#شؤون مكافحة الاٍرهاب

“أطفال داعش” … مَشْروعُ التنظيم السِّري لِضَرْبِ أوروبا

مرصد الأزهر لمكافحة التطرّف ٢٣-٧-٢٠١٨

يتصدرُ شَبَحُ “العائدينَ” إلى فرنسا مِن مختلفِ مسارِحِ عملياتِ تنظيمِ “داعش” في سوريا والعراق الصفحات الأولي من الصُّحفِ الفرنسية، لاسيما وأنّ هذا الملف يحمِلُ في طيّاتِهِ تحدياتٍ خطيرةٍ تواجِهُ المجتمعَ الفرنسي على كافةِ المستوياتِ الأمنية والسياسية والاجتماعية. ونظرًا لتشابُكِ تلكَ التحديات مع بعضِها البعض، فإنَّ الأجهزة الأمنية تتعامل مع هذا الملف بحذرٍ شديدٍ، حيث يُشكِّكُ الكثيرُ مِن الفرنسيين في مدى ولاءِ هؤلاءِ العائدينَ من “داعش” رجالًا ونساءً لوطنِهِم فرنسا، لاسيما وأنهم قد اختاروا في مرحلةٍ ما مِن حياتِهِم القتالَ في صفوفِ تنظيمِ “داعش”، وتنفيذ مشاريعِهِ الإرهابية على التراب الفرنسي.

 وبمجرد انهيار “مشروع الخلافة”، كما يرونه، على أيدي التحالُفِ الدَّولي المناهض لـــ”داعش”، فرضت العودةُ نفسَها عليهم مع آثارِها المتعددة، فكيف نتعاملُ مع هؤلاء “العائدين” وعائلاتهم؟ هل من خِلالِ اتخاذِ تدابير أمنية وتشريعية معينة تتسق مع سيادةِ القانون وتتوافق مع قِيمِ الجمهورية؟ أم من خِلالِ علاجاتٍ أخرى تعمل علي احتواءِ رغباتهم المحتملة للانتقام، كإعادة تأهيليهم لدمجهم في النسيج المجتمعي، حيث أنهم لا يزالون تحت التأثير الأيديولوجي لمنظمة إرهابية؟ وهل سيتخلونَ بالفعلِ عن قناعاتِهِم المتطرّفة التي اكتسبوها خِلالَ فترةِ انضمامِهِم للتنظيم؟ وما هي الآليات التي من خِلالِها نستطيع تقييم مدى تخلي هؤلاء العائدين عن الفكرِ المتطرف؟

ففي الآونةِ الأخيرةِ لاحَ في فرنسا شبحُ “الأطفال – الجنود” والمعروفين إعلاميًا بـاسم “أشبال الخلافة”، والذين يُمَثِّلونَ قنبلةً موقوتةً؛ لِتَشَبُّعِهِم بالعنفِ والأفكارِ المتطرفةِ الخطيرة التي تُهَدِّدُ أمْنَ المجتمعِ الفرنسي.

 وإذا ما نظرنا إلى الاعترافاتِ التي أدلى بها الإرهابيُّ الفرنسيُّ “جوناثان جيفري[1] سنجدُ أنَّها توحي بأنّ تنظيمَ “داعش” يعتزِمُ إرسالَ “أطفال – جنود”، مِمَّن دَرَّبَهُم التنظيمُ في سوريا؛ وذلك لشنِّ هجماتٍ إرهابيةٍ في أوروبا، الأمر الذي كشفت عنه صحيفةُ “لوموند” الفرنسية بتاريخ 26 يونية الماضي، حيث ذكرت أنّ “صبيًا فرنسيًا” سيقودُ مشروعًا لإرسالِ جنود أطفال من “داعش” لضرب أوروبا، وأنّ هذا الصبي يُعَدُّ “محل ثقة” تنظيم “داعش”، ومعتمدًا عليه في العديدِ من الملفاتِ الأخرى.

وأوضحَ “جوناثان جيفري” أنّ الطفلَ “عثمان” أحد أبناء “جان ميشيل كلاين” السبعة، هو المسئولُ عن هذا الملف، والذي يُعَدُّ واحدًا من أكثرِ التهديداتِ الذي تخشاه أجهزةُ مكافحةِ الإرهابِ في أوروبا، واستنادًا لما قال فإنَّ الأخوَيْن “كلاين” هما مَنْ تقدَّما بهذا المشروع إلى قادةِ التنظيم.

والجديرُ بالذِّكْرِ أنَّ الأطفالَ والمراهقينَ يُشَكِّلونَ الهدفَ الرئيسي لاستراتيجيةِ التجنيدِ الداعشية، وليس هذا فحسب، بل الأكثر من ذلكَ أنهم بمثابَةِ الرُّكْنِ الرَّكين لمشروعِهِم السياسي الديني، وهو الأمرُ الذي نلاحظُهُ وبقوةٍ مِن خِلالِ الدِّعايةِ الداعشية؛ حيثُ تتصدرُ صورُ الأطفالِ المقاتلين متنوعي الأعمار الدعايةَ الداعشية. فالفكرُ الداعشي يولي أهميةً كبيرة لتجنيدِ الأطفال وتدريبِهِم عسكريًا بغرضِ إعدادِهِم لخوضِ المعارك.

وعندما ننظرُ إلى هؤلاءِ الأطفال في الدِّعايةِ الداعشية، نتذكرُ الظروفَ المعيشية التي نشأوا بها في تلك المنطقة المضطربة، والأدوارَ المرجو أن يلعبوها بتلكُمُ الخلافة المزعومة. فعادة صورة الطفل تُحيلُ الإنسانَ إلى منطقيةِ ورمزيةِ التجددِ والبعث؛ الأمر الذي استغله تنظيمُ “داعش” في دعايتِهِ واستثمرهُ في رسم صورة في عقل المتلقي يحاولُ يُثْبِتُ من خِلالِها أنَّ للتنظيمِ مستقبًلا.

فتمثيلُ الطفولةِ في الدعايةِ الداعشية هو تعبير عن التجددِ والسعادة التي تأتي بُعيد تحطم حكم الديكتاتورية من المنظور الداعشي، فنرى “أشبال الخلافة” كما دأبَ تنظيمُ “داعش” على تسميتهم من فرنسيين وشيشانيين وأكراد وتونسيين وأمريكيين ومن جنسيات أخرى، كلهم جنبًا إلى جنب، يلعبون ويضحكون، ولكن كذلك يقاتلون ويرتكبون الفظائع، الأمر الذي يُصَوِّرُ في ذهنِ المتلقي أنَّ التنظيم قد نجحَ في دمجِ هؤلاء الأطفال رُغْمَ اختلافِ ألسنتِهِم وألوانِهِم وجنسياتِهِم، واستطاعَ ترويض عقولِهِم رُغْمَ صِغَرِ أعمارِهِم، فهم قنابل موقوتة في يَدِ التنظيم يُفجِّرها أينما شاء ووقتما شاء.

ووفقًا للأرقامِ التي قدَّمَها مركزُ “صوفان” وهو منظمة غير ربحية أسسها عضو سابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي ومتخصص في مكافحة الإرهاب، فإنَّ عودةَ الأسر مع أطفالِهِم المولودين أو الذين نشأوا في مناطقِ الصراعِ السورية – العراقية، هي مسألة معقدة للغاية، وستتفاقم خِلالَ الأشهرِ والسنواتِ القادمة.

فمن خِلالِ مِنَصَّةِ جريدةِ “لوموند” التي أجرت حوارًا مع الباحثة الاجتماعية “حسنا حسين” والتي ترى أنه يجِبُ متابعة هؤلاء القُصَّر عن كَثَبٍ لمعرفةِ الظروف المعيشية، وآليات التجنيد التي كانت ينتهجها تنظيمُ “داعش” في الأماكن التي عاش فيها هؤلاء الأطفال، كما أشارت الباحثة إلى  التقرير الذي نشرته الجريدة، والذي يفيد بأنَّ هناك حوالي 2000 طفلًا تتراوح أعمارهم بين 9 إلى 15 عامًا، تَمَّ تجنيدُهُم وتدريبُهُم مِنْ قِبَلِ تنظيمِ “داعش”، في الفترة من 2014م إلى 2016م، من بين هؤلاء الأطفال كان هناك ( 460 طفلًا) فرنسيًا؛ الأمر الذي يضع فرنسا على قمةِ ترتيب الدول المُصَدِّرَة للأطفالِ الجنود، ثم تأتي روسيا بعدها بعدد (350 طفلًا)، ثم بلجيكا (118 طفلًا)، ثم هولندا (90 طفلًا)، بالإضافة إلى عودة العديد من الشباب المُدرَبين من قِبَلِ تنظيمِ “داعش” إلى الأراضي الفرنسية.

انَّه من المفترض وجود “أطفال عائدين” من مناطق الصراعِ العراقية السورية متواجدين حاليًا على الأراضي الفرنسية، وحَسْبَ السلطات الفرنسية فإنَّ ثلثي هؤلاء الأطفال كانوا قد رحلوا إلى مناطقِ النزاع السورية العراقية بصحبة الأبوين، بينما الثلث الأخير يتمثّل في الأطفال الذين وُلدوا هناك بالفعل ولا يبارح سِنُّهُم السنةَ الرابعة.

هذا وتتحدث نفس السلطات عن 77 طفلًا قد عادوا إلى فرنسا سواء كانوا بصحبةِ الأبوين أو بدونِهِم، فكيف كانت هي آلية استقبال هؤلاء الأطفال لدى عودتهم؟

الحُكومَةُ الفَرَنْسيَّةُ في مواجَهَةِ الأطْفالِ العائِدينَ مِن مِنْطَقَةِ الصِّراعِ :

فيما يتعلَّقُ بعودَةِ أبناءِ الفرنسيين المنخرطين في جبهاتِ القتالِ بالعراق وسوريا، أعلنت الحكومةُ الفرنسية في 23 من مارس 2017م، على لسانِ رئيس الوزراء الفرنسي آنذاك “برنارد كازنوف”: أنّ نيابة قضائية متخصصة ستقوم بتقييم حالة كلِّ قاصر على حِده، وسيكون بإمكانها تقرير احتمالية الملاحقة القضائية، وستلجأ إلى قاضي الأحداث من أجلِ توفيرِ كافةِ إجراءاتِ الحمايةِ اللازمة، كما سيخضعُ الأطفالُ إلى متابعةٍ طبيةٍ نفسيةٍ مناسبةٍ إذا استدعى الأمر ذلك، وسيتِمُّ تأهيلُ وتوعيةُ المختصين بمتابعةِ هؤلاء القُصَّر بهذه الإشكالية ذاتِ الطابعِ الخاص.

ومن جانِبِها أعلنت حكومةُ “إدوارد فيليب” أنه فورَ وصولِ هؤلاءِ الأطفال إلى مطار “رواسي – شارل ديجول” سواء مِمَّن ولدوا في فرنسا أو في سوريا، ستعمل وزارةُ العدلِ ووزارةُ التضامُنِ الاجتماعي على رعايتِهِم، كما أنَّ هناكَ الأدوات التقليدية اللازمة لحمايةِ هؤلاءِ الأطفال، مع مراقبةِ سلوكياتِهِم مِن قِبَلِ المعلمين أو الكفيل العائلي الذي تراه السلطةُ القضائية مناسبًا، وقد أُسْنِدَت كفالةُ بعضِ الأطفالِ إلى أجدادِهِم، وتَمَّ تسليمُ طفلينِ إلى والدتهِما تحتَ إشرافٍ قضائي.

وأوضحت الحكومةُ الفرنسيةُ أنَّ القاصرين العائدين الآن أو قبل صدورِ مرسوم 23 من مارس 2017م، ستتِمُّ رعايتُهُم مِنْ قِبَلِ مؤسساتِ المساعدةِ الاجتماعيةِ للطفولة، أو مِن قِبَلِ مؤسساتِ الحمايةِ القضائيةِ للشباب بموجبِ تكليفٍ من قِبَلِ “قاضي الأحداث”، مع ضمانِ التقييم الطبي والنفسي، والمتابعة الطبية لكلِّ قاصر.

وتَجْدُرُ الإشارةُ إلى أنه وفقًا لأحكامِ “المادة رقم 375/7” من القانون المدني الفرنسي، فإنه في حالةِ إيداعِ الطفلِ يحتفظُ والداهُ بالحَقِّ في المراسلاتِ والزيارة والاستضافة، ولقاضي الأحداث فقط الحَقّ في أن يُقرِّرَ تعليق هذا الحَقّ أو تعديله، كأن يُقرِّرُ أن تكونَ الزيارة أو الاستضافة في حضورِ طرفٍ ثالثٍ إذا كان هذا الأمر في مصلحةِ الطفلِ. كما لقاضي الأحداثِ أيضًا الحَقّ في تقريرِ القطع أو الحفاظ على الروابط مع العائلة، بناءً على المعلوماتِ التي يحصلُ عليها القاضي من خِلالِ الاستماعِ إلى الأطفالِ والآباء وأفراد الأسرة، أو عن طريقِ استنتاجاتِ التقييمِ النفسي التي أجراها الأطباءُ المختصون، أو من خِلالِ أولِ تقريرٍ مِن قِبَلِ مؤسساتِ المساعدةِ الاجتماعيةِ للطفولة؛ فيمكن للقاضي أن يمنعَ تواصلَ الأسرةِ مع الطفلِ إذا رأي أنَّ هذا الأمر في صالحِ الطفل. وباختصار فإنَّه في جميع الحالات يتخِذُ القاضي قرارَهُ في دراسةٍ صارمةٍ لمصلحةِ الطفلِ في ضَوْءِ التقييمِ الذي تَمَّ إجراؤه.

أمّا بالنسبةِ للآباء غير المطلوبين قضائيًا فيحقُّ لهم احتضان الطفل وِفْقَ المعمول به من الحقوقِ الاجتماعية، والاجراءات القضائية المعمول بها، كذلك من الممكن أن تكون كفالة الأطفال الأقل من ثلاث سنوات حَقًّا للأم ولكن في مراكز الأمومة.

وأشارت الحكومةُ الفرنسية إلى ضرورةِ تدريبِ ودعمِ المهنيين المسئولين عن دعمِ ورعايةِ هؤلاء القُصَّر، من خِلالِ توفيرِ التدريبِ المناسِبِ بما في ذلك جلسات التوعية لعمليةِ التَّطَرُّفِ، وكذلك التدريب على مراقبتِهِم، والهدف من ذلك هو السَّماح بمعرفةٍ أفضل لعملِ كُلٍّ مِن المهنيين وتنسيقٍ أفضل لمرافقةِ هؤلاءِ القُصَّر عَلى الصعيدِ العالمي.

 


[1] – مقاتل فرنسي سابق في صفوف داعش، تم أسره في مطلع عام 2017م، على يد أحد جنود الجيش السوري الحر أثناء محاولته الفرار هو وزوجته وطفليه من سوريا، وتم ترحيلهم إلى فرنسا في سبتمبر 2017م، وتم اتهامه بتهمة ” التآمر لصالح تنظيم إرهابي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى