب عدم الثقة بالولايات المتحدة، ويجب الاستمرار في سياسة الصمود الاقتصادية. من خلال انتقاد فكرة الحوار مع الادارة الامريكية برز موقف شخصية هامة في جهاز الامن في ايران، سكرتير المجلس الاعلى للامن القومي، علي شمخاني، الذي كان وزير الدفاع والمسؤول عن تنفيذ المشروع النووي العسكري. في مقابلة نادرة مع “ان.بي.سي نيوز” قال شمخاني إنه من البداية لم يكن هناك مكان للتوقيع على الاتفاق النووي. وأن هذا كان موقفه ايضا اثناء بلورة الاتفاق. يمكن الافتراض أن هذا هو موقفه في النقاشات التي تجري في الوقت الحالي في قمة الهرم في ايران. مقابل الانتقاد الشديد الذي اثارته اقوال الرئيس روحاني، تراجع عن اقواله وسارع الى التوضيح بأن شرط استئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة هو رفع العقوبات. مؤخرا تشدد في موقفه وقال إن “ايران لن تجري أي محادثات ثنائية في أي يوم مع الولايات المتحدة. وأنه اذا قامت واشنطن برفع جميع العقوبات، فهي تستطيع أن تكون جزء من “بي خمسة زائد واحد”. وهي مجموعة الدول التي بلورت الاتفاق النووي مع ايران. وفي نفس الوقت عاد روحاني وأكد بأنه اذا تقدمت ايران بخطوة ثالثة من القضم للاتفاق النووي، التي يتوقع اتخاذها قريبا، اذا تم تنفيذ الشروط، فهي يمكنها العودة الى النقطة التي كانت فيها في اطار الاتفاق.

في هذه الاثناء، الرئيس مكرون يستمر في اجراء المحادثات مع الشركاء الاوروبيين في الاتفاق النووي، بريطانيا والمانيا، ويبدو أنه يدفع قدما في اعقاب محادثاته مع الرئيس ترامب باقتراح يتناول تسهيلات معينة لايران في كل ما يتعلق ببيع النفط و/أو تقديم اعتماد بمبلغ 15 مليار دولار في السنة. الحديث يدور عن مبلغ اعتبر من قبل ظريف نفسه ربع المبلغ المطلوب لايران من اجل نفقاتها الاساسية، في حين أن الباقي تستكمله ايران من خلال التصدير للدول الاخرى. الرئيس ترامب قال أنه يمكنه السماح لايران بالحصول على اعتماد قصير المدى أو قرض ما “اذا نضجت الظروف”.

على الصعيد الدبلوماسي، وبهدف اثبات عدم نجاعة العقوبات الشخصية التي فرضتها الولايات المتحدة عليه شخصيا، سافر ظريف في جولة زيارات في الدول الاسكندنافية. وبعد ذلك وصل (23 آب) الى باريس عشية لقاء “جي 7”. وتم الابلاغ ايضا عن قمة ثلاثية بين روسيا وايران وتركيا، والتي خطط لها قريبا في انقرة. في اطار جولة زيارات في الشرق الاقصى زار ظريف اليابان والصين وماليزيا. وفي 2 ايلول خرج ظريف برئاسة وفد لزيارة رسمية في موسكو. وهناك من المخطط اجراء محادثات موسعة في عدد متنوع من المواضيع وعلى رأسها مستقبل الاتفاق النووي استمرارا للمحادثات الجارية مع الرئيس الفرنسي.

في خطوة استثنائية، الزعيم الايراني علي خامنئي عقد في طهران لقاء علني ومغطى اعلاميا مع بعثة من الحوثيين من اليمن واظهر فيه دعمه لهم من خلال ابراز العلاقة معهم (التي لم تعد ايران تخفيها). تطور هام آخر سجل اثناء زيارة بعثة الحوثيين هو اللقاء الذي نظمه الايرانيون مع سفراء فرنسا وبريطانيا والمانيا وايطاليا. هذه الخطوة جسدت فهم الدول الاوروبية لاهمية دمج ايران في التسوية في اليمن، وهو يعزز فعليا مكانتها كجهة تستطيع المساعدة في الحل، وليس اعتبارها المشكلة الرئيسية، مثلما يتم عرضها من قبل الادارة الامريكية.

على الصعيد النووي، ايران توضح، كما قلنا، أنها تنوي مواصلة سياسة القضم التدريجي لالتزاماتها في الاتفاق النووي. في هذا الاطار طبقت المرحلة الاولى والثانية؛ واجتازت حدود الـ 300 كغم من اليورانيوم المخصب بمستوى منخفض المسموح لها حسب الاتفاق، الذي تحتفظ فيها على ارضها، وهي تخصب بما يتجاوز نسبة 3.67 في المئة المسموحة. ايران تنوي الاعلان في 6 ايلول عن خطواتها القادمة في اطار المرحلة الثالثة مما اعتبرته هي نفسها عملية متعددة المراحل من قضم الاتفاق، ردا على ما تعتبره ايران انسحاب الدول الموقعة عليه من التزاماتها. رئيس الوكالة الايرانية للطاقة النووية، علي اكبر صلاحي، اعلن أنه تم تركيب اجهزة طرد مركزية متقدمة من نوع “6 آي.آر” في قاعات جديدة خصصت لهذا الغرض. ومسؤولون في ايران قالوا إنه تم تجميع 33 جهاز طرد مركزي جديد، لكن فقط في 10 منها تم ضخ غاز “6 يو. اف” – هذه عملية ستمكن الاوروبيين من اعتبار هذه الخطوة بأنها توجد في المنطقة الرمادية في الاتفاق. أي أنها ما زالت لا تشكل خرق فاضح يمكنه أن يجبرها على اتخاذ خطوات مضادة. واوضح صالحي أنه في الاشهر القريبة سيتم نشر اعلان ايراني حول مفاعل المياه الثقيلة في آراك. وحسب الاتفاق النووي فان ايران اخرجت قلب المفاعل وقامت بملئه بالاسمنت. ولكن تبين أنه في المقابل قامت بشراء انابيب يمكنها استبدال التي تم الغاء استخدامها. مصادر في البرلمان الايراني اشارت الى خطوات اخرى يمكن لايران اتخاذها، منها تشغيل اجهزة طرد مركزي اكثر تطورا (على فرض أن هذا ليس تبجح لا اساس له). ولكن الايرانيين يوضحون مرة تلو الاخرى بأن جميع الخطوات التي يتخذونها قابلة للالغاء اذا وجدت الدول الاوروبية الشريكة في الاتفاق حل يعوض الثمن الذي تدفعه ايران بسبب العقوبات الامريكية.

على الصعيد الاقتصادي. في محاولة للدفع قدما بمسارات تتجاوز العقوبات والاثبات للادارة بأن الضغط الاقتصادي لن يحقق اهدافها، استثمرت ايران مؤخرا جهود كبيرة في توسيع علاقاتها الاقتصادية، خاصة مع الدول المجاورة لها. الحديث يدور في معظم الحالات عن اعلان نوايا ما زالت بعيدة عن التطبيق، لكن الاتصالات، مع كازاخستان وروسيا في مجال التجارة بالقمع، ومع الباكستان في موضوع التسهيلات البيروقراطية من اجل زيادة التجارة، ومع جورجيا في موضوع خطوط النقل، ومع افغانستان في مجال الكهرباء – تعكس قرار ايراني متزن لتوسيع الاحتمالات وتنويع المداخيل خارج مجال النفط.

هذه الخطوات الايرانية تعكس قرار مصمم للنظام كي يواجه في كل الصعد المحتملة في مواجهة سياسة الضغوط الامريكية. القيادة العليا في ايران تعود وتعلن بأنها لن تأتي الى المفاوضات تحت الضغط. وحتى اذا استمر النقاش في ايران حول امكانية استئناف الحوار مع امريكا فهناك اتفاق شامل بخصوص الحاجة الى مواصلة الخطوات في مجال الذرة. وهذه تعتبر بالنسبة لطهران ورقة ضغط هامة، سواء على الدول الاوروبية من اجل ايجاد حلول ممكنة لمسألة العقوبات أو ورقة مساوة مع الادارة الامريكية قبيل استئناف محتمل للمفاوضات. كما قلنا، فقط بعد رفع العقوبات (أو جزء منها). القيادة في ايران تؤكد أن اعتباراتها غير مشروطة بالرئيس الامريكي القادم. وقد اوضح ظريف مؤخرا أن بلاده تقدر بأن ترامب سينتخب لولاية اخرى، وهذا يعني أن ايران لا تعتمد في بناء سياستها على قاعدة التقدير بأن رئيس ديمقراطي سيغير الاتجاه السياسي الامريكي الحالي.

باختصار، رغم أنه من الواضح لايران أنه في نهاية المطاف ستكون حاجة الى اجراء مفاوضات لحل الازمة الحالية، في طهران يقدرون أن هذا هو الوقت المناسب: الرئيس الامريكي معني بلقاء علني، بحيث يكون هام بشكل خاص له في سنته الانتخابية، ودول اوروبا مستعدة للذهاب بعيدا من اجل منع تصعيد التوتر في الموضوع النووي وخلق محادثات امريكية – ايرانية، هذا طالما أن ايران تستطيع احتواء الضغوط الاقتصادية من اجل الدفع قدما بتحقيق اهدافها المعروضة كشرط لاجراء المفاوضات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى