#شوؤن دولية

إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية: ما الذي انتهت إليه قمة روسيا أفريقيا 2023؟

إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية 31-7-2023: تجديد الشراكة: ما الذي انتهت إليه قمة روسيا أفريقيا 2023؟

استضافت مدينة سان بطرسبرج الروسية قمة روسيا–أفريقيا على مدار يومي 27–28 يوليو 2023 بمشاركة نحو 49 دولة أفريقية، بما في ذلك حضور 27 من رؤساء وحكومات الدول الأفريقية، وعدد من الوزراء والسفراء من دول أخرى. وتستهدف موسكو في ضوء هذه القمة تجديد شراكتها مع أفريقيا في محاولة لموازنة النفوذ الغربي هناك؛ وذلك من خلال الدفع بقوة نحو تعزيز التعاون الروسي الشامل مع أفريقيا في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والأمنية والثقافية وغيرها.

وتكتسب القمة الروسية الأفريقية أهميتها من كونها القمة الثانية التي تعقدها موسكو خلال أربع سنوات عقب قمة سوتشي في أكتوبر 2019، فضلاً عن كونها تأتي في سياق دولي بالغ التعقيد، في خضم استمرار الحرب الأوكرانية التي شكلت ضغطاً على الاقتصاد العالمي، بما في ذلك الاقتصادات الأفريقية؛ بسبب ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة وتهديد الأمن الغذائي للعديد من دول القارة، خاصةً بعدما انسحبت موسكو من صفقة الحبوب عبر البحر الأسود مؤخراً، وهو ما يزيد المخاوف الأفريقية حول إمدادات الغذاء والحبوب خلال الفترة المقبلة، بجانب تداعيات احتدام التنافس الدولي، وبخاصة الروسي الغربي، على مستقبل القارة في المرحلة المقبلة.

دلالات جوهرية

ثمة دلالات كاشفة عديدة تعكسها هذه القمة حول ديناميات العلاقات الروسية الأفريقية في اللحظة الراهنة التي تشهد سياقاً عالمياً مضطرباً ومتوتراً بسبب التطورات المتلاحقة على صعيد أزمة شرق أوروبا. وتشير أبرز تلك الدلالات إلى:

1– تأكيد دورية القمم الروسية – الأفريقية: فقد أصبحت موسكو عضواً في نادي “منتديات التعاون مع أفريقيا” ضمن عدد قليل من القوى الدولية والإقليمية الساعية إلى توطيد علاقاتها مع الدول الأفريقية بهدف توسيع نفوذها وحضورها لتحقيق أهدافها ومصالحها الاستراتيجية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين وفرنسا واليابان وتركيا. وقد نجحت موسكو في عقد النسخة الثانية من القمة الروسية – الأفريقية بعد عدة تأجيلات بسبب تفشي جائحة كوفيد–19.

كما جاءت القمة الأخيرة في لحظة مفصلية لروسيا، في ضوء محاولات الغرب فرض العزلة عليها وممارسة المزيد من الضغوط من أجل إجبارها على التراجع في الملف الأوكراني، وهو ما دفع موسكو إلى اتهام الغرب وفرنسا بمحاولة ثني القادة الأفارقة عن المشاركة في القمة والحيلولة دون انعقادها في موعدها، إلا أن التمثيل الرسمي الأفريقي في القمة – وإن كان أقل نسبياً من النسخة الأولى في عام 2019 – يعكس حرص الروس والأفارقة على بناء شراكات جديدة في مجالات مختلفة.

2– تجديد العلاقة مع أفريقيا: وهي العلاقة التي وصفها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنها صفحة جديدة في تاريخ مشترك؛ إذ تدرك موسكو أهمية أفريقيا الاستراتيجية، وأنها قد أصبحت لاعباً أساسياً على الساحة العالمية بما يجعلها مركز قوة جديداً في النظام العالمي؛ لذلك فهي تسعى إلى توسيع العلاقات السياسية والاستراتيجية مع الدول الأفريقية من خلال توظيف أدوات متعددة، بما في ذلك التعاون الأمني والعسكري، وتجارة الأسلحة والشراكة الاقتصادية، لكي تعزز نفوذها الاستراتيجي في معظم الدول الأفريقية.

3– تنامي الطموح الروسي في أفريقيا: تتزايد رغبة موسكو في توسيع نفوذها على الساحة الأفريقية، لكي تصبح رقماً مهماً في معادلة التنافس الدولي على أفريقيا، وحتى تستطيع موازنة النفوذ الغربي – وكذلك الصيني – وذلك في إطار مساعيها لاستعادة مكانتها على الساحة الدولية عبر بوابة أفريقيا؛ إذ تمتلك موسكو العديد من المداخل الاستراتيجية التي تعزز موقفها الاستراتيجي في الملعب الأفريقي وتستطيع بها منافسة خصومها الاستراتيجيين الدوليين، لا سيما المدخَلَين الأمني والطاقوي.

4– طرح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي: تحاول موسكو بحث توسيع التجارة الروسية مع أفريقيا التي تتضاءل مقارنة بتجارة الغرب والصين؛ حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين روسيا وأفريقيا نحو 18 مليار دولار بحلول نهاية عام 2022، في الوقت الذي يبلغ فيه حجم تجارة الصين مع القارة الأفريقية نحو 254 مليار دولار، والاتحاد الأوروبي نحو 295 مليار دولار، والولايات المتحدة الأمريكية 65 مليار دولار.

كما تتسم الاستثمارات الروسية في أفريقيا بالضعف؛ حيث تبلغ نسبتها 1% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة هناك؛ لذلك تسعى موسكو إلى تشجيع المزيد من الشركات الروسية على ضخ المزيد من الاستثمارات الروسية في مجالات متعددة، مثل النفط والغاز والبنية التحتية والتعدين وغيرها في العديد من الدول الأفريقية.

وهذا في الوقت الذي تمثل فيه أفريقيا سوقاً واسعة للعديد من اللاعبين؛ فهي تضم أكثر من مليار و400 مليون نسمة، بالإضافة إلى امتلاك الدول الأفريقية المزيد من الثروات والموارد الطبيعية التي باتت تشكل محفزاً لاتساع نطاق التنافس الدولي بين القوى الفاعلة هناك.

5– استمرار التحدي الروسي للغرب: فانعقاد القمة رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي بتغلب موسكو على العزلة المفروضة من الغرب عليها، وأنها قادرة على التحرك والتأثير في المناطق الاستراتيجية بما قد يشكل تهديداً للمصالح الغربية والأمريكية لا سيما في أفريقيا، إضافةً إلى حشد موسكو للأفارقة من أجل تعزيز موقفها في المواجهة مع الغرب والدفع نحو إعادة تشكيل النظام الدولي والتحول إلى عالم متعدد القطبية مبني على احترام الشرعية الدولية، بما يهدد الأحادية القطبية للولايات المتحدة ومصالحها الاستراتيجية، ويؤكد أهمية الانتقال إلى التعامل بالعملات الوطنية بديلاً للدولار الأمريكي بهدف تحسين قدرات جميع الأطراف، وتوسيع التعاون المشترك في جميع المجالات.

6– استقطاب موقف الأفارقة تجاه أزمة أوكرانيا: تُدرك موسكو أهمية الكتلة التصويتية للدول الأفريقية في الأمم المتحدة، خاصةً أنها تتجاوز 27% من إجمالي أصوات الدول الأعضاء. ومن ثم فإنها تسعى إلى استقطاب المزيد من المواقف الأفريقية المؤيدة للموقف الروسي تجاه أوكرانيا، أو على الأقل تحييدها، بما يعزز الموقف الروسي – الذي يتمتع في الأساس بحق الفيتو في مجلس الأمن الدولي – في مواجهة ضغوط الغرب والولايات المتحدة في الأمم المتحدة.

7– طمأنة الدول الأفريقية حول مسألة الحبوب: وذلك في ضوء اعتماد غالبية الدول الأفريقية على واردات القمح الروسي والأوكراني بنسب كبيرة، مثل الصومال وبنين التي تعتمد عليه بالكامل 100%، ومصر بنسبة 80% من احتياجاتها، والسودان بنسبة 75% من احتياجاتها، والكونغو بنسبة 69% من احتياجاتها، والسنغال بنسبة 66%. خاصةً أن الرئيس بوتين قد تعهَّد في مارس 2023 بإمداد الدول الأفريقية بالحبوب مجاناً في حالة عدم تمديد اتفاق نقل الحبوب عبر موانئ البحر الأسود. بجانب إعلانه إلغاء بلاده ديوناً مستحقةً على الدول الأفريقية بقيمة 20 مليار دولار.

8– تبرئة ساحة روسيا من التورط في الأزمة الدولية الراهنة: تتبنى موسكو خطاباً موجهاً للأفارقة بشكل أساسي تتنصل فيه من مسؤوليتها عن ارتفاع الأسعار العالمية، ومتهمةً الغرب بالتسبُّب في هذه الأزمة نتيجة السياسات غير المحسوبة في قطاع الطاقة التي اعتمدتها الدول الغربية خلال السنوات الأخيرة، كما أرجعت موسكو أسباب أزمة ارتفاع أسعار الغذاء إلى تفشي جائحة كوفيد–19، وإن كان الرئيس بوتين قد اعترف بتحفيز الأزمة الأوكرانية الراهنة في تفاقم هذه الأزمات العالمية، لكنها ليست السبب الرئيسي كما يُروِّج الغرب.

نتائج القمة

قدمت موسكو في البيان الختامي للقمة الروسية الأفريقية خريطة طريق لمعالجة عدد من القضايا التي باتت تمثل عبئاً على الدول الأفريقية، لا سيما في إطار غياب أي أفق للتسوية بشأن الأزمة الأوكرانية في المدى القصير، التي قد تستمر تداعياتها السلبية بالنسبة إلى العديد من الدول الأفريقية. ويمكن الإشارة إلى أبرز الملفات التي تناولها البيان الختامي للقمة على النحو التالي:

1– تعزيز درجة التنسيق السياسي: فقد قدمت موسكو مقترحاً لتدشين خطة لتنشيط التنسيق في قضايا السياسة الخارجية مع الدول الأفريقية، في إشارةٍ إلى مساعٍ روسية لحشد الأفارقة من أجل الدفاع عن قضاياها في المحافل الدولية، بما يعني تطابق المواقف الروسية الأفريقية تجاه الأزمة الأوكرانية على سبيل المثال، وهو ما يعزز الموقف الروسي أمام الضغوط الغربية والأمريكية في الأمم المتحدة، كما يسهم في تنامي النفوذ الروسي على المستوى العالمي، ويوسع العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين روسيا وأفريقيا.

2– توسيع الشراكة الاقتصادية: وهو ما برز في تدشين المنتدى الاقتصادي بين روسيا والدول الأفريقية ضمن أعمال القمة الأخيرة بهدف تنويع أشكال ومجالات التعاون المشترك بين الطرفين، بما في ذلك الطاقة والتعدين والنقل والمواصلات وغيرها، كما أعلن الرئيس بوتين عن وجود خطة عمل مع أفريقيا تستمر حتى عام 2026 تهدف إلى زيادة التبادل التجاري وتطوير البنية التحتية وتداول التعامل من خلال العملات الوطنية.

3– تزويد أفريقيا بالحبوب: تعهدت موسكو بتعزيز الأمن الغذائي الأفريقي من خلال إرسال شحنات القمح إلى الدول الأفريقية تعويضاً عن القمح الأوكراني، وزيادة الصادرات الزراعية الروسية، وأنها ستظل مورداً للغذاء يمكن الاعتماد عليه؛ وذلك في إطار مساعيها لطمأنة الأفارقة؛ حيث أعلن الرئيس بوتين توريد بلاده القمح مجاناً إلى 6 دول أفريقية خلال الشهور الأربعة المقبلة، وهي دول بوركينا فاسو وأفريقيا الوسطى ومالي وزيمبابوي والصومال وإريتريا.

وقد تبدو هذه الخطوة الروسية استباقية لكي تتلاشى ترويج الآلة الإعلامية الغربية لتداعيات إلغاء اتفاقية الحبوب قبل أيام على الأمن الغذائي في أفريقيا، وهو ما قد يعزز النفوذ الروسي على حساب الغرب في أفريقيا التي يتزايد قلقها من ارتفاع الأسعار العالمية للغذاء والأسمدة والطاقة.

4– مواجهة تحديات الإرهاب في أفريقيا: أضحى المدخل الأمني واحداً من أبرز المداخل لروسيا لتعزيز حضورها في الساحة الأفريقية خلال السنوات الأخيرة، خاصةً مع تصاعد النشاط الإرهابي في عدد من المناطق الاستراتيجية، مثل الساحل وغرب أفريقيا، وتغير المزاج الأفريقي تجاه الغرب وفرنسا في عدد من دول القارة خلال السنوات الأخيرة في مقابل الترحيب بالروس للتعاون في مواجهة الإرهاب.

لذلك تقدم موسكو خطة للتعاون في هذا الصدد من خلال التعهد بإرسال السلاح مجاناً لتعزيز الأمن والاستقرار في الدول الأفريقية، وتعزيز التعاون الأمني والعسكري مع أجهزتها الأمنية والاستخباراتية، فضلاً عن اعتزامها استقطاب العسكريين ومسؤولي أجهزة الأمن الأفارقة للتدريب في موسكو، لا سيما أنها تقدم المساعدة العسكرية للدول الأفريقية من خلال تزويد نحو 40 دولة بالأسلحة للجيوش الوطنية في إطار اتفاقيات ثنائية، وفقاً للتقديرات الروسية.

وهو الأمر الذي ربما يُضفي مزيداً من الشرعية على وجود قوات فاجنر الروسية الأمنية، وتوسع انتشارها في العديد من الدول الأفريقية خلال الفترة المقبلة؛ حيث تشير التقديرات الأمريكية إلى انخراط فاجنر الفعلي في 10 دول أفريقية مع تنبؤات بانخراطها في مناطق جديدة، مثل النيجر في المدى القريب، بعد صعود نخبة عسكرية جديدة للحكم عقب الإطاحة بنظام الرئيس محمد بازوم.

كما تبدي فاجنر استعدادها للتدخل في عدد من مناطق الأزمات في بعض الدول الأفريقية، مثل الكاميرون التي تشهد توترات متزايدة نتيجة تصاعد نشاط الحركات الانفصالية في المناطق الناطقة باللغة الإنجليزية في شمال غرب البلاد وجنوب غربها، خاصةً أن الكاميرون تمثل بوابة جيدة للوصول إلى المياه الدافئة؛ من أجل تسهيل نقل الموارد الطبيعية التي تستولي عليها فاجنر من أفريقيا الوسطى ودول الساحل إلى الخارج.

وإجمالاً، توفر هذه القمة مسرحاً لروسيا لتعزيز موقفها الجيواستراتيجي على الساحة الأفريقية في مواجهة الغرب، الذي يتزايد قلقه من تنامي النفوذ الروسي في العديد من المناطق الاستراتيجية بالقارة، وهو ما يعني أن أفريقيا ستظل ساحة صراع محتدم بين موسكو والغرب خلال المرحلة المقبلة؛ الأمر الذي ستكون له تداعياته السلبية على أمن واستقرار القارة، كما سيهدد الاقتصادات الأفريقية بمزيد من التأزم في ضوء اعتمادها بشكل كبير على إمدادات الغذاء والطاقة من الخارج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى