أقلام وأراء

ابراهيم حيدر: لبنان على خط التوتر الإيراني الإسرائيلي هل ينجح لقاء باريس بمنع الانفجار؟

ابراهيم حيدر 4-2-2023: لبنان على خط التوتر الإيراني الإسرائيلي هل ينجح لقاء باريس بمنع الانفجار؟

على رغم انسداد الأفق في لبنان بفعل استمرار الانقسام الداخلي بشأن الملف الرئاسي وفي مختلف الملفات الحكومية، وسط اصطفافات سياسية وطائفية تؤشر إلى انزلاق البلد نحو مزيد من الانهيار، وارتفاع الدعوات لإعادة النظر بدستور الطائف وصولاً إلى طرح الفيدرالية خصوصاً من الأطراف المسيحيين، فإن ما يجري على المستويين الإقليمي والدولي يؤشر إلى تعاطٍ جديد مع الوضع اللبناني يسعى بالدرجة الأولى إلى كسر الحالة المقفلة وتحريك المياه الراكدة ومحاولة وقف الانهيارات المتتالية، من دون أن يعني أن الخارج يضغط للوصول إلى حل نهائي للأزمة اللبنانية نظراً لتشعباتها وتشابك مصالح أكثر من طرف خارجي فيها.

ظهرت مبادرات عدة في الداخل اللبناني للسير بمرشح رئاسي وإنجاز هذا الاستحقاق المصيري بالنسبة إلى اللبنانيين وتجنباً لاستمرار الفراغ، أبرزها للبطريرك الماروني بشارة الراعي الذي لم تتم الاستجابة لمبادرته مسيحياً، وحركة وليد جنبلاط على أكثر من خط، وتمحورت حول طرح اسم قائد الجيش جوزف عون كمرشح توافقي للرئاسة، بديلاً من مرشحي الممانعة والمعارضة، لكنها لم تحظَ حتى الآن بتأييد الفرقاء، خصوصاً “حزب الله” وأيضاً “التيار الوطني الحر” الرافض أساساً لقائد الجيش ولمرشح الممانعة سليمان فرنجية، وهو ما يعني الدوران داخلياً في حلقة مفرغة مع استمرار الصراع على هوية لبنان ونظامه وصيغته.

الدوران داخلياً وعجز الأطراف المتحكمة بالداخل اللبناني وبالقرار عن التوافق على تسوية، مرده، إلى جانب النزاع الداخلي، عدم وجود مشروع دولي ضاغط لحسم الملفات الخلافية وتسوية الأزمة. وعدم الاهتمام الخارجي يعود لأسباب تتعلق بالأولويات الدولية التي تتجاوز لبنان، لكنها تؤثر فيه أو تنعكس على أوضاعه، من الملف الإيراني إلى الحرب الأوكرانية، ثم احتمالات المواجهة الإيرانية – الإسرائيلية التي يمكن أن تشعل المنطقة كلها. ذلك لا يعني أن هناك استقالة دولية وعربية تامة، فانهيار لبنان أو أي انفجار أهلي محتمل في البلد سينثر شظاياه في المنطقة، لذا تسعى فرنسا إلى تحريك المياه الراكدة لبنانياً كمحاولة ربما تكون الأخيرة لخرق جدار الأزمة وإنجاز تسوية قبل أن تنجرف المنطقة نحو المواجهة مع تصعيد إسرائيلي محتمل ضد إيران، وهو ما كشفت عنه العملية الأخيرة في أصفهان والتي قيل إن الأميركيين كان لهم دور فيها.

يترقب الجميع ما سيخرج عن اجتماع باريس الخماسي المقرر في 8 شباط (فبراير) 2023 بمشاركة فرنسا والولايات المتحدة والسعودية وقطر ومصر، والذي يهدف إلى تقريب المواقف للتمكن من وضع خطة عمل واضحة سياسياً لمسار تسوية الأزمة اللبنانية. ويظهر أن هناك تنسيقاً فرنسياً – سعودياً من خلال زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا إلى الرياض، لبلورة صيغة لتسوية مقبولة والوصول إلى رؤية مشتركة، خصوصاً أن المشاركة لن تكون على مستوى رفيع لكنها ستحدد الوجهة السياسية للوضع اللبناني لرفعها إلى وزراء خارجية الدول الخمس، فيما المراهنة الأساسية هي على تمثيل الولايات المتحدة وما إذا كانت مهتمة فعلاً اليوم بدفع التسوية اللبنانية إلى الأمام. أما الخطة التي ستبحث، فهي تحديد مسار إنجاز انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة وتسوية عدد من الملفات العالقة كمخرج للأزمة.

يبدو أن هذا الحراك الدولي والعربي، هو محاولة لإسماع اللبنانيين وحضهم على الاستعجال في انتخاب رئيس للجمهورية وصوغ تسوية قبل أي تطورات محتملة في المنطقة على وقع التصعيد في أكثر من جبهة، خصوصاً بين إسرائيل وإيران، وإمكان توسع الحرب الروسية – الأوكرانية، حيث أن لبنان حلقة ضعيفة يمكن أن تترك التوترات الإقليمية والدولية تداعيات خطيرة عليه.

لكن محاولة باريس هي في الوقت نفسه تسابق الانفجار، في الداخل والخارج، فالدول المشاركة في اجتماع باريس تدرك أنها لا تستطيع أن تبلور خطة حل شامل للوضع اللبناني من دون التفاهم مع إيران، وهو أمر قد يحدث بعد اللقاء الخماسي إذا سارت الأمور إيجابياً، علماً أن هناك اتصالات تجري مع طهران تتولاها قطر للوصول إلى توافق حيال لبنان من ضمن وساطة تقوم بها بشأن عدد من الملفات الإقليمية بالتفاهم مع الولايات المتحدة.

لذا لا يمكن لأي بحث خارجي في الشأن اللبناني أن يصل إلى نتائج لبنانية من دون إيران، وهذه الأخيرة منحت الغطاء لـ”حزب الله” لتحصين موقعه، بالتناغم مع تطورات المنطقة ومنها احتمال استئناف الحوار الإيراني – السعودي، وما يمكن أن يحمله للوضع اللبناني، وربط أي تسوية داخلية لبنانية بالتقدم على المحور الإقليمي. ويبدو أن قطر تتولى متابعة الاتصالات مع إيران و”حزب الله” للتوصل إلى توافق بشأن الملفات اللبنانية خصوصاً الرئيس. والدليل على الدور القطري وتنسيقه مع الولايات المتحدة وما يحمله من مؤشرات هو توقيع اتفاق الشراكة للتنقيب عن النفط والغاز في البلوكين 4 و9 في المياه اللبنانية، بين شركة “قطر للبترول” وشركتي “توتال” الفرنسية و”إيني” الإيطالية، وهو أمر لا يحدث عادة من دون تغطية دولية خصوصاً أميركية بعد اتفاق الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل.

يشترط التفاهم تكوين وعاء لبناني داخلي لتلقف الحركة الدولية، وهو أمر غير متوافر إلى اليوم، لا في الشأن الرئاسي ولا في التسوية، فالمعطيات تشير إلى أن “حزب الله” يريد التسوية بشروطه، وهو يُصر على مرشح الممانعة سليمان فرنجية، وإذا اقتضى الأمر الضغط لفرض انتخابه، وبذلك هو مستعد للذهاب إلى النهاية تحت عنوان إيصال مرشح “لا يطعن المقاومة بالظهر” ويتحسب في الوقت نفسه لاحتمالات التصعيد الإسرائيلي ضد إيران.

التطورات في المنطقة مفتوحة على كل الاحتمالات، فيما ينتظر لبنان ما ستسفر عنه اللقاءات الدولية، وفي الوقت نفسه يترقب احتمال التصعيد الذي بدأت تظهر بوادره في غير مكان، من استهداف المواقع الإيرانية على الحدود السورية – العراقية إلى العمليات داخل إيران، وهو ما يعني أن هناك محاولة استدراج إسرائيلية لإيران إلى الاشتباك، حيث لبنان جزء من المعركة بوجود “حزب الله”. وحتى الآن لا يبدو الحزب في صدد التصعيد طالما لم يرد لا في سوريا ولا في لبنان، إذ تسعى إيران إلى تجنب الدخول في معارك مباشرة، وربما ترد في أماكن مختلفة خارج لبنان وسوريا اجتناباً لمعركة مفتوحة مع إسرائيل، وهو ما لا تريده أقله في المرحلة الراهنة بسبب أزماتها الداخلية والحصار المفروض عليها.

سيكون لقاء باريس مفصلياً قبل حدوث تطورات في المنطقة وهو حاسم لجهة التفاهم أو عدمه حول الرؤية العامة للوضع اللبناني، فإذا سارت الأمور بعكس الأجواء الإيجابية، فإن الوضع اللبناني سينزلق إلى هاوية جديدة من الانهيار بحيث لا يعود ممكناً انتشاله من الجحيم. ولذا لا يستبعد مراقبون أن يلوح اجتماع باريس بعقوبات ما لم تتقدم العملية السياسية في لبنان، أو تبيّن أن استعصاء الممانعة خصوصاً “حزب الله” ورفضها للتفاهم سيعقد مسارات التسوية.

وفي انتظار تسجيل اختراق في الأزمة يرتفع السقف السياسي عند بعض القوى ومنها “التيار الوطني الحر” برئاسة جبران باسيل الذي يلوّح بالفيدرالية تحت عنوان حقوق المسيحيين، وإن كانت غير ممكنة نظراً لتشابك المصالح والتداخل بين القوى الحاكمة، لكن من الواضح أنها رسائل لقطع الطريق أمام اختيار رئيس للجمهورية يأخذ من رصيده السياسي، لذا كان واضحاً في رفضه لقائد الجيش لاعتبارات متعلقة بجمهور العونيين، وهو يلتقي مع “حزب الله” في ذلك، وإن كان لأسباب مختلفة، لكنه يتعارض معه في الموقف من سليمان فرنجية ويتخوف من طرح اسم وحيد للرئاسة، وإنْ كانت تجربة ايصال ميشال عون في 2016 كانت ترتكز إلى المرشح الوحيد أو تعطيل البلد. أما “حزب الله”، فلا يزال يشكل الاستعصاء الأول أمام أي تسوية داخلية وخارجية للوضع اللبناني!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى