#أقلام وأراء

اللواء محمد ابراهيم – رسالة إسرائيلية واضحة إلى الفلسطينيين والعرب

اللواء محمد إبراهيم الدويري ٨-٢-٢٠٢٢

لم تفاجئنى التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إلى صحيفة «إسرائيل اليوم» منذ أيام, التي أكد خلالها معارضته قيام دولة فلسطينية وعدم السماح بمفاوضات سياسية ولن يعقد لقاءات مع أي من قيادات السلطة الفلسطينية، كما أنه لن يسمح بتطبيق اتفاقات أوسلو مادام ظل رئيساً للحكومة.

تتواءم هذه التصريحات ـــ التي أرفضها شكلاً ومضموناً ـــ بشكل تام مع سياسة الحكومة الحالية التي أسقطت عملية السلام من أجندتها، كما تتماشى مع معتقدات رئيس الوزراء الذي يتولى رئاسة حزب ديني صهيوني وهو حزب «البيت اليهودي» ولديه ستة مقاعد فقط في الكنيست كما أنه شغل من قبل منصب رئيس مجلس المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وبالرغم من أن هذه التصريحات لا تتواءم مع مواقف بعض أحزاب الائتلاف الحكومي مثل حزب هناك مستقبل وحزب العمل وميرتس والقائمة العربية إلا أنه للأسف فإن جميع الأحزاب تقدم كل التنازلات حرصا منها على استمرار تلك الحكومة الهشة «61 عضو كنيست فقط».
ولعل أهم ما استوقفني ليست تصريحات «بينيت» في حد ذاتها بل التوجهات الإسرائيلية الإقليمية التي استند إليها فى إطلاق هذه التصريحات وأهمها ما يلي:
> استمرار التطبيع الإسرائيلي مع بعض الدول العربية وتعميق هذا التطبيع بتوقيع العديد من الاتفاقات التى تدعم وضعية الموقف الإسرائيلي.
> عدم اتخاذ إسرائيل حتى الآن أي خطوات لاستئناف المفاوضات المتوقفة مع الجانب الفلسطيني منذ نيسان 2014، بل على العكس فإنها تتخذ جميع الإجراءات المتشددة، سواء بناء المستوطنات أو اعتقال الفلسطينيين، أو هدم بعض المنازل في القدس الشرقية وتهجير سكانها.
> تركيز إسرائيل على تهديدات إيران ووكلائها للأمن والاستقرار فى المنطقة واعتبار أن هذا الأمر يمثل مصلحة إسرائيلية/ عربية مشتركة وله أولوية على أى قضايا أخرى وعلى رأسها القضية الفلسطينية .
وفي رأيي أن هناك سببين رئيسيين دفعا بينيت لإطلاق هذه التصريحات أولهما حرصه على توجيه رسالة واضحة للدول العربية والفلسطينيين أنه لن تكون هناك أي علاقة بين مسار التطبيع المتسارع وبين إحراز أي تقدم في القضية الفلسطينية، أما السبب الثاني فيتمثل في تأكيد بينيت أن اللقاءات التى تمت مؤخراً بين كلٍ من وزير الدفاع بينى جانتس ووزير الخارجية يائير لابيد مع القيادة الفلسطينية لن يكون لها أدنى تأثير على عملية السلام، ولا يمكن البناء عليها سواء تمت بتنسيق معه أو بمبادرات شخصية من الوزيرين الإسرائيليين.
ومن المؤكد أن هذا الموقف الإسرائييى يضرب بعرض الحائط ليس فقط القرارات الدولية التي مازالت تؤكد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وإنما يتصدى بصورة يعلوها التحدى لموقف الإدارة الأمريكية التي تتبنى مبدأ حل الدولتين، والتي حرص وزير الخارجية الأمريكي على تأكيده خلال الاتصال الذي تم بينه وبين الرئيس الفلسطيني أبو مازن يوم 31 كانون الثاني الماضي، وللأسف لايزال الموقف الأمريكي متراجعاً فى هذا الصدد.
وبالتالي فإن الرسالة التي تضمنتها تصريحات بينيت تعد رسالة واضحة للغاية وهي أن المرحلة القادمة خاصة عام 2022 لن تشهد أى تحرك إسرائيلي في عملية السلام وعلى الأقل حتى يترك منصبه في منتصف العام المقبل لوزير خارجيته يائير لابيد.
هذه الرسالة الإسرائيلية السلبية يجب أن نستثمرها ونحولها إلى قوة إيجابية لصالحنا، حيث لابد أن يكون هناك موقف عربي وفلسطيني يأخذ فى اعتباره إعادة تذكير بينيت بأن القضية الفلسطينية سوف تظل هى القضية العربية المحورية مهما تكن الظروف الإقليمية والدولية، وهنا أستعير وأؤيد تصريح أحد القيادات الفلسطينية رداً على هذه التصريحات بأن الدولة الفلسطينية هى حتمية تاريخية، وأن الأمن والاستقرار والسلام لن يتحقق في المنطقة إلا من خلال إقامة الدولة الفلسطينية.
وفي هذا المجال أقترح الخطوات السياسية الثلاث التالية:
الخطوة الأولى: أن يكون هناك تركيز عربى ودولى منذ الآن على أن يكون عام 2022 هو عام القضية الفلسطينية، وتنظيم بعض الفاعليات الداخلية والخارجية المتواصلة التى تدعم هذه الخطوة.
الخطوة الثانية: أن يتم بأي شكل من الأشكال المتفق عليها طرح رؤية عربية لحل القضية الفلسطينية، تخاطب وتقنع المجتمع الدولى تجمع بين الواقعية والثوابت حيث لا يكفى أن نردد امتلاكنا مبادرة سلام عربية مطروحة منذ عشرين عاماً دون أن ننجح حتى الآن في تسويقها.
الخطوة الثالثة: أن تبدأ مفاوضات جادة لإنهاء الانقسام الفلسطيني بكل جوانبه حتى تكون المصالحة وتأكيد وحدة الموقف الفلسطينى خير رد على تصريحات بينيت، فخطورة الموقف الحالى أصبحت تعلو فوق مصالح فتح وحماس والجهاد وكل التنظيمات والفصائل والأشخاص.
وفي النهاية أود أن أوجه رسالتين أعتقد بأهميتهما، الرسالة الأولى ومفادها إذا لم تكن هناك حركة عربية فعالة وضاغطة ونشيطة تجاه دفع حقيقي للقضية الفلسطينية في ظل هذه الظروف فمتى نتحرك؟ والرسالة الثانية أوجهها إلى المسئولين الإسرائيليين ومفادها إذا كنتم بهذه التصريحات والمواقف تقتلون كل آمال الشعب الفلسطيني في أن تكون له دولة مستقلة مثلكم تعيش بجواركم فى أمن وسلام، فماذا يمكن أن تتوقعوا من شعب محتل تتعاملون معه بسياسة الحديد والنار وإنكار أقل حقوقه المشروعة التي اعترف بها العالم أجمع؟.

* نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية .

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى