ترجمات أجنبية

اندبندنت: الهجوم الإسرائيلي في دمشق قد يحمل عواقب وخيمة أكبر من ضرب قافلة الإغاثة

اندبندنت 7-4-2024، بقلم ماري دجيفسكي: الهجوم الإسرائيلي في دمشق قد يحمل عواقب وخيمة أكبر من ضرب قافلة الإغاثة

خلال أسبوع جديد من الموت والتدمير في الشرق الأوسط، ركزت نشرات الأخبار وبشكل مفهوم على عملية قتل عمال الإغاثة السبعة الذين قضوا في سلسلة من الضربات الصاروخية الإسرائيلية فيما كانت مركباتهم تسير على الطريق الساحلي في غزة.

وهذا كان مفهوماً خصوصاً في المملكة المتحدة، التي حمل جنسيتها ثلاثة أشخاص كانوا ضمن قافلة “المطبخ المركزي العالمي”، وحيث أعيدت الآن جثثهم.

وانتقد البعض التركيز الضيق على موت عمال الإغاثة، من خلال التلميح أن حياة الأشخاص ذات البشرة البيضاء من أبناء العالم الغني هي بطريقة ما أكثر أهمية من الفلسطينيين، ومنهم عشرات الآلاف قضوا أيضاً بفعل الغارات الإسرائيلية. لكن يمكننا القول أيضاً إن مقتل عمال الإغاثة قد شكل مقاربة مؤثرة مع اقتراب عمر النزاع من حاجز الستة أشهر، وهي أن سبعة أفراد لا علاقة مباشرة لهم بالنزاع، قد سقطوا بسلاح تلك الحرب، التي كانوا يعملون على التخفيف من آثارها.

لكن ذلك أيضاً لا يتعلق فقط بالعدد الكبير للذين فقدوا حياتهم [في غزة منذ بداية النزاع]، الذي لربما غطى مقتل عمال الإغاثة عليهم – في معظم أنحاء العالم الغربي في الأقل. ففي اليوم نفسه وقبل ساعات قليلة، كانت هناك سلسلة أخرى من الضربات القاتلة في هجوم قد يكون له على المدى الطويل عواقب أوسع من عمليات القتل على طريق ساحل غزة، التي تأسف عليها الجيش الإسرائيلي أخيراً ووصفها بأنها خطأ مأسوي.

وأدى الهجوم الذي سبق الاعتداء على قافلة الإغاثة، وهو كان أيضاً نتيجة ضربة صاروخية متعددة، إلى تدمير القنصلية الإيرانية، التي يقوم مبناها بمحاذاة مقر السفارة الإيرانية في دمشق. ويبلغ قتلى الهجوم حتى اللحظة 16 شخصاً، من بينهم قائد إيراني رفيع في الحرس الثوري ونائبه إضافة إلى ضباط آخرين. في الحالة هذه، لم يكن هناك أي إعراب عن الأسف، وأيضاً يمكننا أن نستنتج عدم وقوع أي خطأ. في الواقع، لم يكن هناك أي اعتراف بالمسؤولية عن الهجوم أيضاً. ولكن إسرائيل كما جرت العادة، لا تقوم بالتعليق على مثل هذه الهجمات “الناجحة” تاركة للآخرين حرية استنتاج ما يريدونه من خلاصات.

عند هذه النقطة، لا بد لي من التأكيد ومن خلال مقارنة عملية قتل عمال الإغاثة في قطاع غزة بعملية القتل التي جرت في دمشق، أنني لا أريد التقليل من شأن ما جرى في غزة – وفداحة “الخطأ” الإسرائيلي، والخسارة الدائمة التي ألمت بأهالي وأصدقاء الذين قضوا، أو التأثير الكارثي الذي أحدثته تلك الهجمات على عمليات توفير المساعدات الضرورية إلى غزة، إذ علقت المنظمات عملها. وقد يكون هناك تبعات ثانوية لذلك الهجوم على عمليات توريد الأسلحة إلى إسرائيل من المملكة المتحدة، وربما من الولايات المتحدة – على رغم أن هذا يبدو غير مرجح.

الفارق هو أن ما حدث في غزة، مهما كان شنيعاً، وربما جريمة حرب، فإن فرصته في توسيع الصراع أو تصعيده ضئيلة للغاية. بل إن هناك احتمالاً – وهو ضئيل – أن يكون لعمليات القتل هذه على وجه الخصوص في غزة تأثيراً كابحاً [للعملية العسكرية]، حتى ولو كان موقتاً.

وإلى حد ما في الأقل، يبدو أن إسرائيل تدرك الضرر الذي ألحقه مقتل عمال الإغاثة بقضيتها – ومن هنا جاء الوعد بإجراء تحقيق سريع والاعتذار المذل، الذي لم يسبق بحسب ذاكرتي أننا كنا قد سمعنا مثله من قبل أي مسؤول إسرائيلي، وحتى أكثر من ذلك أنه لم يسبق أن صدر مثل ذلك الاعتذار عن رئيس الأركان في الجيش الإسرائيلي، فهل يجرؤ المرء على الأمل أن هناك من تعلم درساً ما؟

ولنقارن ذلك بالهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق، الذي يمكن أن يكون له تداعيات خطرة للغاية وبعيدة المدى. ومثل الغارات الجوية التي وقعت في يناير (كانون الثاني) في جنوب بيروت، التي أسفرت عن مقتل نائب رئيس حركة “حماس”، من بين آخرين، لم يكن هذا خطأ. لقد كان هجوماً متعمداً استهدف ممثلي منظمة عسكرية تعدها إسرائيل عدواً رئيساً. لقد كان هجوماً على كبار ضباط الحرس الثوري الإيراني، ومن ثم على إيران نفسها.

وعلى رغم أن السلطات اللبنانية استنكرت الهجوم على مسؤولي “حماس” في بيروت باعتباره انتهاكاً لأراضيها – وهو ما حدث بالفعل – فإن الهجوم على قنصلية إيران في دمشق كان يشكل انتهاكاً أكثر فظاظة للقواعد الدولية. لم يقتصر الأمر على اقتحام المجال الجوي السوري فحسب، بل استهزأ أيضاً بمفهوم الحصانة الدبلوماسية برمته. تتمتع القنصلية الإيرانية بالحماية الدبلوماسية، باعتبارها أراضي إيرانية. وما حصل هو أن دولة أخرى قامت بتدميرها.

وقد أدركت الولايات المتحدة، في الأقل، خطورة مثل هذا العمل عندما ضربت – من طريق الخطأ – السفارة الصينية في بلغراد عام 1999 كجزء من حملة القصف التي شنها حلف الناتو ضد صربيا. ونسب الخطأ وقتها إلى قدم خرائط وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي)، لكن خطر التعرض للازدراء الدولي والانتقام الصيني دفع وزيرة الخارجية آنذاك، مادلين أولبرايت، للذهاب إلى السفارة الصينية في واشنطن في صباح اليوم التالي للاعتذار شخصياً. ولا داعي للقول إنه من غير الوارد أن تفعل إسرائيل شيئاً مماثلاً تجاه إيران.

بل على العكس من ذلك، يبدو أن إسرائيل تستغل حالة الفوضى العامة التي أطلقتها “حماس” في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ليس فقط لمهاجمة “حماس” وقادتها، حيثما يتربصون، بل أيضاً لاستهداف أولئك الذين تعتبرهم حماة لها ورعاتها – أي الدولة الإيرانية. إن الضربات على الممثلية الدبلوماسية الإيرانية في دمشق، وإن كانت تستهدف ضباطاً عسكريين وليس دبلوماسيين مدنيين، تنقل هذه الحملة إلى مستوى جديد.

وحتى لو رأت إسرائيل أن مثل هذه الغارات هي بمثابة مثال لهجمات تعدها أفعل طريقة للدفاع عن نفسها، إلا أن ذلك يبقى رهاناً ينطوي على أخطار كبيرة. إن استهداف وكلاء إيران هو شيء، أما القيام باستهداف إيران نفسها واستهداف مصالحها فهو شيء آخر. ويعتمد مثل هذا التفكير على الاعتقاد أن إيران أضعف من أن تتمكن من الرد، نظراً إلى الحالة المتقلبة التي تعيشها سياستها.

ولكنه يظهر أيضاً ازدراءً للتعهدات التي قدمها المرشد الأعلى الإيراني بنفسه، مباشرة بعد وقوع هجمات السابع من أكتوبر، التي مفادها أن إيران ستبقى بمنأى عن الصراع بين إسرائيل و”حماس”. ومجدداً، قد يقدم هذا مزيداً من الأدلة على ضعف إيران، ولكن هذا التعهد احترم إلى حد كبير.

وجاءت رسالة مماثلة من زعيم “حزب الله”، حسن نصرالله، في جنوب لبنان، حيث جرى وإلى حد بعيد التزام ذلك التعهد. فمنذ السابع من أكتوبر، لم يكن هناك تصعيد كبير ضد إسرائيل من قبل “حزب الله” في جنوب لبنان – وهو ما كان يخشى منه – أو أي تصعيد إيراني آخر يمس ما قد تعتبره إسرائيل مصالحها.

ولكن بدلاً من اختبار نوايا إيران، يبدو أن إسرائيل تعاملت مع موقف طهران المعلن على أنه دعوة إلى الاستطلاع ثم التدمير. لقد أدى ذلك الآن إلى انتهاك واضح للقانون الدولي في الهجوم على القنصلية الإيرانية في سوريا.

في الوقت الحالي، يبدو أن هناك مباراة ثلاثية الأطراف تجري رحاها وتتطور، إذ تقوم إسرائيل بمهاجمة وكلاء إيران فيما تقوم الدول العربية بالترقب، لأنه من مصلحتهم إضعاف إيران بصورة أكبر. لكن الخطر هنا هو أن صبر إيران قد يصل ذات يوم إلى حدوده القصوى، وعلى رغم اعتبارها ضعيفة، فإن طهران يمكن أن تنتفض، وأن تتسبب في مواجهات على أكثر من مستوى وصولاً إلى مواجهة شاملة قد تصل إلى الحرب.

إن مهاجمة مصالح الخصم بشكل مباشر، بغض النظر عن كونه عدواً منذ زمن طويل، لا تبدو منطقية بالنسبة إلى إسرائيل في وقت هي مشغولة بحربها ضد “حماس” في غزة. وهذه الفكرة تصح أكثر أيضاً لأن الحرب هذه تبدو أنها تستغرق وقتاً وموارد أكثر بكثير مما تصورته إسرائيل بالتأكيد في البداية – ناهيك بالمشكلات الدبلوماسية التي خلقتها مع الجميع تقريباً، بما في ذلك الأصدقاء الأوفياء الدائمون، إضافة طبعاً إلى الانقسامات التي كشفت عنها في الداخل الإسرائيلي نفسه.

إحدى الإيجابيات القليلة جداً في ما يتعلق بحرب غزة هي أنها، حتى بعد مرور ستة أشهر، لم تتوسع كما كان يخشى. وربما يرجع هذا إلى ضعف إيران الحالي، ولكنه ربما يرجع بدرجة أكبر إلى إحجام عديد من الدول العربية، فضلاً عن تركيا ومصر، عن الانخراط في أي شيء غير محاولات التوصل إلى وقف إطلاق النار والإفراج عن مزيد من الرهائن.

ومع ذلك، كلما زادت الضربات الإسرائيلية المباشرة على إيران ومصالحها، زاد خطر التصعيد – وهذا هو السبب وراء اختلاف الغارتين الجويتين اللتين شنتهما إسرائيل الإثنين الماضي (الأول من أبريل “نيسان”)، ولهذا السبب كان ينبغي لهجوم إسرائيل، الذي لم تعترف به، على القنصلية الإيرانية في دمشق أن يحظى باهتمام أكبر – وحتى بتنديد أكبر – مما حظي به.

بالمحصلة، تأثير الأول في الحرب، هذا إن كان له أي تأثير في الإطلاق، قد يكون من خلال كبح بعض تجاوزات إسرائيل. أما الأخير فمن شأنه أن يسهم في إشعال صراعات في جميع أنحاء المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى