#أقلام وأراءكاريكاتير

الاخ والصديق صلاح التعمري في ذمة الله

اللواء محمود الناطور

اللواء محمود الناطور “ابو الطيب” 23-4-2022م

لقد كنا هنا ، قاتلنا هنا، جمعتنا سويا حركة ثورية اسمها “حركة فتح” ، هدفها فلسطين ، كان تعارفنا في وسط المعارك ، في اثناء التجهيز لمعركة الكرامة ، وتستمر علاقاتنا ، الاخوية الصادقة ، طوال ما يتجاوز عن النصف قرن ، واجهنا خلالها الكثير من الاحداث والذكريات الصعبة ، والانتصارات ، والانكسارات ، لكننا كنا اقويا وقادرين على التحدي ، لاننا لم نكن سوى شخصا واحدا ، وليس اشخاصا متفرقين ، كل يبحث عن مصالحه الخاصة ، وانما كنا جسدا واحدا ، لا نحلم سوى بالعودة الى فلسطين.

واليوم وفي أيام فضيلة تأتي لحظة عصيبة على الجميع ، لحظة القدر المحتوم ، عندما تودع فلسطين هذا القائد الكبير ، الذي كان دائما في مقدمة المقاتلين ، في الصفوف الاولى للمعركة ، لم يتراجع ، وظل وفيا لمبادىء الثورة وفلسطين، انه رفيق الدرب ، الاخ والصديق صلاح التعمري ، التي انتقل الى رحمة الله ، مساء اليوم 23-4-2022م، لينكأ جراح الذكريات الطويلة مع هذا الاخ والصديق “صلاح التعمري”.

صلاح التعمري هو الاسم الحركي الذي عرف به “أسعد سليمان حسن عبد القادر سليمان، كان من أوائل الذين التحقوا بصفوف الثورة، كان مثقفاً ذا حضور قوي، خطيب يحسن اختيار كلماته، وأصبح كادراً تعبوياً ترك أثره في معسكرات الأشبال. كنت واحدا من ضمن شباب تنظيم الكرامة الذين كانوا مسلحين على نفقتهم الخاصة، وحين حضر الأخ صلاح التعمري إلى الكرامة تم التعرف عليه. وكان له دوراً مميزاً في التنظيم والتوعية الفكرية حيث كان محبوباً لدى الشباب، ومنذ ذلك التاريخ كان تنظيم الكرامة على علاقة قوية مع صلاح التعمري، وكان أول من أنشا ودرَّب وأسس مؤسسة الأشبال، وأذكر انه قبل المعركة بأيام كانوا قد حضروا للاحتفال بتخريج دورة الأشبال، وأثناء المعركة كان الأشبال متواجدين في الكرامة حيث قام بإخفائهم في ملجأ بالقرب من منزل أم يوسف “ام الفدائيين” ، وذلك في ليلة 21\3\1968م، عندما كنا نقوم بالتحضير للتصدي لقوات العدو الإسرائيلي التي كانت تستعد لمهاجمة مخيم الكرامة.

في هذه المرحلة كان الفدائيون الأوائل في الكرامة نجوماً تلمع فوق ووسط غيوم متلبدة، إنهم الطلائع التي تحاول اختراق الظلام بضياء التضحية والإرادة والصمود. وبعد انتصار معركة الكرامة ، واندفاع الشباب الفلسطيني والعربي نحو التطوع في صفوف الثورة ، التي بدت الأمل الوحيد في استعادة الكرامة العربية المهدورة، واصبحت الأغوار هي بوابة الثورة وكان صلاح التعمري أحد الواقفين على البوابة وأحد حراسها في ذلك العصر الذهبي للثورة.

ولقد كانت شهادته عن معركة الكرامة من الشهادات البارزة التي اوردتها في كتابي عن معركة الكرامة ، حيث يقول : في الكرامة بدأت تجربة من نوع جديد بعد أن فشلت محاولات العودة للوطن والالتصاق بترابه، حيث تحولت الكرامة إلى قاعدة الارتكاز الأساس في الأغوار الوسطى، بدأت العمل المتواصل لتدريب المتطوعين على السلاح بأسلوب بسيط ، حيث كنت أحمل قطعة السلاح وأطوف على البيوت لأعلم الناس مبادئ الاستخدام الأولية، وفي الليل كنا نتوجه نحو نهر الأردن لاستكشاف إمكانية نزول دوريات أو لاستقبال دوريات عائدة. ويضيف: “لقد عملت في الكرامة وأسهمت في تجربة (أشبال الثورة) ودفع هذه التجربة للأمام وللاستقرار لتكون الترجمة الحقيقية لشعار الحرب الشعبية الطويلة الأمد”.

ويضيف : كنا تجسيداً حقيقياً لإرادة أمتنا العربية المجروحة بفعل الهزيمة والرافضة الاعتراف بنتائج تلك الهزيمة، الإرادة هي الجسر الذي يصل بين الواقع المزري آنذاك وبين الآمال الكبيرة، وذلك بإعادة تعريف الأشياء وهز البديهيات والإيمان بالنصر الحتمي، القادم في نهاية الطريق المليء بالأشواك والمتاعب والجماجم والدماء، بدأت إقامة الأنفاق تحت الأرض في الكرامة وبدأت أصل الملاجئ تحت البيوت بعضها ببعض باستخدام المواد المتاحة البسيطة. وكنا نعمل كفريق متكامل ودون تعقيدات، كنا ننتظر المعركة وقررنا الدفاع عن كل شبر وعن كل شتلة بندورة في الأغوار، هؤلاء الشباب المؤمنون الحالمون بمستقبل مشرق كانوا قد قطعوا جسورهم مع حياتهم الخاصة وطموحاتهم الذاتية ، كان الطموح نضالياً واستشهادياً ، حيث كان الشباب يتنافسون في النزول مع الدوريات. 

وبعد انتقال الثورة الفلسطينية الى لبنان كان له تجربة طويلة هناك، واسس معسكرات الاشبال والزهرات في جنوب لبنان ، والتي كانت ردفا قويا لقوات الثورة الفلسطينية بأجيال قدر لها ان تقاتل وتسجل ملحمة البطولة والفداء في مواجهة قوات جيش الاحتلال اثناء اجتياحها للاراضي اللبنانية ، مسجلة بطولات يشهد له الجميع في جنوب لبنان، وكان في مقدمة المقاتلين حتى وقع في الاسر ، وعاش تجربة نضالية مريرة في معسكر أنصار، لتضاف الى الكثير من التجارب النضالية الممتدة في مسيرة المناضل صلاح التعمري على مدى الساحات النضالية المختلفة والتي يربط بينها الإخلاص والعمل في إطار فتح الثورة طريق الوطن والحرية.

في الصورة : من اليمين اسد بغداد ومحمد علي كلاي وصلاح التعمري

نال الراحل الكبير حريته من الاسر عام 1983 ضمن صفقة النورس مع اكثر من 5000 اسير فلسطيني ولبناني. وعاد الى ارض الوطن مع قوات الثورة الفلسطينية، وترشح في اول انتخابات تشريعية لعضوية المجلس التشريعي عام 1996، وفاز عن محافظة بيت لحم. شغل الراحل منصب وزير الشباب والرياضة في الحكومة الثامنة، ومحافظ سابق لمحافظة بيت لحم، ومستشارا للرئيس محمود عباس لشؤون الاستيطان والجدار، وعضو المجلس الثوري لحركة “فتح”، وعضو المجلس الاستشاري في الحركة، وعضو المجلس العسكري، وعضو المجلس المركزي الفلسطيني.

الصورة صلاح التعمري في سجن انصار 1 جنوب لبنان

لقد رسم الراحل الكبير علاقة عضوية بين جيل الثورة وجيل الانتفاضة؛ حيث كان الكفاح المسلح بارقة الامل وسط الظلام العربي لدى جيل الثورة وجيل الانتفاضة لأبناء الشعب الفلسطيني الذي طالما أبدع في الخروج من التحديات والصعوبات التي تفرض عليها ، مستحقا بالفعل لقب شعب الجبارين كما اطلق عليه الرئيس الراحل ياسر عرفات ، ولقب طائر العنقاء الذي ينهض من وسط الركام ليصنع مصيره وغده ومستقبله وحريته.

رحم الله الاخ والصديق والمناضل ، صلاح التعمري ، واسكنه الله فسيح جناته والهم اهله الصبر والسلوان وانا لله وانا اليه راجعون.

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى