ترجمات عبرية

اسرائيل اليوم: انتصار إسرائيل السريع في جبهتين، مثلما في العام 1967، غير قابل للتكرار

غرشون كوهكن – اسرائيل اليوم  3-06-2023انتصار إسرائيل السريع في جبهتين، مثلما في العام 1967، غير قابل للتكرار

تحت رشقات الصواريخ من قطاع غزة، كتب مسؤول امني كبير سابق، مؤخراً: “ماذا حصل لنا؟ إسرائيل الفتية، التي لم يكتمل 20 سنة، هزمت ثلاثة جيوش نظامية في ستة أيام…”. وأضاف رئيس الوزراء الأسبق، ايهود اولمرت، حين سأل كيف تعطّل “منظمة إرهاب وهمية” إسرائيل على مدى نحو أسبوع.

غير أن منظمة “الجهاد” الفلسطينية، التي أطلقت في بضعة أيام من القتال اكثر من ألف صاروخ، ليست منظمة وهمية – مثلما يطلق الحوثيون في اليمن صواريخ جوالة بعيدة المدى أيضاً، بالتأكيد ليسوا منظمة وهمية. وينبع التساؤل عن قدرة منظمات “متطرفة” تشكيل تهديد استراتيجي بقدر كبير من تجاهل التغيير الشامل الذي طرأ على ظاهرة الحرب في العقود الأخيرة.

لقد كانت حرب “الأيام الستة” عملياً الصدام العسكري الأخير على أنماط الحرب العالمية الثانية. فقد عمل الجيش في حينه أمام جيوش نظامية تقليدية، ومنحه القتال المؤلل بمناطق الصحراء او في المنطقة المفتوحة لهضبة الجولان، وكذا في “يهودا” و”السامرة”، تفوقاً بارزاً.

في الصدام بين جنود وأدوات قتالية مؤللة في ميدان قتال عسكري نظيف من دور المدنيين تفوقت وحدات الجيش الإسرائيلي على وحدات العدو باستنفاد إمكانيات القتال الحديثة. منذئذ اجتازت الجيوش العربية تحولاً واسع النطاق – بدايته في حرب “يوم الغفران”، بتوجيه من الرئيس المصري، أنور السادات، والتي في إطارها تكيفت طريقة عمل الجيش وأجهزة القوة العربية مع القيود والمزايا الثقافية للمقاتل العربي. في اواخر القرن العشرين، بخاصة بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان، كانت لـ “حزب الله” مساهمة مهمة في قفزة الدرجة الفكرية في استعداده للقتال ضد الجيش الإسرائيلي. فالابداعية التي صمم فيها منطق عمله بالذات انطلاقا من المعرفة لمجالات دونيته هي قدوة التكيف التنظيمي، التكتيكي والمنظوماتي.

منذ نهاية حرب لبنان الثانية، في آب 2006 تطور مفهوم هذا العمل في لبنان، وتبنته مع التكييفات الواجبة في قطاع غزة “حماس” و”الجهاد الإسلامي”.

والى ذلك، فإن أساس القتال نقل من المجال المفتوح الى المجال المبني. لواء دبابات كان يضم ليس اكثر من 450 رجل دبابة، وسيطر على المنطقة الصحراوية المفتوحة في مساحة واسعة، مطالب من الآن فصاعدا ان يتكيف مع ساحة القتال في المجال المبني. وبالاساس مطلوب فريق قتالي متداخل – مشاة، هندسة ومدرعات – فيما أن كتيبة مشاة تعد اكثر من 400 مقاتل يمكنها عمليا ان “تبتلع” في نطاق واسع واحد. وهكذا عمليا تعاظمت قدرة استنفاد القوة لدى الجيش الإسرائيلي.

انتقل العدو العربي من تحريك عسكري رسمي الى تحريك دافعه قوة الإيمان والتضحية الدينية. بعد هزيمة حزيران 1967، ادعى الشيخ يوسف القرضاوي بأن فقدان الإيمان هو السبب لهزيمة المقاتلين المسلمين. وشرح بان “العودة الى الإيمان ورفع علم الجهاد حيويان في كل معركة، ولكنهما حيويان على نحو خاص في الصراع ضد الصهيونية العالمية”.

مع نهاية حرب لبنان الثانية قال نصرالله: في كل المواجهات التي شارك فيها مقاتلون حتى الآن قاتلوا حتى الرجل الأخير وحتى الرصاصة الأخيرة. المواجهات التي تجري في هذه اللحظة فاجأت الإسرائيليين من ناحية العنصر الإنساني للمقاومة. وتفيد التجربة حتى اليوم وتثبت بأنهم يقاتلون أناساً ذوي إيمان، إرادة، بطولة، مثابرة، واستعداد للتضحية (“المنار”، 3/8/2006).

في الجيش وفي المجتمع الإسرائيلي بالمقابل انحرف مفهوم القتال من التشديد القيمي والجسارة والتضحية الى نيل استنفاد التفوق التكنولوجي بشكل يعفي المقاتلين من ضرورة التضحية. في منظمات القوة الإسلامية جرت مسيرة معاكسة بتعظيم قوة الإيمان والتضحية.
………………..

يدور الحديث عن انعطافة عظيمة المعنى في تقدير موازين القوى: دافع القتال المتوسط الذي ميز جنود العدو في حرب الأيام الستة لا يشبه دافع القتال للأعداء الإسلاميين الجدد الذين يصلون الى المعركة مفعمين بالإيمان.

الى جانب الثناء على إنجازات تكتيكية للجيش و”الشاباك” الإسرائيليين طرح الادعاء بأنه في هذه المرة أيضا في حملة “درع ورمح” لم يكن لدى حكومة إسرائيل استراتيجية بعيدة المدى. غير أنه حتى لو لم يعلن عنها علنا عملت حكومة نتنياهو انطلاقاً من استراتيجية واضحة: “تعزيز الفصل بين مناطق الضفة وبين قطاع غزة، انطلاقا من السعي لتثبيت وتطوير السيطرة الإسرائيلية الحيوية في المناطق ج، في الضفة وفي غور الأردن.

السؤال حول ما الذي تغير منذ انتصار الجيش الإسرائيلي في حزيران 1967 يؤدي مباشرة الى لباب الخلاف الإسرائيلي في مسألة استمرار السيطرة في المجالات الحيوية في “المناطق”، التي احتلت في تلك الحرب. فتأييد معظم كبار رجالات أجهزة الأمن لفكرة الدولتين، مطالبتهم بـ “الانتصار” ومزيد من الانسحابات، أقيم ولا يزال يقام على فرضية أنه حتى في الانسحاب الى خطوط 67، والذي يوصون به مع تعديلات طفيفة، ستتمكن دولة إسرائيل من مواصلة الدفاع بنجاعة عن سيادتها وعن أمن سكانها بقواها الذاتية، رغم التنازل عن مجالات العمق الاستراتيجي.

هكذا وصف مثلا اللواء احتياط عمرام متسناع: “كنت ملازما شابا في المدرعات. عندما خرجنا الى المعارك في سيناء لم نعتقد أنه لا يمكن الدفاع عن الدولة. وبالفعل في غضون ستة ايام حقق الجيش الإسرائيلي اكبر إنجازاته واثبت أنه يمكن أيضا الدفاع عن الوطن انطلاقا من خطوط 1967” (“هآرتس” 30/5/2011).

نظرة موضوعية الى التحديات العملياتية الجديدة يمكنها أن تدلنا على كم هو الانتصار السريع في صيغة حرب “الايام الستة” في ساحتين بالتوازي غير قابل للتكرار. فشروط التفوق التي حققها الجيش الإسرائيلي في حزيران 1967 تعود للقرن الماضي، ومنذ حرب “يوم الغفران” تضعضعت. اولئك الذين يعدون بالانتصار مثلما كان في حينه، دون تعلق بمجال قابل للدفاع، يعانون عمليا تقديرا زائدا لقوة الجيش الإسرائيلي وتقديرا ناقصا لقدرات العدو.

لقد نجحت جولة القتال الأخيرة في الإبقاء على الفصل بين الساحات. ومع ذلك يمكنها أن تدل على إمكانية التهديد الكامنة في وحدة الساحات لقتال كامل بالتوازي. في هذا الواقع، في ضوء الاحتمال الكامن في تهديدات “حزب الله” و”حماس” على الجبهة الداخلية الإسرائيلية وغيرها من التهديدات لا يمكن لدولة إسرائيل أن تتعرض لتهديدات السلاح الصاروخي من مناطق الضفة أيضاً. في هذا الجانب فان حفظ تفوق الدفاع يكمن في استمرار السيطرة الإسرائيلية في المجالات الحيوية في الضفة وفي غور الأردن ضروري اكثر من اي وقت مضى.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى