أقلام وأراء

إميل أمين: ضريبة الكربون و«الأبوكريفية الطاقوية»

إميل أمين 30-9-2023: ضريبة الكربون و«الأبوكريفية الطاقوية»

على عتبات مؤتمر المناخ العالمي المقبل «كوب 28»، الذي سيعقد في دولة الإمارات العربية المتحدة، خرج علينا رئيس وزراء بريطانيا الأسبق غوردن براون، بعزفٍ ليس جديداً، حول حتمية إلزام الدول النفطية بدفع ضريبة عالمية لمساعدة الدول الفقيرة على مكافحة تغيّر المناخ؛ تلك الضريبة التي حامت من حولها الشبهات من قبل، «ضريبة الكربون» المزعومة.

قراءة تصريحات براون بعمق وتؤدة تكشف عن أن الرجل ليس مهموماً بمآلات «أمن الأرض»، ولا بشؤونها وشجونها، إنه فقط محموم بفكرة «الثروة»، وكيف لها أن تمضي بعيداً عن المراكز التقليدية الغربية التي هيمنت عليها لخمسة قرون خلت.

حديث براون عن قيام الدول النفطية بالمساهمة بنسبة 3 في المائة من عوائد صادراتها، أي ما يعادل إجمالي 25 مليار دولار في عام 2022، لا يبعد كثيراً عن قضية «شيطنة الطاقة الأحفورية»، وتعليق ذنوب كوكب الأرض برقبتها، وهو الأمر الذي يثير الريبة في المسألة الإيكولوجية برمتها، وينحو بها لجهة أحاديث المؤامرة السياسية، من غير تهوين أو تهويل.

مثير جداً شأن السيد براون، ذلك أنه لم يلتفت بالنقد الذاتي لقرار رئيس وزراء بلاده، ريشي سوناك، الخاص بتأجيل بعض خطط الحياد الكربوني في المملكة المتحدة، الأمر الذي أثار القلق بين أوساط المدافعين عن البيئة.

سوناك يؤجل بعض سياسات التحول الأخضر، على رأسها تأجيل حظر بيع سيارات البنزين والديزل الجديدة إلى 2035، واستبدال المضخات الحرارية بالغاز في الغلايات الكهربائية.

الازدواجية الأخلاقية الغربية تلامس عنان السماء، عبر تأمل حال رئيس الوزراء الحالي الذي يستعد لطرح ما سمّاه «نهجاً أكثر ملاءمة»، لتحقيق هدف الحياد الكربوني في المملكة المتحدة، أي الاستمرار في الاستعانة بالطاقة الأحفورية التقليدية من نفط وغاز لما يحققه ذلك من تخفيف الأعباء عن كاهل مواطنيه، بوصف هذا النوع الطاقوي الأفضل والأيسر استخداماً حتى الساعة، فيما رئيس الوزراء السابق يسعى لتكبيل الآخرين، بما لا يريد لبلاده الالتزام به.

تبدو الحقيقة التي لا مناص من الاعتراف بها، هي أنه رغم خطورة أزمة المناخ العالمي، لا جدال في ذلك، إلا أن طاقة النفط والغاز هي التي قامت عليها ملامح ومعالم الحضارة الإنسانية المعاصرة، من زمن القاطرات البخارية، وصولاً إلى مكوك الفضاء وصواريخ الدفع خارج الكوكب الأزرق.

لم يعرف التاريخ الإنساني ما جعل حياة البشر أسهل وأيسر وأنظف من النفط الخام تحديداً والسابق للغاز بمراحل زمنية واسعة، وحتى مع الأخذ في الاعتبار كل الآثار الجانبية التي تخلفها الصناعات القائمة على النفط، فإنه طور من أحوال البشر، وحسنها بطرق شتى، والعهدة على الكاتبة الأميركية إيرينا سلاف في مقالها المنشور مؤخراً عبر موقع «أويل برايس».

يبدو إلقاء اللوم على النفط والغاز، والتطلعات المريبة للسيد براون، أمراً مثيراً حقاً للتفكير في قضية تبعات استخدام النفط بشكل عام، والعلاقة الجدلية مع تدهورات المناخ، بخاصة في ضوء ما تم تداوله في الأيام الأخيرة عن علاقة الثروة الحيوانية الأوروبية والأميركية، وفي كل بقاع الأرض بمعدلات غازات الدفيئة حول البسيطة.

يبدو المشهد غريباً والربط بين الأمرين أكثر إثارة، غير أن ما صرح به ليونيد فيدون المسؤول في شركة «لوك أويل»، عن العلاقة بين الأبقار وبين غازات الدفيئة، كفيل بأن يراجع السيد براون دعوته حول «ضريبة الكربون»، ويطالب المجتمعات الغربية بالمثل قبل مطالبة الغير.

يقول السيد فيدون، إن كل بقرة تنتج يومياً ما يصل إلى ثلاثمائة لتر من الميثان، وهو أحد أخطر غازات الدفيئة التي تتصاعد مغلفة الكوكب.

معنى ذلك أن البقرة الواحدة تنبعث منها مخلفات تضر البيئة أكثر مما يتم حرقه من نفط أو غاز في سيارة طوال اليوم، وهو أمر لم يسمع به من قبل.

هل سنرى دعوة من أحدهم تطالب بالاستغناء عن نحو مليار ونصف المليار بقرة على كوكب الأرض، دفعة واحدة، كما يتم الترويج للتخلي مرة وإلى الأبد عن الهيدروكربونات؟

توجد غالبية الثروة الحيوانية في عدد قليل من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، حيث تستحوذ فرنسا على 23.3 في المائة من أبقار الاتحاد الأوروبي، ويوجد 24.8 في المائة من الأغنام في أسبانيا، وقد شكلت مع اليونان أكثر من نصف ماعز الاتحاد، أما هولندا فهي حجر الزاوية العالمي وليس الأوروبي فقط في عالم الأبقار… هل سيتم الاستغناء عن هذه الثروة بكل ما تتضمنه من صناعات تدر المليارات على الدول الأوروبية، أم أن الدعوة فقط لفرض ضريبة على الكربون انطلاقاً من أن الأمر مفيد لسياسة بعض الدول من أجل السيطرة على مقدرات وحيوات الآخرين، وربما قطع الطريق عليهم في مدارات ومسارات الثروة والنهوض؟

المطلوب تخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنحو الثلث في عام 2030، لكن الحقيقة التي لا مراء فيها أن الطريق بعيد، لا سيما في ضوء «الأبوكريفية الطاقوية»، من جانب القوى القطبية الكبرى، مع عدم تحديد أسباب الأزمة المناخية بدقة علمية، وفي غياب رؤية ناجعة يتفق من حولها الجميع لمداواة الكوكب المتألم، بعيداً عن الألاعيب والأحاييل المتركزة على التنافس البراغماتي والنرجسية الرأسمالية غير المستنيرة.

هل يريد السيد براون أفكاراً خلاقة؟

حسب مؤشر نفايات الأغذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لعام 2021، فإن البشرية تهدر على مستوى العالم مليار طن من الطعام سنوياً، وهو ما يمثل 8 – 10 في المائة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

أما صرعات «الأزياء الحديثة»، فإن صناعتها تساهم بانبعاثات كربونية معدلها مساوٍ للمعدل المتقدم بالضبط، وأكثر من جميع الرحلات الجوية الدولية والشحن البحري المستخدم للنفط والغاز.

لم يساءل براون عن صناعات الأخشاب الغربية التي تدمر 12 مليون هكتار من الغابات كل عام، ما يفاقم انبعاثات الغازات بما يقرب من 25 %.

الخلاصة… حبال المؤامرة قصيرة… لكن اليقظة واجبة لما سيدور من حولنا في «كوب 28» على نحو خاص.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى