#شؤون مكافحة الاٍرهاب

«السيولة الإرهابية».. تحدٍّ جديد أمام الأجهزة الاستخبارية

موقع المرجع شريف أبو الفضل – 26/10/2018

أدت حالة السيولة التي تتصف بها التنظيمات الإرهابية في العصر الحالي إلى مزيدٍ من التحدي أمام أجهزة الأمن القومي للدولة الوطنية بشكل عام، وفي القلب منها الأجهزة الاستخبارية، ولم تعد الأساليب التقليدية للدولة؛ من حيث استخدامها لأدوات القوة الجبرية (الجيش والشرطة والقضاء) كافيًّا لتتبع المجموعات الإرهابية، والقضاء عليها ومنعها من الاستمرار في المستقبل.

فعالم ما بعد العولمة -إذا جاز التعبير- الذي نعيش فيه الآن يتميز بالسيولة الواضحة في كل مناحي الحياة، والمتغيرات السياسية والاجتماعية والثقافية والعلمية التي تحيط بنا كان لها صداها أيضًا على تلك التنظيمات المتطرفة، التي استخدمتها أفضل استخدام وطورت من عملها وحركتها، من أجل الحيلولة دون الوقوع فريسة للأجهزة الأمنية المتربصة بها، وفي المقابل، واكبت الأجهزة تلك التطورات لتعقب الجماعات الإرهابية والإيقاع بها ومنعها من تنفيذ عمليات إرهابية جديدة.

اعتمدت التنظيمات الإرهابية على أسلوب الشبكية اللامركزية، وتجنيد عناصر لها في كل مكان دون الاحتياج للإفصاح عن ذلك بشكل علني، لتنفيذ عمليات إرهابية في إطار فكرة «القتال الأممي» التي دشن لها شيخ القاعدة ورمزها  الأعلى «أسامة بن لادن»، كما انتقلت تلك التنظيمات والأفراد من مكان إلى آخر مستخدمة تقدم وسائل المواصلات والاتصال بين الدول، واستخدمت أكثر الإمكانات المتاحة في عالم التكنولوجيا الحديثة من أجل عمليات التجنيد والتواصل فيما بينها، كما زادت عمليات الفصل والاندماج داخل التنظيمات الإرهابية، لأسباب فكرية أو حركية مختلفة.

كل هذا فرض على الأجهزة الاستخبارية مزيدًا من التحدي والأعباء لمواكبة تلك التغيرات، فهذه الأجهزة لا تتعامل مع عدو واضح في مكان واضح، بل مع كيانات زئبقية لديها القدرة على التلون والتكيف حسب ما تقتضيه الضرورة بما يمكنها من البقاء والاستمرار، في نهجها التطرفي التخريبي.

وسوف يتم العرض لظاهرة السيولة الإرهابية كتحدٍ استخباري من خلال عنصرين رئيسيين هما: مفهوم الجهادية السائلة، وتطور العمل الاستخباري في مواجهة السيولة الإرهابية.

مفهوم الجهادية السائلة:

تعود حالة السيولة لدى التنظيمات الإرهابية إلى نشأة هذه التنظيمات، فهي قديمة بقدمها، إلا أن مفهوم «الجهادية السائلة» قد استخدم حديثًا من قبل الباحثين والمتخصصين، وهي تعني أن أشخاصًا لا يشترط كونهم تنظيميين اعتنقوا الفكر الجهادي، وجذبتهم الحالة الجهادية عمومًا.

وتنتشر أكثر في ظل السياقات الظرفية مثل اجتياح الاتحاد السوفييتي لأفغانستان في 1979، واحتلال أمريكا للعراق في 2003، إذ ظهرت خلال تلك الفترة مجموعات تبنت الفكر المقاوم، ونفذت عمليات جهادية ضد السوفييت في الحالة الأولى، والأمريكان في الحالة الثانية[i].

وبناءً على هذا التعريف المفاهيمي للجهادية السائلة، يمكن فهم طبيعة الحالة السائلة للتنظيمات الإرهابية، التي تعني أن تلك التنظيمات لديها من المرونة في انتهاج سبل مختلفة، ليس بالضرورة واحدة أو متطابقة، إلا أنها بالضرورة تتفق في المرجعية الأصولية والفقهية، رغم اختلافها في بعض الفروع وطرق التطبيق.

وتشمل الحالة السائلة للتنظيمات الإرهابية بجانب انضمام أفراد غير تنظيميين لها فكرة وحركة (الذئاب المنفردة)، انشقاقات لتيارات وفروع للتنظيمات الإرهابية نفسها، فقد شهدت الفترة التي أعقبت ظهور تنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا بعض الانشقاقات ولا سيَّما من تنظيم القاعدة، وإعلانها الولاء للتنظيم الأكثر تطرفًا «داعش»، في حين أدت الضربات القاسية التي تلقاها تنظيم الإخوان في مصر إلى فرار بعض العناصر منهم ومن غيرهم من الجماعات الإسلاموية للانضمام لداعش.

ويمكن تناول الحالة السائلة للتنظيمات الإرهابية من خلال المحاور التالية:

المحور الأول : الشبكية اللامركزية

أدت تجليات العولمة إلى انتهاج الجماعات الإرهابية مسارات فكرية وحركية أكثر حداثة وتطورًا؛ لأن الدول الوطنية قد تمكنت من معرفة الكثير من الوسائل والطرق التقليدية لتلك الجماعات، ما دفع الأخيرة إلى اتخاذ إجراءات تمكنها من الحيلولة دون الوقوع فريسة لأجهزة الدول المتربصة بها.

ومن أبرز تلك المسارات هو أسلوب الشبكية اللامركزية، الذي يعتمد على تطوير التصور اللامركزي للتنظيم، من حيث بناء التصورات الأيديولوجية، وممارسة الفعل الإرهابي عبر تنظيمات محلية لها ولاء مطلق للجماعة الأم، مثل الجماعات الإرهابية التي تنفذ عمليات في سيناء بمصر أو سوريا أو الصومال أو المغرب العربي، فلكلٍّ منهم نشاطه المحلي وولاءه لتنيظم القاعدةأو داعش.

تمثل ظاهرة الذئاب المنفردة النموذج الأمثل لأسلوب الشبكية اللامركزية التي تتبناها التنظيمات الإرهابية، وتعرف تلك الظاهرة بأنها مجموعة من الأفعال الفردية العدوانية التي يقوم بها أفراد بدافع شخصي أو عقائدي؛ بهدف إلحاق أضرار جسيمة بالدولة أو المجتمع، وقد يكون الدافع وراء تنفيذ البعض لهذه الأفعال المُشينة، هو اعتناقهم فكرة مُتطرفة يحولوها إلى واقع بمجرد أن تُتاح لهم الفرصة.

ورغم أن بداية استخدام فكرة «الذئاب المنفردة»، لم تكن من التنظيمات الإسلاموية؛ حيث استخدمها العنصري الأمريكي الشهير «توم ميتزجر» و«أليكس كيرتز» في تسعينيات القرن الماضي، فإن التنظيمات الإسلاموية استخدمتها أخيرًا وبقوة، وكانت أبرز تجلياتها في عصر التطور التقني واستهداف أجهزة الدول للتنظيمات بكافة السبل الأمنية والعلمية والفكرية[ii].

وقد استخدمت التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها «القاعدة» و«داعش» تلك الظاهرة استغلالًا جيدًا، فخلال العامين الماضيين، نُفذت العديد من العمليات في أوروبا، استطاع من خلالها التنظيم الإرهابي تطبيق استراتيجيته «نكاية العدو»، وتعني تحقيق الانتصار على العدو بالنقاط وبأقل التكاليف الممكنة، كنتيجة لما تعرض له تنظيم داعش في العراق وسوريا، أو القاعدة في اليمن وغيرها.

ووفقًا لتلك الاستراتيجية، فإن للعمليات أشكالًا مختلفة غير المعتادة، ومن بينها التفخيخ والتلغيم، أو الطرود المُفخخة، واستخدام السكاكين في طعن أكبر عدد ممكن؛ حتى يتمكن المقاتل من الهرب قبل أن يتم قتله، أو الدهس كما حدث في حادث «برلين» بألمانيا و«نيس» في فرنسا.

وزاد استخدام التنظيمات الإرهابية لأسلوب الشبكية اللامركزية بعد الضربات الموجعة التي تلقتها «داعش» في سوريا والعراق، وذلك من خلال تنشيط شبكتها العنكبوتية؛ لضمان استمرارية التنظيم الإرهابي وتنفيذ عمليات استعراضية.

ويمثل الإنترنت شريان الحياة للتنظيمات الإرهابية في العصر الحالي، فمن خلاله يمكنها تسهيل ممارسة نشاطاتها، وقد كان له الفضل الأول في عالمية العديد من التنظيمات الإرهابية المحلية، التي قامت بتوظيفه في الترويج والدعاية لأيديولوجياتها وعملياتها التي تنفذها في مختلف دول العالم، إضافة إلى تجنيد المقاتلين الجدد، وجذب التمويلات النقدية، والتواصل بين المقاتلين داخل التنظيم الواحد، ومع الجماعات الإرهابية الأخرى، وبين التنظيمات والذئاب المنفردة، وغيرها، لدرجة أنه أصبح المصدر الأساسي للترويج للتنظيمات الإرهابية وعملياتها وأهدافها، كما أن الإنترنت أصبح وسيلة لشن حروب إلكترونية، وللعبث بالأمن الداخلي للدول، ولاستهداف المنشآت الحيوية والعسكرية للدولة، وهو ما بات يقلق المصالح الأمنية الدولية.

المحور الثاني: الإرهاب العابر  للحدود

تصبو المجموعات الإرهابية إلى الإقليمية والعالمية لعديد الأسباب، وفي هذا السياق، تصبح المنظومة الإرهابية عابرة للحدود، من خلال عناصر التنظيم التي يمكن أن تنتقل من منطقة لأخرى، أو من خلال العمليات التي يتم تنفيذها ضد أهداف في دول مختلفة، وبالطبع، تمتلك هذه التنظيمات مصادر متنوعة للتمويل تمكنها من ممارسة نشاطها[iii].

يقوم الإرهاب العابر للحدود على مجموعة من المرتكزات الفكرية والسياقية؛ حيث يعتمد هذا النموذج من الإرهاب على فكرة البيعة والقتال الأممي، كمرجعيات معرفية مرتبطة بظهوره، إذ وجد خطاب الأممية المتجاوز لحدود الدول إرهاصاته الأولى في تنظيم القاعدة، حينما أطلق زعيم التنظيم السابق، أسامة بن لادن، دعوته الشهيرة في تسعينيات القرن الماضي للجهاد والقتال الأممي، وضرورة التحاق المسلمين بهذا القتال[iv].

وعبر هذه الدعوة، حفز «بن لادن» المنظومة الإرهابية العابرة للحدود، وأعطاها التأصيل الأيديولوجي المطلوب؛ لتصبح الصراعات المحلية جزءًا من صراع ونضال عولمي ضد «الردة والكفر»، وحرب ممتدة بين الإسلام والغرب.

كما استدعت تلك التنظيمات فكرة «البيعة» التي تعود في الأصل لمبايعة المسلمين ولاة أمورهم في القرون الأولى لظهور الإسلام، وعبرت «داعش» بقوة عن هذا المفهوم في طرحها لفكرة «الخلافة الإسلامية» ومبايعة الخليفة أبو بكر البغدادي[v].

كما ساهمت عوامل سياقية في الدفع باتجاه تعزيز الإرهاب العابر للحدود، ومنها ضعف الدولة الوطنية وهشاشة قبضتها على كامل أرضها، ما أدى إلى ظهور مناطق رخوة خارج سيادة الدولة الوطنية، أصبحت مرتعًا للجماعات المتطرفة العابرة للحدود (المنطقة الحدودية بين باكستان وأفغانستان، المنطقة الحدودية بين الجزائر والمغرب، وغيرها)، فضلًا عن إمكانية استخدام هذه الدول كمعابر آمنة للجماعات الإرهابية، كما الحال بالنسبة لليبيا، فضلًا عن عوامل أخرى تتعلق بالهويات الدينية، كما الحال بالنسبة لإيران وحزب الله، ودفاعهم عن الشيعة في العراق وسوريا واليمن، أو مناطق الصراعات المختلفة كما الحال بالنسبة لسوريا واليمن والعراق والصومال وليبيا وغيرها.

المحور الثالث: عمليات حل واندماج التنظيمات الإرهابية

تعد عمليات الحل والاندماج، التي تتعرض لها التنظيمات الإرهابية أبرز تجليات ظاهرة السيولة الإرهابية، ويعني هذا المحور بتناول عمليات حل واندماج التنظيمات الإرهابية على مستوى الجماعات، وقد كثر هذا النمط أخيرًا، وكان مسرح الأحداث في سوريا بيئة خصبة لذلك النمط، وعادة ما تندمج المجموعات الأقل في العتاد إلى مجموعات أكبر، ويحدث توحيد لهيكل القيادة والتحكم، وتسود أفكار المجموعة الأكبر.

من الأمثلة المطروحة، في هذا الصدد، نموذج تنظيم جيش المهاجرين والأنصار الشيشاني الذي نشأ من مجموعة كتيبة المهاجرين التي ظهرت في سبتمبر 2012، خلال عمليات القتال في حلب السورية، وكان يقودها أبو عمر الشيشاني، وقد أدى اندماج المجموعة مع مجموعات شيشانية أخرى إلى تأسيس «جيش المهاجرين والأنصار» في مارس 2013، وأصبح أبو عمر الشيشاني قائدا للتنظيم.

وبين أواخر عام 2013، وبدايات 2014، خرج «الشيشاني» بمجموعة من التنظيم ليندمج في «داعش»، كما خرجت مجموعة أخرى بزعامة سيف الله الشيشاني (الذي قتل في فبراير 2014) لتعلن انضمامها إلى جبهة النصرة التابعة للقاعدة[vi].

كما تعتمد المجموعات الإرهابية على ظاهرة الحل عن الجماعة الأم لعدد من الأسباب، التي قد تكون فكرية أو على مستوى التطبيق والوسائل مع التنظيم الرئيس، أو رغبة منها في مساحة حركة أوسع لا تسمح بها الجماعة الأم، أو لظهور تيارات تحمل أفكارًا ورؤى أكثر أو أقل تطرفًا.

ومن أمثلة ذلك إعلان جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام حاليًّا) انفصالها عن تنظيم القاعدة، كما شهدت جماعة «أنصار الدين» العديد من الانقسامات عام 2012-[vii]2013، وغيرها من عمليات الانفصال التي شهدتها هذه الجماعات.

تطور العمل الاستخباري في مواجهة السيولة الإرهابية:

لا شك أن تطور عمل التنظيمات الإرهابية بشكل كبير فرض على أجهزة الأمن القومي لدى الدول تحديًّا أكبر لتطوير عملها وأداءها بشكل أكثر فاعلية، ومثلت حالة السيولة التي تتصف بها التنظيمات الإرهابية تحديًّا كبيرًا أمام أجهزة الاستخبارات المعنية بتعقب هذه الجماعات، ولا ينبغي الاكتفاء باتباع الأساليب التقليدية للقضاء على الإرهاب؛ لأن مكافحة الإرهاب لا تتطلب فقط الاعتماد على القوة العسكرية وإنما تتطلب بقدر كاف الاعتماد على سلاح الاستخبارات الذي يسعى حثيثًا لتفكيك الجماعات الإرهابية، والحيلولة دون هجماتها، فالدول التي تكافح الإرهاب تعمل على تعقب مجموعات صغيرة، وغير مرتبطة مع بعضها البعض في كثير من الأحيان، إضافة لتعقبها عددٌ من الأفراد الذين يبرعون في إخفاء هوياتهم، ولا يظهرون للسطح إلا لمدة قصيرة، لا تتجاوز الوقت الذي ينفذون فيه عملياتهم وهجماتهم الإرهابية.

فالقدرات العسكرية – رغم أهميتها- فإنها لا تكفي وحدها لمنع وقوع أحداث إرهابية أخرى، كما أن المواجهة الشاملة مع الإرهاب تتطلب مواجهته بشكل سري وهو عمل أصيل لأجهزة الاستخبارات، التي يمكنها أيضًا مراقبة حركة الإرهابيين على المستوى المحلي، ورصد انتقالهم وسفرهم من وإلى داخل البلاد، وما أكثر الوسائل والإجراءات القانونية المتاحة للقوات الأمنية والاستخباراتية المحلية التي يمكن أن تكون لها اليد العليا والطولى في مثل هذا النوع من العمل الاستخباراتي المضاد.

فالشبكية اللامركزية التي تتخذها التنظيمات الإرهابية تكتيكًا جديدًا يدفع باتجاه ضرورة التعاون بين أجهزة الاستخبارات في الإقليم والعالم؛ من أجل رصد تلك التحركات للأفراد والمجموعات المنتمية للتنظيمات الإرهابية، فضلًا عن يقظة أجهزة الاستخبارات في تعقب ومعرفة العناصر الخاملة داخل الدولة، التي تكون في الغالب منصهرة في محيطها الاجتماعي، ما يتطلب قدرات خاصة لدى هذه الأجهزة من أجل التصدي لهذه الظاهرة.

فعنصر التعاون الاستخباري بين أجهزة الدول أمر مهم فيما يتعلق بالمواجهة الشاملة للإرهاب، لأن تلك التنظيمات لم تعد جامدة تقبع في منطقة معينة ولا تتحرك منها، بل تتميز بالسيولة في الانتقال والحركة الجغرافية والتنظيمية، التي يصعب منها تقدير مكان وحجم تلك التنظيمات، وبالفعل نجح التعاون الاستخباري في تحقيق تقدم كبير في الحرب على «داعش» وتحجيم نشاط «القاعدة» وأذرعها في عددٍ من الدول؛ حيث خسر «داعش» عددًا كبيرًا من قياداته البارزة نتيجة لهذا المسعى.

فعلى سبيل المثال، أصدر القضاء العراقي في سبتمبر 2018 حكمًا بالإعدام شنقًا على «إسماعيل العيثاوي» نائب «البغدادي»، والذي شغل عددًا من المناصب البارزة في التنظيم (مثل: مسؤول لجنة الإفتاء، المنوط به وضع مناهج دراسية للتنظيم)، وقد تم اعتقاله في تركيا في فبراير 2018 في عملية مشتركة بين الاستخبارات العراقية والتركية والأمريكية[viii]، كما تمكنت الأجهزة الأمنية التابعة للجيش الليبي وبتنسيق معلوماتي مع الأجهزة المصرية من القبض على الإرهابى هشام عشماوي.

دفعت التطورات التقنية إلى اعتماد الجماعات الإرهابية على التكنولوجيا الحديثة في تنفيذ مخططاتها من خلال التجنيد والاتصال والدعم المادي والمعنوي، الأمر الذي يفرض على الأجهزة الاستخبارية ضرورة مراقبة ومتابعة هذه التقنيات التي تستخدمها تلك الجماعات من أجل أغراضها التخريبية، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن الجزائر قدمت طلب إلى هيئة الأمم المتحدة بضرورة صياغة ميثاق دولي يضبط ويقنن النشر في وسائل التواصل الاجتماعي حتى لا يستخدمها الإرهابيون كمنبر لنشر أفكارهم[ix].

كما أن أجهزة الاستخبارات تسعى لمنع أي اتصال بين المجموعات المتطرفة وتجنيد عناصر جديدة عبر وسائل الدعاية والترويج المنتشرة على الإنترنت، إضافة إلى استخدام تلك التنظيمات لوسائل حديثة للتمويل عبر عمليات التحويل ونقل الأموال إليها باستخدام «البيتكوين»، وهي العملة الرقمية القائمة على مجهولية التعاملات ولا مركزية التحكم.

كما تلزم حالات الدمج والانفصال التي تتعرض لها التنظيمات الإرهابية إلى ضرورة تتبع مثل هذه الجماعات والأفرع، ووجود قواعد بيانات تتميز بالشمولية (أي تشمل كل التنظيمات والأفرع المعروفة) والمرونة (أي يمكن تعديلها باستمرار حسب ما يقتضيه الواقع من عمليات اندماج أو فصل تحدث داخل تلك التنظيمات)، ما يجعل من السهولة معرفة الخريطة الإرهابية لدى كل دولة من جانب، ولدى التجمعات الإقليمية والدولية من جانب آخر، ما يمكن تسميته بـ«وحدة العمل الاستخباري في مواجهة الإرهاب العالمي».

التنظيم الإرهابي إجمالًا يعتبر منظومة عسكرية استخباراتية ذات مرجعية فكرية، تتحرك وتنفذ عملياتها وفقًا لهذه المحاور؛ لذا يجب مراعاة الأبعاد العسكرية والاستخبارية والفكرية لكي تكون المواجهة أكثر شمولًا وأفضل نجاعة وفاعلية.

المصادر:

[i]http://www.soutalomma.com/Article/475227/%C2%AB%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%A6%D9%84%D8%A9%C2%BB-%D8%A3%D8%B4%D8%B1%D8%B3-%D9%85%D9%88%D8%AC%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8-%D9%81%D9%8A-2017

[ii] أحمد سامي عبدالفتاح، “الذئاب المنفردة: أخطر التحديات في أوروبا” في مجلة المرجع (باريس: مركز دراسات الشرق الأوسط باريس، العدد الأول، مايو 2018) ص ص 106-122.

[iii] Todd Sandler, “transnational Terrorism”, Copenhagen Consensus Center, February 2008,

Http://create.usc.edu/research/.58253pdf

[iv] فواز جرجس، “القاعدة: الصعود والأفول”، ترجمة: محمد شيا، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، أغسطس 2012)، ص.86

[v] محمد بسيوني عبد الحليم، “الإرهاب العابر للحدود.. الأنماط والمحفزات”، السياسة الدولية، 5-7-2015.

[vi] محمود رشدي،(دواعش القوقاز) وخطر العودة إلى أوربا”، المرجع، 10 أغسطس 2018.

[vii] حكيم نجم الدين، “حركات العنف في غرب أفريقيا”، قراءات أفريقية، 21- مارس- 2016

[viii] محمد بشندي،”حدود الارتباط بين مقتل القيادات الإرهابية وانهيار تنظيماتها”، مركز المستقبل، 22 أكتوبر 2018

[ix] أنس الصبري، “بسبب اعتماد الجماعات الارهابية على الأنترنات: الجزائر تشدد الخناق على الارهاب الإلكتروني”، الجريدة التونسية، 3- نوفمبر- 2017

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى