#أقلام وأراء

اللواء المتقاعد أحمد عيسى: القيادة والرؤية والتعليم وحسن إختيار ساحة المعركة شروط إنتصار الفلسطينيين في حرب الرواية

اللواء المتقاعد أحمد عيسى 18-6-2023: القيادة والرؤية والتعليم وحسن إختيار ساحة المعركة شروط إنتصار الفلسطينيين في حرب الرواية

يخوض الشعب الفلسطيني منذ أكثر من قرن نضال ممتد ومعقد ومكلف على أكثر من جبهة (عسكرية وسياسية وديبلوماسية وقانونية وإعلامية و…) ضد إستعمار إستيطاني غربي قام على اساس الشراكة الدائمة بين قوى الإستعمار الغربي والحركة الصهيونية.

وفيما تقدمت إحدى هذه الجبهات على الأخرى من وقت لآخر خلال فترة الصراع الطويل هذا، مما جعل هذه الجبهات تبدو  منفصلة عن بعضها البعض أحياناً، إلا أن الرواية الفلسطينية كانت دائما الباعث والملهم للفلسطينيين في كل الأوقات وعلى كل الجبهات، علاوة على أنها كانت دائماً تمثل الصمغ اللاصق لكل إستراتيجيات الفلسطينيين خلال كل مراحل الصراع على كل الجبهات.

وعلى ذلك لا نخطأ التقدير بالقول أن حرب الرواية المستعرة الآن بين الإستعمار العنصري الصهيوني وشركائه من جهة، والفلسطينيين من جهة أخرى هي جبهة قائمة بذاتها ربما تتقدم في أولويتها على كل الجبهات رغم أهمية هذه الجبهات، لا سيما وأن الرواية الصهيونية الإستعمارية في هذه الأثناء تشهد تراجعاً في أوساط الرأي العام العالمي خاصة الرأي العام اليهودي خارج إسرائيل، الذين كان لهما الدور الأبرز في تقديم الدعم السياسي والمادي للمشروع الإستعماري الصهيوني منذ بداية تنفيذ هذا المشروع قبل قرن من الزمان.

ومقابل هذا التراجع على صعيد الرواية الصهيونية الإستعمارية، تزداد الأصوات الفردية والجماعية والمؤسساتية الخاصة والرسمية، بما في ذلك الأصوات الصادرة عن رؤساء وبرلمانات دول، المطالبة برفع الظلم عن الشعب الفلسطيني وإنصافه ومنحه جزء من حقوقه، الأمر الذي يفرض على الفلسطينيين إعادة صياغة روايتهم بلغة العصر وإعداد وتجهيز وتدريب جيشهم الذي سيخوض حرب الرواية بأدوات العصر، ثم ترتيب ساحات المعركة حسب درجة أهميتها، فالمعركة على الساحة الأمريكية مثلاً تختلف عن سواها من الساحات.

وفي هذا الشأن يجادل كثير من الخبراء في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية حول العالم ومن بينهم استاذ العلاقات الدولية جون ميرشايمر أن النصر سيكون يقيناً حليف الفلسطينيين في حرب الرواية، إذا ما أحسن الفلسطينيين صياغة خطابهم وأتقنوا إختيار وإعداد وتجهيز جنودهم لمعارك هذه الحرب، سواء من داخل فلسطين أو من خارجها، لا سيما من الأجيال الشابة من اللاجئين والمهاجرين الفلسطينيين الذين استقروا في الأمريكتين وغرب أوروبا.

ويضيف ميرشايمر أنه فيما يمتلك الفلسطينيين السلاح الأقوى في هذه الحرب وهو سلاح الحقيقة والعدل والمظلومية، يمتلك الإستعمار الصهيوني وشركائه سلاح الظلم العنصرية والفاشية وتزوير الحقيقة علاوة على البطش والإبادة والتطهير العرقي  والإحتلال بقوة الدبابة والطائرة والمدفع.

يفسر ما تقدم أن مفهوم الرواية بدأ مؤخراً يحتل مساحة أوسع في الخطاب الرسمي الفلسطيني، الأمر الذي يتجلى ايما تجلي في خطابات وتصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لا سيما في خطاباته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي كان أكثرها وضوحاً ما تضمنه خطابه العام 2021 حين قال ” هل تعتقد إسرائيل أنها تستطيع الى مالا نهاية تسويق رواية زائفة تتجاهل حق الشعب الفلسطيني التاريخي في وطنه؟” واضاف في مكان آخر في ذات الخطاب “إن المظاهرات التي تخرج حول العالم، لا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وفي كل مكان حول العالم مطالبة بإنهاء الإحتلال والأبارتهايد والتطهير العرقي هي بداية الصحوة نحو التعرف على الرواية الفلسطينية الحقيقية التي أدعو الجميع لمواصلة شرحها والدفاع عنها”.

وهنا أجادل أن الشعب الفلسطيني بكل نخبه السياسية والثقافية والإجتماعية هي الجهة الأولى المستهدفة من بين الجميع الذين دعاهم الرئيس في خطابه لمواصلة شرح الرواية الفلسطينية والدفاع عنها، مما يعني ببساطة أن تلكأ الفلسطينيين في عدم الإستجابة لهذه الدعوة من خلال التوحد أولاً حول الرواية وإنهاء الإنقسام البغيض الذي أسس لأكثر من رواية ، الأمر الذي لا يخلو من دلالة، ثم الشروع مباشرة في اعداد وتنفيذ الخطط اللازمة لذلك، إنما يعني ببساطة إضعاف الرواية الفلسطينية من داخلها وإفساح المجال للرواية الصهيونية بمواصلة تسويق زيفها وكذبها.

لا سيما بعد أن إعترف العالم بالجريمة المستمرة التي ارتكبها الإستعمار بحق الفلسطينيين منذ أكثر من سبعة عقود، حيث يعتبر هذا الإعتراف بمثابة التعزيز الأهم الذي يتم للرواية الفلسطينية منذ بداية الصراع على فلسطين، من خلال صدور القرار رقم (A/77/L.24) عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ثم إحياء الأمم المتحدة ذكرى النكبة التي تعتبر العمود الأساس الذي تقوم عليه الرواية الفلسطينية، للمرة الأولى في قاعتها، ثم في إصدار الرئيس مرسوماً بقانون بشأن إحياء ذكرى النكبة، الذي اعتبر في مادته الثانية أن نكبة الشعب الفلسطيني العام 1948، جزء لا يتجزأ من الرواية الوطنية الفلسطينية المستندة الى الحق التاريخي وقرارات الشرعية الدولية المتعاقبة، ثم اعتبرت المادة الثالثة أن إنكار النكبة جريمة يعاقب عليها القانون.

أما من حيث أهمية التعليم في تعزيز الرواية وأعداد الجيش المؤمن والقادر على النصر في حرب الرواية فهناك ضرورة لإضافة مضمون قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة والمرسوم بقانون الخاص بالنكبة للمناهج التعليمية خاصة في المدارس الإبتدائية والإعدادية سواء الحكومية أو التابعة لوكالة الغوث وذلك لتنشئة أجيال مؤمنة بحقها في فلسطين وقادرة على إصلاح ما فسد.

ومن حيث ساحة الحرب الأهم من بين الساحات، فتبرز الساحة الأمريكية، حيث الجالية اليهودية الأكبر حول العالم، والأهم انها تعتبر مركز القوة الرئيس لإسرائيل العنصرية، إذ يرى البعض من رجال الفكر والإعلام خاصة اليهود أن الساحة الأمريكية هي الساحة التي سيحسم فيها الصراع على فلسطين، أي كلما تراجع تأثير اللوبي المؤيد لإسرائيل في الساحة الأمريكية على قرارات الإدارة، كلما فقدت إسرائيل أهم أسباب قوتها وإستمرارها، ويضيف هؤلاء أن إحتجاجات ومظاهرات اليهود الأمريكان ضد الفاشي سموترش وكذلك روثمان الذين زاروا أمريكا مؤخراً هي من أهم علامات تراجع التأييد اليهودي الأمريكي لإسرائيل الفاشية العنصرية، الأمر الذي يتطلب من الفلسطينيين حسن إختيار أدواتهم المؤهلة لخوض هذه الحرب في الساحة الأمريكية.

* المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى