أقلام وأراء

إبراهيم نوار: أمريكا تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه من نفوذها في الشرق الأوسط، هل تستطيع؟

إبراهيم نوار 7-6-2023: أمريكا تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه من نفوذها في الشرق الأوسط، هل تستطيع؟

بينما الدبلوماسية الأمريكية تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى من نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، تتجه دول الخليج وشمال المحيط الهندي إلى إقامة نوع من التحالف العسكري في ما بينها، من شأنه «تحييد» دور الأسطول الخامس الأمريكي في المنطقة، ويضعف دور القوى الأوروبية الحليفة للولايات المتحدة، مثل بريطانيا وفرنسا. وقد جاء الإعلان عن السعي لإقامة هذا التحالف قبل أيام من الزيارة التي يقوم بها للسعودية حاليا وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن في الفترة من 6 إلى 8 يونيو الحالي، لمناقشة التعاون الاستراتيجي الثنائي بين البلدين، كما يعقد فيها لقاءات مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ووفود من الدول المشاركة في التحالف العالمي ضد «داعش».

في هذا اللقاء ستكون العلاقات السعودية الخليجية مع إيران، ورغبة الولايات المتحدة في تسهيل إقامة علاقات طبيعية بين السعودية وإسرائيل هي أهم الموضوعات، إلى جانب رسالة مهمة يعتزم وزير الخارجية الأمريكي توجيهها إلى الجميع لتضييق نطاق التعاون مع كل من روسيا والصين. هذه التطورات السريعة تأتي بعد زيارات تمهيدية قام بها للسعودية مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، لمناقشة سبل تطوير العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، إضافة إلى زيارة قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال مايكل كورييلا في الشهر الماضي، لمناقشة تطوير التنسيق العملياتي والمناورات المشتركة مع القوات السعودية.

تحالف إقليمي جماعي

في نهاية الأسبوع الماضي أعلن قائد القوات البحرية الإيرانية الأدميرال شهرام إيراني، أن دول الخليج بالمشاركة مع كل من الهند وباكستان في طريقها لبناء تحالف بحري لمنطقة شمال المحيط الهندي، تكون مهمته حفظ الأمن والسلام في تلك المنطقة. ومن المتوقع أن تكون ضمن مهام هذا التحالف ضمان حرية المرور للسفن عبر مضيق هرمز، وفي بحر عُمان، في طريقها من وإلى المحيطات المفتوحة: الهندي والأطلنطي والهادي. وفي السياق نفسه أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة انسحابها من القوة البحرية المشتركة «سي إم إف»، التي تم تأسيسها تحت إشراف القيادة المركزية الأمريكية. وطبقا لما يتردد بشأن التحالف البحري الجديد في الخليج، الذي سينهي تقريبا دور الأسطول الخامس الأمريكي، ويجعله مجرد «خيال مآتة» لا قيمة له في المنطقة، فإن الدول التي ستتولى تأسيسه، تضم السعودية والعراق وإيران والبحرين وقطر والإمارات.

ومن المرجح أن تشارك فيه أيضا سلطنة عمان، التي تشارك منذ سنوات في تدريبات عسكرية مشتركة مع إيران. كما تضم المشاورات الجارية كلا من الهند وباكستان. ولم يرد اسم الكويت في المشاورات، لكن الدولة النفطية العربية لها مصالح مؤكدة في الانضمام إلى ترتيب إقليمي لضمان أمن الملاحة. وقد تضمنت تصريحات الأدميرال إيراني الإشارة إلى التحالف البحري الثلاثي، الذي يضم الصين وروسيا وإيران، الذي يطلق عليه تحالف «الحزام (الطوق) الأمني البحري»، وهو ترتيب عسكري يوازي طريق الحرير البحري، ضمن مبادرة الحزام (الطوق) والطريق. ومن المعروف أن الدول الثلاث قامت بتوسيع نطاق التنسيق البحري مع جنوب افريقيا. وقال إيراني، إن المنطقة سيصبح بإمكانها قريبا التخلص من القوات غير الشرعية الموجودة فيها، وهو يقصد بذلك الأسطول الخامس الأمريكي والقوات الأمريكية التابعة للقيادة المركزية.

وعلى الرغم من عدم صدور تصريحات رسمية في العواصم العربية المعنية، فإن وزراء خارجية إيران والسعودية والهند، الذين عقدوا في الأسبوع الماضي اجتماعات منفصلة على هامش اجتماع وزراء خارجية مجموعة بريكس في جنوب افريقيا، ناقشوا سبل تعزيز التعاون بين الدول الثلاث، في إطار العلاقات بين أعضاء المجموعة والدول الساعية إلى عضويتها. ومن المرجح أن تكون المحادثات قد تطرقت إلى مسألة أمن الممرات البحرية الاستراتيجية في شمال المحيط الهندي ومضيق هرمز، لترويج فكرة إقامة نوع من الترتيب الأمني الجماعي الإقليمي، بعيدا عن تدخل الولايات المتحدة.

ومن الملاحظ أيضا أن هذا الترتيب المقترح يضم باكستان إلى جانب الهند، وهو ما يمكن أن يساعد على تحويل العلاقات بين الطرفين من التوتر إلى الهدوء والتعاون. ويضم «الحزام (الطوق)الأمني البحري» حاليا ثلاث دول هي الصين وروسيا وإيران. وقد شملت المناورات البحرية للدول الاعضاء في شهر مارس من العام الحالي، تمرينات على أعمال التنسيق البحري في عمليات لإنقاذ سفينة تحترق، وعملية لإنقاذ أفراد طاقم سفينة تجارية تعرضوا للاختطاف، والتصويب على أهداف بحرية معادية ليلا ونهارا. وفي نهاية المناورات أعلن قائد البحرية الإيرانية أن دولا أخرى ستشارك في مناورات العام المقبل 2024. ومن التطورات الإقليمية الجديدة أن المفاوضات بين مصر وإيران بشأن استئناف العلاقات على أعلى مستوى بين البلدين، والترتيب لعقد لقاء قمة بين رئيسي البلدين، قد وصلت إلى مرحلة متقدمة جدا. هذا من شأنه أن يعطي العلاقات الإيرانية – العربية الدفعة الأخيرة التي تحتاج إليها لتعزيز نفوذها في المنطقة على غير هوى الولايات المتحدة.

الرد الأمريكي

تعتبر واشنطن إقامة مثل هذا التحالف بين الدول العربية الخليجية وإيران، أمرا يتناقض مع المنطق، إذ كيف يعقل أن يتحقق الأمن الإقليمي بالمشاركة مع القوة الرئيسية التي تعتبرها واشنطن محرك زعزعة الاستقرار في المنطقة وهي إيران. وقال المتحدث باسم قيادة الأسطول الخامس تيم هوكينز، إن إيران قامت خلال العامين الأخيرين بمهاجمة 15 سفينة ترفع أعلام دول أجنبية، أو الاستيلاء عليها في الخليج. وقال إنه لهذا السبب فإن الأسطول الخامس يعزز نشاطه الدفاعي في مضيق هرمز بالتعاون مع شركاء آخرين. ونفى المتحدث انسحاب الإمارات من القوة البحرية المشتركة «سي إف إم»، التي تضم 38 دولة حليفة للولايات المتحدة من بينها، دول عربية مثل الإمارات، على الرغم من صدور الإعلان بهذا الخصوص من وزارة الخارجية الإماراتية. وجاء النفي على أساس أن القوة المشتركة هي مجرد «قوة طوعية»، ليس لها نظام عضوية أو هيكل تنظيمي دائم. هذا النفي في حد ذاته يؤكد أن الإمارات لن تشارك في أنشطة هذه القوة، وأنها تعلن هذه الخطوة استعدادا للانضمام إلى الإطار الأمني الإقليمي الجديد.

تدفقات السلاح الصيني

في العام الماضي تعاقدت السعودية على صفقات عسكرية مع الصين بقيمة 4 مليارات دولار تقريبا، ومن المتوقع أن تشهد الأشهر المقبلة عقد صفقات مهمة وكبيرة القيمة للصناعات العسكرية الصينية في الشرق الأوسط، أهم ما يتردد بشأنها حاليا مشاورات بين كل من السعودية ومصر، وشركات السلاح الصينية لشراء أنظمة دفاع جوي متطورة، بما فيها أنظمة مضادة للمسيرات الجوية «درونز» وطائرات مسيرة متقدمة، ومعدات عسكرية أخرى للسعودية، وطائرات عسكرية صينية (حوالي 12 طائرة) من طراز J-10 C المتعددة الأغراض لمصر، في إطار سياسة تنويع مصادر السلاح. ومن المرجح أن تتم تسوية هذه الصفقات باستخدام اليوان، سواء الذي تحصل عليه السعودية من صادراتها النفطية إلى الصين، أو المتاح لمصر في إطار اتفاق للمبادلة بين اليوان والجنيه المصري، تم منذ سنوات بين البنكين المركزيين في البلدين، ويتم تجديده دوريا. ويعتبر فتح سوق السلاح في الشرق الأوسط أمام صادرات الأسلحة الصينية، تغييرا في قواعد سياسات التسلح الإقليمي في واحد من أكبر أسواق السلاح في العالم من حيث القيمة، ومن حيث نسبة الاعتماد على السلاح الأمريكي.

قلق إسرائيلي

تضغط إسرائيل على الولايات المتحدة من أجل أن يكون تطبيع العلاقات بين تل أبيب والرياض على رأس أولويات محادثات بلينكن الحالية في السعودية. وتخشى أن يكون توسيع نطاق العلاقات بين السعودية وإيران ضربة لاتفاقيات إبراهام، التي تعتبرها إسرائيل الأساس الجديد لعلاقاتها مع الدول العربية، نظرا لأنها لا تتضمن شروطا تتعلق بتسوية القضية الفلسطينية، وتفتح الباب لدمج إسرائيل دمجا كاملا سياسيا واقتصاديا وأمنيا في المنطقة، من خلال ترتيبات «منتدى النقب»، الذي يضم إسرائيل والولايات المتحدة، وعددا من الدول العربية من بينها الإمارات ومصر والمغرب.

وعلى الرغم من أن الإمارات وجهت دعوات رسمية إلى كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس الدولة إسحاق هيرتسوغ للمشاركة في الدورة 28 لمؤتمر الأمم المتحدة للمناخ «COP28»، فإن العلاقات بين الدولتين تشهد نوعا من البرود في الأشهر الأخيرة، مقارنة بما كانت عليه في أعقاب توقيع اتفاقيات إبراهام عام 2020. وتخشى إسرائيل من أن يكون المسار الحالي للدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط بعيدا عن مصلحتها في إقناع الولايات المتحدة بالقيام بعمل عسكري مشترك ضد إيران، خصوصا بعد الاتفاق الأخير الذي أبرمته وكالة الطاقة الذرية مع طهران، بخصوص إغلاق ملفات التحقيق في وجود متبقيات تخصيب يورانيوم إلى مستوى 83 في المئة.

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى