أقلام وأراء

أكرم عطا الله: ممر قبرص البحري قصة قديمة جديدة

أكرم عطا الله ١٠-٣-٢٠٢٤: ممر قبرص البحري قصة قديمة جديدة

«إسرائيل توافق على إنشاء ممر بحري يربط غزة بجزيرة قبرص».. كأن التاريخ يعيد نفسه بمكر شديد، من يقرأ هذا الخبر يعتقد أنه رد فعل على ما جاء في خطاب الرئيس الأميركي الأخير لكنه كان عنواناً رئيساً لصحيفة الحياة اللندنية في الثالث عشر من آب العام 2015 عندما كانت تبحث إسرائيل عن بديل يتمم فك الارتباط نهائياً مع غزة، كانت تلك خلاصة مفاوضات كان يرعاها رئيس الوزراء البريطاني توني بلير لكنها لم تنجح تماماً قبل ثماني سنوات بين تل أبيب والدوحة حيث التواصل مع رئيس المكتب السياسي آنذاك خالد مشعل.

في حزيران 2018 جرى تداول مقترح من قبل وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك أفيغدور ليبرمان بإنشاء رصيف بحري لقطاع غزة في جزيرة قبرص، لم يتم نقاش المقترح تماماً ويبدو أن وجود ليبرمان في وزارة الدفاع وفر له إطلالة على بعض من مشاريع الأمن القومي الإستراتيجية، لكن الأمر كان مبكراً ينتظر نضوج ظروف أكثر مهيأة لتنفيذه.

في العشرين من كانون الأول الماضي كان إيلي كوهين وزير الخارجية الإسرائيلي الذي تم استبداله في الحرب يزور قبرص لإجراء محادث  ١٠-٣-٢٠٢٤ ات بشأن الممر المائي الذي اقترحته نيقوسيا في أوائل تشرين الثاني الماضي «معطياً موافقة إسرائيل على المشروع» الذي بدأ يرى النور بعد أقل من شهر على بدء الحرب دون أن تدرك نيقوسيا أو غيرها أو تفحص مسار المساعدات البرية، كأن هناك معرفة بأن إسرائيل ستغلق المسارات البرية خلال الأشهر القادمة من كان يعرف ذلك ؟. إسرائيل وحدها.

في خطاب الرئيس الأميركي لحالة الاتحاد اندهش المراقبون وإسرائيل أيضاً من قراره بالطلب من الجيش إنشاء ممر بحري للمساعدات لغزة يربطها بقبرص، كان الأمر أشبه بمفاجأة غبية، ولإكمال الدهشة تعلن إسرائيل ترحيبها بالخطة الأميركية لنقل المساعدات من غزة …!.

يا للمفاجأة … إسرائيل وافقت على مشروعها القديم .. الرئيس الأميركي الذي كان أضعف من إدخال كيس من الدقيق لشمال القطاع وأوقف بتسلئيل سموتريتش شحنته التي أرسلها بقرار تجميدها في ميناء أسدود أعطى أوامره بإنشاء ممر بحري دون التشاور مع إسرائيل … ولحسن الحظ، إسرائيل التي لم تكن تعلم أعطت، موافقتها …!

يبدو أن إسرائيل والولايات المتحدة تتعاملان مع الفلسطينيين كمجموعة من السذج ممسوحي الذاكرة والذين يمكن تبليعهم أي شيء.

فقط مجرد إخراج متوسط الأداء وكل شيء يتم تنفيذه، وهم إلى حد ما محقون في هذا فقد اتكأت إسرائيل على انعدام الكفاءة الفلسطينية في إدارة السياسة وانشغال الفلسطينيين بصغائر صراعاتهم على السلطة والحكم، وتمكنت خلال ذلك من تنفيذ أخطر مشروع تخطط له منذ الثمانينيات بفصل غزة عن الضفة وقد تم العام 2007 رغم كل المعطيات والتصريحات قبل ذلك لكن الفلسطينيين ساروا بأقدامهم إلى حيث يريد القدر الإسرائيلي.

جاء الممر البحري كمشروع إسرائيلي قديم جديد يعلنه الرئيس الأميركي، وليس إسرائيل تحت غبار الصواريخ والأزمة الإنسانية التي أغلقت إسرائيل كل أبواب انفراجها متعمدة حتى لا تترك متسعاً إلا للممر البحري، وفي هذه الظروف يهرع الجميع باسم الإنسانية في ذروة الأزمة حيث لا متسع للأسئلة الصعبة حين تتبدى المأساة المصطنعة بهذا الشكل حيث لا تفكير سوى الإنقاذ في حالة الطوارئ.

الإخراج عبر الولايات المتحدة التي استسلمت لعجزها عن إدخال مساعدات من المعابر وكأن الأمر رغماً عن إسرائيل، وتهرع دول عربية لتمويل المشروع ويظهر المشروع كتدخل علاجي طارئ في لحظة إنسانية حرجة أمام عناد إسرائيل التي لم تجد أمام هذا الاندفاع الدولي سوى الاستسلام والرضوخ والموافقة، حتى أن الأمم المتحدة التي تبحث إسرائيل شطب ذراعها الكبيرة في إغاثة اللاجئين «الأونروا» ترسل كبيرة منسقيها للشؤون الإنسانية وإعادة إعمار غزة سيخريد كاخ التي زارت قبرص في الخامس من شباط الماضي لتناقش الممر البحري لقطاع غزة .. كان ذلك قبل أن يعلن الرئيس بايدن قراره بشهر.

الحقيقة أن إسرائيل منذ سنوات طويلة تبحث في هذا الممر كاستكمال لمشروع فصل غزة ودفعها بعيداً.

جاءت الحرب لتحاول إسرائيل اقتلاع غزة من جذورها قتلاً وتهجيراً.

يتخوف الفلسطينيون من أن المشروع أصلاً كان لإيجاد وسيلة للترحيل في ظل إغلاق المعبر مع مصر، هذا الخوف الذي يتزايد مع تصريحات إسرائيلية تساقطت من مسؤولين إسرائيليين بترحيل سكان غزة بهجرة طوعية إذا لم تحدث الهجرة القسرية، وقد عملت إسرائيل كل شيء لجعل غزة غير قابلة للحياة ليبحث الناس عن حياتهم خارجها.

المسألة الأخرى أن الممر يعني فصلاً عن الضفة الغربية والوحدة الجمركية والاستيراد والتصدير والتبادل التجاري وفصلاً عن إسرائيل، وهذا ما كانت تسعى له عندما فشلت في احتوائها وفشلت في إلقائها في حضن مصر.

بقي أن تذهب باتجاه بعيد، باتجاه آخر، من يستطيع الاعتراض وسط هذه الكارثة ؟ لا أحد يملك الجرأة على الاعتراض فمن يعترض سيتم اتهامه بحصار الشعب دون أن يتوقف الجميع أمام عجز العرب والعجم والمسلمين والأوروبيين والأميركيين على إرغام إسرائيل على فتح المعابر كوسيلة أسهل لإدخال مساعدات …هل هذا منطقي ؟

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى