#أقلام وأراء

اللواء محمد إبراهيم الدويري: مصر ولماذا قطاع غزة؟

اللواء محمد إبراهيم الدويري 23-10-2023: مصر ولماذا قطاع غزة؟

رغم محاولتى الابتعاد عن الخوض فى طبيعة العمليات العسكرية بين إسرائيل وقطاع غزة فى الحرب الحالية والسابعة بين الطرفين منذ 2008 ، فإن هناك جانباً مهما فى رأيى يتمثل فى أن القصف الإسرائيلى على القطاع يعتبر غير مسبوق وجاء عقب ماتعرضت له العسكرية الإسرائيلية من فشل ذريع، ومن ثم انتقل الأمر من مرحلة القصف المكثف المعتاد إلى مرحلة تنفيذ أكبر قدر من التدمير المساحى والقتل والتمهيد للمعركة البرية متى توافرت عوامل تأمينها فى أى وقت، واستندت إسرائيل فى هذه الحرب على قرارات داخلية اتخذتها أهمها إعلان حالة الحرب وتشكيل حكومة طوارئ وخطوات خارجية أهمها قوة الدعم الأمريكى العاجل، الأمر الذى أدى إلى تهجير 400 ألف من سكان القطاع من مساكنهم إلى مراكز إيواء وسط وجنوب غزة.

لم تكن مصر بعيدة عن هذه التطورات حيث تحركت منذ اليوم الأول لاحتواء التصعيد المتواصل، ومع تزايد العمليات الإسرائيلية وبدء تطبيق سياسة العقاب الجماعى على السكان من قطع الكهرباء والمياه ونقص الإمدادات الغذائية وقصف معبر رفح الفلسطينى، كثفت القيادة السياسية تحركاتها الإقليمية والدولية بهدف إدخال المساعدات من أجل إنقاذ السكان من كارثة إنسانية مروعة رغم المعوقات التى تضعها إسرائيل فى هذا الشأن. وقد حرص الرئيس عبدالفتاح السيسى أن يعلن على الملأ محددات التحرك المصرى تجاه الأحداث، وسوف أقف عند أهم ثلاث رسائل أكدها سيادته وهى كمايلى: ضرورة الانتباه إلى خطورة محاولات تصفية القضية الفلسطينية. وجوب إخراج المدنيين من دائرة الانتقام وتجنب سياسة العقاب الجماعى والحصار والتهجير. إن خيارات مصر الإستراتيجية ورغبتها فى السلام تحتم عليها عدم التخلى عن الشعب الفلسطينى.

وإذا تعمقت فى هذه التصريحات فلابد أن أشير إلى أنها تضمنت الرؤية الحقيقية لموقف مصر من القضية الفلسطينية ذلك الموقف الذى لم ولن يتغير، ولاسيما عدم تخلى مصر عن الفلسطينيين، وهو مايعنى أن القضية الفلسطينية تمثل أهم أولويات السياسة الخارجية المصرية رغم أية صراعات حيث إن الهدف النهائى الذى تسعى إليه مصر هو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ومن ثم جاء النداء القوى الذى وجهه الرئيس السيسى للأطراف كلها محذراً من محاولات تصفية القضية.

ومن الضرورى أن يكون الرأى العام المصرى على بينة مما يمثله قطاع غزة من أهمية للدولة المصرية، وهنا أشير إلى أربع نقاط فقط وهى:

أن قطاع غزة يدخل ضمن الدائرة المباشرة للأمن القومى المصرى، حيث يبلغ طول الحدود بين القطاع ومصر نحو 14كم، الأمر الذى يعنى أن مصر لن تسمح لأى أحد بتهديد أمنها انطلاقاً من القطاع. أن حدود الدولة الفلسطينية التى تتبناها مصر اتساقاً مع موقف المجتمع الدولى تتمثل فى الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة، ويجب ألا ننسى أيضاً أن اتفاق أوسلو أكد فى أحد بنوده أن كلا من غزة والضفة هما وحدة جغرافية وسياسية واحدة.

أن مصر ترفض تماماً أن تكون هناك أى استقلالية من أى نوع للقطاع، ومن ثم تحركت لتحقيق المصالحة الفلسطينية ونجحت فى التوصل لاتفاق شامل لإنهاء الانقسام فى مايو 2011 إلا أنه للأسف لم يتم تنفيذه حتى الآن . أن مصر عانت كثيراً من الأوضاع الأمنية المتدهورة فى شمال سيناء التى كانت مرتعاً للإرهاب ونجحت فى تحقيق الأمن وإغلاق الأنفاق فى هذه المنطقة، وبالتالى لن تسمح بعودة الإرهاب أو تدهور الوضع الأمنى فى سيناء مهما يكن الأمر. أن معبر رفح البرى الذى يعد المنفذ الرئيسى لخروج آلاف الفلسطينيين من غزة يقع على الأراضى المصرية، وهناك تعليمات من القيادة السياسية بفتح المعبر بصفة دائمة بل وإدخال مساعدات إلى غزة من خلاله.

إن مصر لم تتوان طوال تاريخ الصراع عن تقديم كل الدعم الممكن للقضية الفلسطينية، ودافعت عنها فى جميع المحافل الإقليمية والدولية، ولا ننسى أن مصر كان لها الدور الرئيسى فى التهدئات بين كل من إسرائيل وقطاع غزة طوال الحروب السابقة، وكذا إنجاز صفقة شاليت التى أدت إلى الإفراج عن أكثر من ألف أسير فلسطينى فى نوفمبر 2011، بالإضافة إلى تنفيذ العديد من المشروعات فى إطار إعادة إعمار غزة وتحديد مبلغ 500 مليون دولار لهذا الغرض. ومن ثم فإن مصر ترى فى هذه الأحداث التى تتصاعد حدتها تحولاً خطيراً فى مسار القضية الفلسطينية، وتؤدى إلى وقوع قطاع غزة فى براثن العقاب الجماعى بكل جوانبه، الأمر الذى يزيد من معاناة سكان القطاع الذى يقترب عددهم من اثنين ونصف مليون نسمة يعيشون أساساً فى ظروف صعبة وبما قد يؤدى إلى نزوح الآلاف منهم فى اتجاه شمال سيناء، الأمر الذى نرفضه فى ضوء مايلى: أن مصر تقف فى وجه أية سياسات تهجير تفرضها إسرائيل على السكان الفلسطينيين سواء فى القدس الشرقية (حى الشيخ جراح) أو فى قطاع غزة. أن مصر لم تتأخر يوماً عن دعم الجانب الإنسانى لسكان غزة ولاسيما فتح مستشفياتها لتقديم العلاج اللازم للمصابين والمرضى فى إطار الاتفاق مع المؤسسات الفلسطينية المعنية .

وفى النهاية لابد أن أوجه رسالتين محددتين الأولى موجهة لإسرائيل ومفادها أن أى محاولات لإنهاء القضية الفلسطينية سيكون مصيرها الفشل، والرسالة الثانية أوجهها للفلسطينيين فى غزة والضفة والقدس مفادها أن التمسك بالأرض هو الطريق الرئيسى نحو إقامة الدولة الفلسطينية وأن مصر لن تترك أشقاءها وأبناءها الفلسطينيين بمفردهم.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى