ترجمات عبرية

إسرائيل اليوم: إنه المناخ وليس السلاح النووي

إسرائيل اليوم 23-7-2023، بقلم أيال زيسر: إنه المناخ وليس السلاح النووي

عمّت أوروبا الأسبوع الماضي موجة حر لا يتذكرها حتى شيوخ القارة؛ ثمة أرقام قياسية تحطمت في إيطاليا وإسبانيا، وسجلت درجات حرارة أعلى بنحو 10 حتى 15 درجة عن المتوسط في هذه الفترة من السنة. والحر شوش نمط الحياة، وشل النشاط الاقتصادي، وهرّب السياح – والأسوأ، خلّف وراءه عشرات المصابين.

يضاف هؤلاء إلى أكثر من 60 ألف نسمة ماتوا حتى الآن في أرجاء أوروبا، وفق تقديرات، بسبب موجات حر الصيفين الماضي والحالي. وثمة درجات حرارة عالية سجلت أيضاً في الولايات المتحدة والصين وجنوب شرق آسيا وأخيراً حتى في إسرائيل. غير أنه عندنا، بل وعند العالم الغربي المتطور، يدور الحديث عن مسألة الدخول إلى مجال مكيف وشرب الكثير من الماء درءاً من الإصابة بالجفاف.

لكن الوضع مغاير نوعاً ما في أرجاء الشرق الأوسط الذي حولنا. ففي دول الخليج، والعراق وإيران، سجلت درجات حرارة تقترب من حافة الحرارة التي يمكن لجسم الإنسان أن يحتملها. يتبين أن درجات الحرارة ارتفعت في منطقتنا على مدى العقود الأخيرة بشكل أسرع بكثير مما في أجزاء أخرى من العالم. مثل هذا الواقع، إذا ما استمر وأصبح ظاهرة دائمة مثلما يخشى الخبراء، فقد يحول مناطق واسعة من الشرق الأوسط إلى “مناطق يتعذر للبشر العيش فيها”.

لكن موجات الحر هي الطرف الأخير للجبل الجليدي. فتبخر مخزونات المياه بسبب الحر الشديد، وفي أعقاب حالات جفاف شديدة لم تشهدها المنطقة في السنوات الألف الأخيرة، يؤدي إلى نقص حاد في مياه الشرق والري وعلى أي حال إلى انهيار الزراعة التي يعتمد عليها معظم سكان المنطقة. الصحراء والقفر يعودان إذن ويحتلان مناطق كانت مأهولة بالبشر، نقيض الميل في المنطقة على مدى مئات السنوات الأخيرة.

ينبغي أن يضاف إلى هذا أن السكان في منطقتنا يواصلون النمو بوتيرة سريعة. يقدر عددهم اليوم بنحو 500 مليون نسمة، خمسة أضعاف عدد سكان الشرق الأوسط قبل 50 سنة. وحسب التقديرات، سيزداد هذا العدد إلى نحو 750 مليون نسمة في العام 2050.

حتى في أفضل الظروف، سيصعب على دول المنطقة أن توفر احتياجات السكان المتزايدين بسرعة. فما بالك والحديث يدور عن مدن ضعيفة، عديمة البنى التحتية الاقتصادية والتكنولوجية، والأخطر من هذا، دول تسيطر عليها أنظمة دكتاتورية وفاسدة، تعنى بصراعات بقاء في الداخل وخصومات مع الجيران.

إن أزمة المناخ هي إذن خطر وجودي على سلامة المنطقة بقدر لا يقل عن التحول النووي لإيران، وربما تكون المسمار الأخير في نعش الشرق الأوسط والحكم على سكانه بحياة الفقر والضائقة، والنقص الدائم للغذاء والماء، وعلى أي حال أيضاً لواقع بالنقص في الاستقرار السياسي، والنزاعات والحروب المستمرة.

حتى دول الخليج الغنية، لن تفلت من مصير كهذا، سواء بسبب ظروف حالات الطقس المتطرفة التي ستسود فيها أم لأن النفط – الذي يشكل أساس وجودها وازدهارها – قد يفقد أهميته ووزنه في الاقتصاد العالمي.

تملك إسرائيل العلم والتجربة وكذا التكنولوجيا المتطورة التي يمكنها بواسطتها أن تساهم بل وتنقذ جيرانها من المصيبة المستقبلية التي ستقع على رؤوسهم. غير أن معظم دول المنطقة – سوريا، لبنان، العراق، السودان وليبيا – انهارت أو هي اليوم في طريقها إلى الانهيار، وهي على أي حال لا تزال منشغلة في خلافات الماضي وليس في تحديات المستقبل.

من ينبغي لها أن تقلق إلى جانب إسرائيل من آثار أزمة المناخ على الشرق الأوسط هي أوروبا، التي تتصدى اليوم لموجات المهاجرين بلا نجاح. الاضطرابات التي عصفت بفرنسا الشهر الماضي هي دليل على فشل الجهد الأوروبي وبالتأكيد الفرنسي في دمج السكان المهاجرين، حتى من بين أبناء الجيل الثاني والثالث، في نسيج الحياة في دول القارة ولا يمكن الافتراض بأنه واقع سيتغير في المستقبل.

وهكذا سيبقى الشرق الأوسط يصدر مشاكله إلى العالم المحيط به، موجات مهاجرين عديمي الأمل لمستقبل أفضل يقدمون ريح إسناد للتطرف الإسلامي وللإرهاب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى