يديعوت: وهم اليوم التالي
يديعوت 16-5-2024، بقلم يوسي يهوشغ: وهم اليوم التالي
ما قاله وزير الدفاع للجمهور امس (أول من أمس) سمعه كل من شارك في جلسات الكابنت مثلما سمعه صحافيون وصحافيات كانوا حاضرين في الإحاطات الإعلامية المغلقة. اذا ما كررنا خلاصة أقواله، فان الوزير يوآف غالنت يعتقد أن «اليوم التالي» لحماس لن يتحقق الا من خلال سيطرة محافل فلسطينية بمرافقة دولية. هذا هو البديل السلطوي لحكم الشر الذي تثبت وتعاظم في غزة. بزعمه، هذه مصلحة قومية إسرائيلية، وليس اقل أهمية: غياب القرار في الموضوع يؤدي بحكم الامر الواقع الى إقامة حكم عسكري ومدني في القطاع. واقع كهذا، حسب غالنت هو «خطير لإسرائيل استراتيجيا وأمنيا».
ظاهرا، يوجد منطق ما في اقوال غالنت، ولا شك ان الأصوات إياها سمعت في الاسرة الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة. غير أن غالنت بالذات، الذي يعرف المعطيات كما يعرف أطياف غزة أيضا، يعرف أن الأمور اكثر تركيبا بل وحتى متعذرة. كما أن البديل الذي تعود فيه السلطة الفلسطينية للحكم في غزة غير ذي صلة قبل أن تهزم حماس.
عمليا، كل قوة تدخل فيما تكون حماس لا تزال في الميدان باي شكل كان ستكتشف بان لديها جملة خيارات لكيفية انهاء حياتها: شنقا، القاء من السطح او برصاصة في الرأس.
لقد استعرض غالنت في أقواله أيضا الأعمال المتفرعة في الضفة. فهل لعله بحاجة الى تذكير بقدرة السلطة المحدودة، على اقل تقدير، للعمل في مخيمات اللاجئين في جنين وطولكرم؟ فلئن كان ينبغي الاستخلاص من الوضع في الضفة، فان السلطة لن تصمد حتى 24 ساعة امام مسلحي حماس. فاذا كانت إسرائيل بحاجة الى سلاح من الأميركيين، تخيلوا ما هي احتياجات أجهزة الامن الفلسطينية. والآن اخرجوا واحسبوها، ماذا سيكون مصير عشرات الاف البنادق الذي ستنزل احتفاليا في ايدي الجمهور الذي يؤيد بنسب صادمة احداث 7 أكتوبر.
ان جهاز الامن وفي اطاره قيادة الجيش لا تفكر بصوت واحد في الموضوع. الحجج ثقيلة الوزن وجديرة ببحث معمق. لكن مهما يكن من امر لا نزال كلنا نحمل ندبة الغرور والاعتداد بالنفس التي أدت الى الخطأ الكارثي في قراءة نوايا وقدرات حماس. المحافل في هيئة الأركان وخارجها أيضا والتي باسمها يتحدث غالنت تفعل هذا انطلاقا من فهم مهني والتزام وطني حقيقي. لكن بعض التواضع أيضا لن يضرها في ضوء قصورات الماضي، والتذكير من هو المستوى الموصي ومن هو المستوى المقرر.
الحقيقة لم تتغير منذ أصبحت غزة معقل إرهاب غير مسبوق: لا أحد سيخوض حربنا بدلاً منا، ولا أحد سيتطوع للتضحية بنفسه او بعائلته من أجلنا. لأجل هذا الغرض قامت الدولة التي احتفلنا باستقلالها قبل يومين فقط: الدفاع عن انفسنا بقوانا أنفسنا. لن يدخل أحد القطاع وبالتأكيد لن ينجح في ادارته قبل أن تسقط إسرائيل حماس. عدو بعث 3 آلاف مخرب ليذبحوا، ليغتصبوا ويخطفوا مواطنات ومواطنين ليس جهة تبقى منها حتى ولا ذرة غبار. لم نفعل هذا في الرصاص المصبوب وفي الجرف الصامد والآن لم يتبقَ بديل، والاثمان كانت، وستكون باهظة جداً.
لا يوجد إسرائيلي واحد لا يتمنى اليوم الذي نتوقف فيه عن النزف في غزة، أن تهدأ الجبهة الشمالية وتعود حياتنا الى مسار معقول ما. لكن لا يوجد شرق أوسط بديل، والنار التي تعود «لتنقط» في بلدات النقب الغربي تشهد على ان المهمة لم تنته. لنفترض أننا انتصرنا غداً وازدادت النار، فماذا سنقول لسكان سديروت والغلاف وربما أيضاً عسقلان؟
لأسفنا، بسبب سلوك فاشل قبل الحرب، إدارة إشكالية للحرب في ظل تعاظم الضغط الأميركي في أعقاب الإخفاقات، علقنا في وحل مغرق على نحو خاص. لكن الغرق فيه ليس الحل: الأعداء والحلفاء المحتملون ينظرون ويقيسون كل حركة، والفشل من شأنه أن يجبي منا ثمناً حتى اعلى من ذاك الذي ندفعه حتى الآن. وما لا يقل خطورة هو الفجوة بين التضحية الهائلة لأفضل أبنائنا، الجيل الذي لا يقل عن مقاتلي الـ 1948 الأسطوريين، وبين القيادة المنشغلة بالمناورات حول ضائقة التجنيد وإطلاق التهديدات في المؤتمرات الصحافية. إذا كانت هكذا بدأت السنة الـ 77 للدولة، مفزع التفكير كيف ستنتهي.