أقلام وأراء

السفير ملحم مسعود: إطلبوا “الحكمة” … ولو في الصين

السفير ملحم مسعود، اليونان ١٥-٦-٢٠٢٣: إطلبوا “الحكمة” … ولو في الصين

لم تكن يوما القضية الفلسطينية بعيدة عن الدبلوماسية والسياسات الصينية ,مدركة أهميتها في المنطقة , لذلك اعطتها إهتماما مبكرا وراهنت على مستقبل واعد  للحراك الفلسطيني منذ بداية الستينيات … وتوسيع علاقاتها لتعزيز نفوذها الدبلوماسي في المنطقة ومصالحها  .

طغت زيارة الرئيس ابو مازن للصين هذه الايام  على اخبار  المنطقة والشأن الفلسطيني بشكل خاص …  وما صرح به المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وينبين، عندما قال الجمعة الماضية :

إن «الصين تدعم بقوة على الدوام قضية الشعب الفلسطيني العادلة المتمثلة في استعادة حقوقه الوطنية المشروعة»، وليس من الواضح ما إذا كان أي من طرفي الصراع في الشرق الأوسط يبحث عن وسيط جديدو سعى الرئيس الصيني شي جينبينغ، إلى تعزيز صورته كصانع سلام على الساحة العالمية وسط تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة وحلفائها …        

وهنا قليلا من التاريخ …

تذكرنا الكتب والكتابات كيف  كانت تبحر  بواخر الحرير متنقلة بين موانئ الصين والخليج العربي وبحر العربوالبحر الأحمر، في تبادل تجاري امتد لأكثر من ثلاثة آلاف عام، وانتقلت بضائع أرض العرب ومنتجاتها إلى البواخر الراسية في الموانئ الصينية لتفتح صفحة من التبادل التجاري والعلمي بين العرب والصينيين لا تزال ممتدة حتى الآن ..

ويقال .. أن هناك أكثر من 17 طريقاً تجارياً تعرف بطرق التجارة القديمة اخترقت الجزيرة العربية منذ آلاف السنين، ولا يزال بعضهاتحمل شواهد تاريخية كبيرة على عمق العلاقة بين الطرفين.

لم يقتصر التبادل بين الأمتين العربية (خصوصاً في الجزيرة العربية) والصينية على التجارة فقط، فقد كان التبادل المعرفي والعلمي قائماً جنباً إلى جنب مع الحركة التجارية … وربما زادت هذه الصفحات التاريخية من  شوقي  وإهتمامي …

عود على بدأ

منذ إعتراف مصر بالصين  وطموحاتها الوطنية والقومية من جانب … وعمق السياسات الصينية وطموحاتها  والرهان على حركات التحرر في المنطقة … من جانب آخر ... و حسب  ما جاء في كتاب  محمد حسنين هيكل ( عبد الناصر والعالم ) ولقاء عبد الناصر وشوإن لاي فإن الاثنين اجتمعا للمرة الأولى فىرانجون» عاصمة بورما، عندما كانا فى طريقهما إلى باندونج لحضور مؤتمر دول الحياد الإيجابى «18 أبريل 1955».

ويضيف«كان الصينيون حريصون كل الحرص على إجراء هذا الاتصال مع عبدالناصر، فقد كانت «مصر–عبد الناصر» بدأت تبرز كزعيمة للعالم العربى، وكان الصينيون يرقبون عن كثب مسلك مصر لأن موقف مصر من الصين كان يعنى موقف منطقة بأسرها وليس موقفها وحدها

وفي يوم 16 مايو، 1956، استقبل رئيس وزارء الصين «شوين لاى»، رئيس مكتب مصر التجارى فى الصين الشعبية «محمد مدحت الفار» لإبلاغه اعتراف مصر بالصين.. كان «لاى» أول من استقبل ذلك القرار فى نفس يوم إعلانه فى القاهرة، ورحب به أجمل ترحيب».. حسبما تذكر «زينب عيسى عبد الرحمن» فى كتابها «العلاقات المصرية الصينية -1956-1970»،

هكذا أصبحت مصر الدولة الثالثة والعشرين المعترفة بالصين الشعبيةوالأولى عربيًا، وتشير إلى أنه كان للقرار صدى عالمى وعربى هائل، ورأت أمريكا أن القرار عمل لا يغتفر

«إدراك الحكومة المصرية أن حكومة الصين الشعبية الحالية هى الحكومة الشرعية للصين، وأنها تمثل بلدًا عدد سكانه 600 مليون نسمة ( وقتها) أى ربع سكان العالم منهم 50 مليون مسلم، ولايمكن تجاهلها فهى دولة قائمة وحقيقة ثابتة، واشتراك الصين فى مؤتمر باندونج الذى كان من أهم قراراته :

تصفية الاستعمار ومنح الشعوب وحق تقرير المصير، واعتراف أكثر من عشرين دولة بها، منها دول غربية كبريطانيا التى تتاجر وتبيعها مواد استراتيجية بغير رضا حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك إسرائيل ربيبة الأخيرة، وأن الصين تقف موقفا عدائيا ومعارضا لكل الأحلاف والتكتلات العسكرية وهى نفس الأهداف التى تسعى إليها مصر». 

هنا … بدات الآلة ( الصينية … ) تعمل من القاهرة في رهانها االطويل على الزمن لإستكشاف حركات التحرر في المنطقة وفعالياتها في الوقت الذي بدا الحراك الوطني الفلسطيني يتبلور بعد سنوات النضال الطلابي ( الذي بدأه ياسر عرفات ) .

بإختصار شديد 

بعد مخاض طويل وفي (28 أيار/ مايو 1964م) انعقد المؤتمر الوطني الفلسطيني الأول في القدس برعاية الملك حسين ومشاركة كل الدول العربية على مستوى وزراء خارجية باستثناء المملكة العربية السعودية .

وقد أقر المؤتمر “الميثاق الوطني الفلسطيني” والنظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وفي ختام أعماله أعلن احمد الشقيري يوم 2 حزيران/ يونيو 1964م ولادة منظمة التحرير الفلسطينية (ممثلة للشعب الفلسطيني وقائدة لكفاحه من أجل تحرير وطنه … الخ .

( واجه أبو مازن … ( احمد الشقيري ) صعوبات جمة من التقليل أهميته الوطنية … كممثل لمنظمة التحرير والشعب  الفلسطيني من قبل بعض الزعماء العرب حينذاك … حتى مكان الجلوس وإرتفاع الكرسي ليكون دون كراسي الزعماء الآخرين

الزعيم الصيني ماو تسي تونج مستقبلاً وفد منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة أحمد الشقيري في مارس ١٩٦٥.

( وصف كل ذلك اخونا شفيق الحوت في كتاباته وكتبه … الذي واكب مسيرة منظمة التحرير) وتحمل الشقيري على مضض كل محاولات التقليل والتهميش …

او كما قال شاعرنا … طرفة بن العبد :

“وظلم ذوي القربى أشد مضاضةً على المرء من وقع الحسام المهند !

في هذا المناخ كانت فرصة الحكومة الصينية أن تباشر وتقيم إتصالات … وتدعو فعاليات فلسطينية للصين … لم تتوقف حتى يومنا هذا

زار ياسر عرفات الصين مرتَين قبل أن يصبح رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية: الأولى عام 1964، والثانية عام 1966.

زيارة وفد حركة فتح الى الصين عام 1969م، صلاح خلف ، ياسر عرفات، محمود عباس، وابو علي اياد، وبعض المسؤولين الصينيين.

وزار الصين أيضا وفدا من الإتحاد العام لطلبة فلسطين بتاريخ سبتمبر1964 وضم رئيس الإتحاد تيسير قبعة والعبد الفقير إلى الله… وكانت ” المنظومة ” الفلسطينية التي تعمل على الساحة الدولية من خلال شبكة واسعة  من فروع الإتحاد وعلاقاتتنا مع المنظمات الدولية . .

وكان تيسير قبعة قد  أجرى على هامش الزيارة  محادثات  (منفردا ) مع جهات صينية … ومعروف إنتمائه الحزبي … بطبيعة الحال  .. رحمه اللهوكانت لنا الزيارة بشكل عام تجربة هامة وكبيرة على المستوى السياسي والنقابي …

وضمن الإهتمام الصيني بالشأن العربي والفلسطيني بشكل خاص تلك الفترة كانت قد دعت الصين الصحفي الفلسطيني ناصر الدبن النشاشيبي وكتب عن رحلته وإنطباعاته عن هذا البلد كتابه ( عربي في الصين ) وكانت زيارته قد سبقتنا  وحصلتُ على كتابه وقرأت آخر صفحاته قبل أن تطء قدماي الأرض الصينية ….

وأيضا بنفس الفترة … وحسب ما كتب المفكر والاقتصادي الفلسطيني الراحل جميل بركات الذي رافق الشقيري في رحلة وفد منظمة التحرير الفلسطينية التاريخية للصين مقالاً بعنوان : الصين والشقيري وتبقى الذكرى”.قال فيه الشقيري وكان من دعاة الوحدة العربية لإيمانه العميق أن قوة العرب في وحدتهم، وهذا ما ذكرني بزعيم الصين الكبير، بطل تحريرها وقائد وحدتها (ماوتسي تونغ) الذي اتخذت أمته العظيمة شعارها من قوله (احفروا الخنادق وامسكوا البنادق ، وتأملوا أحوال العالم من حولكم) … وحين قابل الرئيس (ماو) أول وفد لمنظمة التحرير الفلسطينية برئاسة الشقيري وكان ذلك في يوم الأربعاء الموافق ٢٤ آذار ١٩٦٥ وكنت أحد أعضاء هذا الوفد ، تحدث هذا العبقري الفذ لأكثر من ساعتين ..

فتساءل ثم أجاب :

هل تخشون إسرائيل أم أنها تخشاكم ؟

في كتاب  ( عربي في الصين ) لناصر الدين النشاشيبي ضمن قضايا الصين والتاريخ والجغرافيا توقفت كثيرا عتد  صفحاته والشأن العربي وخاصة الفلسطيني .

كان هذا حوار لناصر الدين مع  شخصية رفيعة ( الناطق بلسان الخارجية الصينية حينذاك… ) وضمن مواقف صينية  قرأت  في الكتاب بعض ماجاء مع هذه الشخصية : نحن مستعدون ان نساعد شعب فلسطين … لو راينا أن شعب فلسطيني قد بدأ  يساعد نفسه … قُل لي ما هي أخبار ” الكيان الفلسطيني ”   ؟؟؟  وهل هو كيان جدي  ؟؟؟  أعني هل  هو قادر على العمل الجدي من أجل إستعادة فلسطين.. ؟

إن الأخبار التي لدينا عن  منظمة التحرير أو جيش فلسطين قليلة جدا .ولكن موقفنا  لا يحتاج إلى تفسير  … أليس كذلك ؟؟

وراح بعيدا في الحديث في قضايا كثيرة … منها عندما تحدث عن محاولات الإتصال بهم … بواسطة سفيرهم في إسرائيل  للإعتراف بالصين  … ومشاريع تجارية  وغيرها… لكن رفضوا ” حتى  “مجرد ” الرد عليها …

إن موقفنا واضح صريح لا نسأل فيه عما إذا كنا   سنعترف أم لا نعترف  بإسرائيل .

بل عما إذا كانت إسرائيل ستبقى أم لا تبقى …  لا نريد لها البقاء … ولا ندخر جهدا في القضاء عليها ….

سكت رجل الخارجة الصينية ليترك ناصرالدين النشاشيبي في ذهول , بكل ماسمع … وربما طالت حيرته… حتى يوم رحل عنا في القدس  في 17 مايو2013 

وسكت آخرين كثيرين …  لما حل بنا ورحلا عن عالمنا …

      ليبقى السؤالهل تساهم ” الحكمة الصينية ”   مما في جعبتها   عند حكمائها لإنتظار الحلول  لنا وهم الذين يتكلّمون رؤى ثاقبة مفعمة بالذكاء والدّهاء … أو كونفوشيوس «سقراط الصين» الذي أحبهُ الشعب وكرههُ الساسة؟؟؟

* مصادر بعض المعلومات  : وكالة الانباء والمعلومات الفلسطينية وفا.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى